صاحب السمو الملكي ولي العهد حفظه الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد، فكم تمنيت يا سمو الأمير أنكم ترون الأكف المرتفعة والألسنة الداعية لكم بالتوفيق والسداد والعمر المديد في طاعة الله، على ما تضمنه البرنامج الثقافي والخطابي والإنشادي لمهرجان الجنادرية هذا العام، وهو المهرجان الثامن عشر، من فقرات رائعة ومسددة تناسب المرحلة وتنسجم مع الظروف الراهنة، وتنقل وجهة نظرنا بصوت عالٍ ووضوح تام إلى العالم حول هذه القضايا الساخنة التي يلت فيها الإعلام الغربي الموجّه ويعجن ويحاول فيها أن يلبسنا ثياباً ليست لنا ولا على مقاسنا، وحقاً أن مهرجان الجنادرية هذا العام بلغ أشده واستوى على سوقه، وكأنكم يا صاحب السمو ترون أن بلوغه عامه الثامن عشر دليل على بلوغه السن العالمية للرشد والنضج والكمال، وأنه تجاوز مرحلة المراهقة والاسترخاء والهامشية، وأن الظروف الراهنة يجب أن تعصره وتعصر غيره من برامجنا ومؤسساتنا ووسائل إعلامنا كي نرقى جميعاً لنواكب المرحلة ونعد أنفسنا للمواجهة العاقلة الحكيمة التي فرضت علينا ولم يكن لنا يد في تحديد أو اختيار زمانها أو مكانها، فاذا كان أمرؤ القيس وهو شاعر جاهلي لم يستنر قلبه بنور الإسلام قد كسر جرة الخمرة ورمى بها حينما قُتل والده وأحاطت به الخطوب وقال كلمته المشهورة: «اليوم خمر وغداً أمر» وشمّر عن ساعده وعصب رأسه وطلّق حياة اللهو والعبث بالثلاث، فإن المسلمين في العالم عموماً وفي هذا البلد خصوصاً مطالبون بالجد والاتحاد، وقد أعجب الجميع بتوجيه سموكم الكريم الذي وجهتموه لجميع المسلمين في أثناء حديثكم لضيوف الجنادرية في مجلسكم العأمر الذي أكدتم فيه على الوحدة ولمّ الشمل ونبذ الخلافات وتوحيد الجهود ورص الصفوف، وأكدتم فيه أن المستهدف ليس بلداً بعينه وإنما هو العقيدة الإسلامية، وقد رأى الجميع يا سمو الأمير انكم تُلِحُّون على هذه المعاني في كل مناسبة، وأنكم تُتْبِعون القول بالعمل، ومهرجان الجنادرية وعنوانه الرائع «هذا هو الإسلام» خير دليل على ذلك، وكأنكم تصلون ما انقطع من تاريخ المسلمين وتذكروننا بمقولة الفاروق الخالدة: «نحن قوم أعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله»، وقبله قول نبينا المعصوم عليه الصلاة والسلام: «تركتم فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، كتاب الله وسنتي» هذه المعاني كلها استحضرها أبناؤكم المثقفون والمواطنون بل والمسلمون عموماً وهم يسعدون باختياركم هذا الموضوع العظيم عنواناً لمهرجان هذا العام، ولست مبالغاً او متجاوزاً للحقيقة حينما أشرت إلى الأكف المرتفعة والألسنة الداعية لسموكم، وإنما أنقل بعض ما رأيت وما سمعت، ووالله إني يا سمو الأمير لا أذكر أني جلست في مجلس يجمع النخبة من أساتذتنا وزملائنا أو طلابنا من المواطنين أو غيرهم إلا ووجدت عندهم هذا الشعور شعور الغبطة والسرور والشكر والعرفان على هذا التطوير الحسن الذي نقل المهرجان من حسن إلى أحسن حتى إنه شمل حفل الإنشاد «الأوبريت» الذي جاء منسجماً في كلماته وطريقة أدائه مع هذا المضمون الرائع، وليس سراً أنكم شخصياً ياسمو الأمير كنتم وراء اختيار الشاعر الإسلامي الكبير الدكتور عبدالرحمن العشماوي وتكليفه بكتابة الأوبريت لهذا العام، وهذا مما يؤكد رغبة سموكم وتوجهكم الصادق إلى إحداث هذه النقلة الكبيرة في شكل المهرجان ومضمونه وروحه، والذي تابع محاضرات المهرجان وندواته يؤخذ بروعتها وانسجامها مع العنوان الكبير وملاءمتها للظروف الراهنة، ويكفيك منها محاضرة: هذا هو الإسلام لمعالي الشيخ صالح ال الشيخ، وندوة: حقيقة الإسلام وندوة: الإسلام والعالم، وندوة العرب والمسلمون في الإعلام الغربي، وندوة: الجهاد والسلام في الإسلام، وندوة: المؤسسات الخيرية، وندوة: موقف الإسلام من الإرهاب، وندوة: دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في بناء المجتمع، وندوة: الفضائيات العربية بين النقد والتقويم، ومحاضرة: الاستراتيجيات الغربية في العالم الإسلامي للدكتور بول فندلي، وقد شارك في هذه الندوات نخبة من العلماء والمفكرين من أنحاء العالم الإسلامي وأوروبا وأمريكا، وليس البرنامج النسائي بأقل حظاً فهناك ندوة عن: صورة المرأة المسلمة في