من الحكمة ألا تبالغ في حب من يستهويك ظاهره حبا مفرطا.. ولا أن تبغض من لا يستهويك بغضا مفرطا.. كذلك. وهذا ما جاء في الأثر إن لم تخني الذاكرة الذي يقول «أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما.. وأبغض بغيضك هونا ما.. عسى أن يكون حبيبك يوما ما...»! ذلك أن تجارب الحياة لا تستقر على نمط من السلوك المبالغ فيه بين حب جارف.. أو كره صارف.. و(الوسطية) في كل شيء هي الطريق الأمثل للتعامل مع الآخرين. ومثال الحب الذي يكون أساسه الاعجاب بشخص ما.. هو ما وقع للكويتيين في إعجابهم بصدام حسين حينما كان يحارب الايرانيين بقيادة الخميني.. بحجة الخلاف بينهما على (معاهدة الجزائر) حول حدود بلديهما. لقد بالغ الكتّاب الكويتيون في الاعجاب بصدام حسين.. بل بلغ إعجابهم به وبجيشه الذي يحارب ايران حد التقديس.. حتى ان شاعرة كويتية قالت في مقدمة قصيدة لها (إنها تضع حذاء الجندي العراقي على رأسها..!). وكان الكاتب القومي الكويتي (الاستاذ عبدالله حسين) رحمه الله اكثر الكتّاب مبالغة في مديح صدام حسين والدفاع عن أقواله وأفعاله.. وكنت التقيت به عدة مرات في بغداد عندما كنا ندعى الى مهرجان (المربد) سنويا.. وقد دعاني الى بيته في الكويت بعد عودتنا من العراق عن طريق الكويت.. ولحضور معرض الكتاب الذي أقيم هناك ذلك العام. وقد ناقشته في حماسه الشديد لصدام حسين.. فأبدى من الأسباب ما يعتقد أنه على حق في ذلك..! ولكن صدام لم يحقق شيئا من حربه مع ايران.. بل رجع بخفي حنين!! ليدخل في (تجربة مخزية) أخرى؛ بغزوه لدولة شقيقة كانت تسانده ماديا ومعنويا بشكل لا يمكن تصور حدوثه. لولا رعونة هذا الصدام وطيشه..! واذا كان الكويتيون يتأسفون الآن على تلك المساندة المادية في حربه مع ايران والتي بلغت (13) مليار دولار.. فان المملكة قد ساعدته بأكثر من ضعف هذا المبلغ وهو (27) مليار دولار. ثم تحملت المملكة مصاريف تحرير الكويت والتي بلغت (80) مليار دولار. وقد جازى صدام حسين كلا من المملكة والكويت (جزاء سنمار)!! وها هو بعد أن ضاق عليه الخناق يقدم (اعتذاراً) للكويتيين وياله من اعتذار..!! كان أشرف له ولنظامه وهو شرف نسبي - لو لم يعتذر هذا الاعتذار الأخرق.. الأجوف، بصياغته المخادعة، وروغانه السيئ النية عن الاعتذار الصحيح الذي يؤكد فيه اعترافه بالكويت كدولة مستقلة بحدودها الدولية. وبالجرائم التي ارتكبها في الكويت ومنها (الأسرى والمحتجزون) الكويتيون.. وغيرهم. ومن عنجهية صدام حسين وكبريائه الأجوف.. أنه لم يلق الاعتذار بنفسه.. ولو فعل لكان الرد الكويتي الرافض لهذا الاعتذار.. أقل حدة مما حدث..! بل زاد الطين بلة حينما شن هجوما قاسيا على حكام الكويت ووصفهم بأبشع الأوصاف.. وحرض عليهم شعبهم.. لو لم يكن هذا الشعب راضيا عن حكامه.. لأنهم يحكمونه حكما (ديموقراطيا).. ليس حكما دكتاتوريا كما يفعل صدام بشعب العراق. وبعد: فهل ينطبق الكلام المأثور الذي أوردته في السطور الأولى من هذا القول على كل من الطرفين العراقيوالكويتي.. من حب جارف الى بغض صارف؟!!