الإعلام الغربي، وندوة عن: المرأة بين الاعتزاز والهزيمة النفسية، وندوة عن: الحرية بين الفوضى والتقييد بالاضافة إلى مشاركة النساء بالحضور والتعليق في ندوات الرجال في قاعة خاصة بهن عبر الشبكة التلفزيونية. صاحب السمو: إن من يطلع على هذا البرنامج لا يملك إلا الدعاء والشكر لسموكم الكريم ولإدارة المهرجان ولجنته الثقافية التي اعدته بهذه الصورة الرائعة ويعجب الإنسان غاية العجب من فئة قليلة من المثقفين والكتاب السعوديين الذين يغردون خارج السرب ويرفعون أصواتاً نشازاً تصف البرنامج بالضعف والفشل ولا أدري ما مستندهم في هذا الحكم وما غايتهم؟! فالعناوين رائعة، والمضامين أروع، والحضور كثير وغير معهود، ولست أقول هذا الكلام من فراغ، وإنما عن حضور ومعايشة لجميع ندوات المهرجان ومحاضراته، وأتمنى لو قامت إحدى المؤسسات المتخصصة المحايدة بعمل استفتاء عام حول برامج المهرجان لتظهر الحقيقة التي ستسر كل مخلص غيور، وستسوء تلك الأقلام التي تريد العودة بنا إلى ندوة الموروث الشعبي في العالم العربي وعلاقته بالإبداع الفكري والفني، وهو موضوع هامشي ترفي لا يليق بنا في هذه الظروف وطبول الحرب تقرع فوق رؤوسنا وحملات التشكيك الإعلامية وصلت إلى ثوابتنا ومقدساتنا ونفذت إلى العظم، وليت إخوتنا هؤلاء هداهم الله يثوبون إلى رشدهم ويستمعون بإنصات وإخلاص إلى توجيهات سموكم المشار إليها حول الوحدة ولمّ الشمل ونبذ الخلاف ورص الصفوف، لأن الوحدة الوطنية القائمة على أسس من الدين خير عاصم لنا بعد الله من هذه الفتن المحدقة بنا من كل جانب، ولقد أدركت يا سمو الأمير بعد رؤيتي لتلك الكتابات الطائشة مغزى قول سموكم الكريم في كلمتكم لضيوف الجنادرية: «أتمنّى منكم كل فيما يخصه أن تسعوا جميعاً إلى لمّ شمل الأمة العربية والإسلامية، لأن الوقت الحاضر يتطلب من كل فرد منا صغيراً أم كبيراً كاتباً أم أديباً أم عالماً أم شاعراً أن يسعى لجمع كلمة الأمة العربية والإسلامية، لأننا يا إخوان هدف، ليس المقصود أي بلد، المقصود العقيدة الإسلامية لا بد أن نضع ذلك في أعماقنا وفي فكرنا، ولكن إن شاء الله الإسلام عزيز بالله ثم بأبنائه، أقول بأبنائه الصالحين، وأقول بأبنائه الوافين لعقيدته وإيمانهم وأخلاقهم وأنتم لها أنتم لها أنتم لها...» انتهى كلام سموه، ولقد صدق حفظه الله فالإسلام عزيز بالله ثم بأبنائه الصالحين الوافين لعقيدتهم، وليس الشاردين الخارجين عن الإجماع والمواطئين دون أن يشعروا مع عدوهم وماذا نقول عن إخواننا المتحاملين هداهم الله على عنوان المهرجان وموضوعه، وإذا لم يعجبهم الحديث عن الإسلام في هذه المحنة وهذه الغمة التي تحيط بالأمة فماذا سيعجبهم؟!، وكيف يريدون منا العودة إلى موضوعات الغفلة والاسترخاء وقد ضاق فضاؤنا وأرضنا وبحرنا بقوات العدد ومخططاته، وإذا لم نصح في هذا الوقت فمتى سنصحو؟! صاحب السمو: أكرر الثناء والدعاء لسموكم الكريم باسمي وباسم كل محب لوطنه ودينه وأمته وأسأل الله أن يجزل مثوبتكم وكل العاملين معكم، وأن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين وشعوبهم من كل سوء مكروه وأن يهدي ضال المسلمين ويلم شملهم ويجمع كلمتهم، وإلى المزيد يا سمو الأمير من هذه البرامج الجادة في كل مجال من مجالات حياتنا. ولم يبق عندي ما أضيفه في هذا الصدد إلا الطلب من تلفزيوننا العزيز بقناتيه الفضائيتين الأولى والثانية أن يبث وقائع ندوات ومحاضرات هذا المهرجان الناجح بعد أن سجلها مشكوراً إلى كافة أنحاء العالم لتعم الفائدة منها ولا تظل محصورة في هذا العدد المحدود داخل قاعة المحاضرات، لأنها مواد دسمة وجاهزة لنخبة من العلماء والمفكرين يصعب الوصول إليهم وجمعهم بهذه الصورة، وإننا لنغبط إخوتنا في دول الخليج على مواكبة إذاعتهم وتلفزيونهم لكافة أنشطتهم وفعالياتهم الثقافية أولاً بأول إما نقلاً مباشراً أو تسجيلاً بعد يوم أو يومين، وإذا لم يخدم إعلامنا مناشطنا الثقافية الكبرى التي ترعاها قيادة الدولة وتشرف عليها فماذا سيخدم؟! سدد الله الخطى ونفع بالجهود وبارك في العاملين المخلصين، وتفضلوا سمو الأمير بقبول خالص تحياتي ودعواتي وتقديري والله يحفظكم ويرعاكم، والسلام عليكم. (*) الأستاذ في جامعة الإمام وجامعة الأمير سلطان الأهلية بالرياض