عند الحديث عن العولمة الإعلامية يجدر بنا أن نتحدث عن مفهوم العولمة كمصطلح جديد بدأنا نلمس أهدافه وآثاره مصطلح العولمة أول ما ظهر تحت مظلة الكلمة الانجليزية Globalization في الولاياتالمتحدةالأمريكية ثم ترجمت هذه الكلمة الى الفرنسية تحت كلمة Mondalzation ثم بعد ذلك ترجمت الى اللغة العربية وكانت المصطلحات التالية هي العولمة والكوكبة والكونية والكلوية أما العولمة كمفهوم فقد تطرق العديد من الكتاب الى مفهوم العولمة وما علي ككاتب إلا أن أشارك بمفهومي للعولمة كنتيجة للمحصلة الثقافية لدي إذ أن العولمة تعني (كسر الحواجز الجغرافية والحدود السياسية في ظل هيمنة القوى الرأسمالية والسيطرة على الأسواق العالمية من خلال الشركات متعددة الجنسيات والاندماج الحضاري والثقافي بين الدول وإذابة الخصائص والفوارق المجتمعية وتسطيح العقائد الدينية والعادات والتقاليد. وبهذا المعنى فإن العولمة تلغي الحدود الزمانية والمكانية وتقيم مجتمعا كونيا متصلا ببعضه البعض بدون أن يجد فواصل زمانية ومكانية واضحة وتعمل التكنولوجيا الاعلامية على تسويق الافكار والمعتقدات والحضارات وبشكل عام إلى شعوب الأرض متخذة من الجانب السياسي والاقتصادي عباءة لها ونتيجة للتطورات التكنولوجية الهائلة في مجالات الاعلام فإن الاعلام يحظى بوسائله المختلفة باهتمام بالغ على كافة المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ولم يبق فرد أو جماعة لا يستقطبها الاعلام وتستهويها برامجه المتنوعة. ويعد الاعلام بحق صناعة عصرية لنشر الخير والشرفي آن واحد، من منا يشكك في قوة وتأثير الاعلام على الشعوب فهو الذراع الأيمن للعملية السياسية والاقتصادية في أي دولة فلم يزد الاهتمام بالاعلام إلا بعد القفزة الكبيرة التي حققتها وسائل الاعلام منذ وضع أول أنظمة للاتصالات الدولية عبر الأقمار الصناعية حيث اهتمت وسائل الاتصالات بالفضاء والمعلوماتية والالكترونيات لتقدم للشعوب مجموعة ثقافية كبيرة لم تكن مسبوقة وما نشاهده اليوم من كثرة المحطات الفضائية والبث الفضائي من خلالها إلا دليل واضح على عولمة الاعلام وكوكبته حيث تجاوز البث الفضائي الحدود الجغرافية ونفذ إلى مختلف أقطار الأرض بكافة ثقافتها وعاداتها وتقاليدها ومن هذا وذاك فقد تشكلت الامبراطوريات الاعلامية الضخمة التي يملكها من فرض العولمة وتحقيق اهدافه في مجتمع الاعلام العالمي وصنعت علاوة على صناعة الاعلام مؤسسات احتكارية إعلامية تملك كل الوسائل التقنية من أقمار صناعية وشبكات اتصالات ومعلومات وحولت العالم الى قرية صغيرة متواصلة فيما بينها ولم تملك المحطات الفضائية الصغيرة الا تقليد هذه الامبراطوريات الاعلامية بل انها تبث برامج ومعلومات فكرية غربية مصاغة بقالب غربي تتمثل بمقولة المغلوب يتبع الغالب وهذا يظهر جليا في محطاتنا الفضائية وللأسف الشديد فنصف موادها كما أشارت إليه بعض الدراسات الاعلامية إما مترجمة أو مواد غربية جاهزة. إن هذه الامبراطوريات تقوم على احتكار تكنولوجيا الاتصالات واحتكار المعلومات والاتجار بها فالمعلومات أصبحت سلعة وليست خدمة لمن يملكها وليس واجباً عليه اتجاه الآخرين. إن عولمة الاعلام يمكن ان تنطلق من المقولة الشهيرة التي أطلقها خبير الاعلام مارشال ماكلوهان إذ هي القناع الاعلامي الذي ارتداه أنصار العولمة وهي مقولة صحيحة الى حد كبير على المستوى المعلوماتي لأن الانسان الذي يعيش في شمال الكرة الأرضية أو شرقها يعرف ما يدور في جنوبها أو غربها بعد لحظات من وقوعه بالصوت والصورة بل المعلومة المكتوبة في حين انه لا يعلم ما يدور في الحي او المبنى الذي يسكن فيه. لقد سارعت وسائل الاعلام الأمريكية والغربية بشكل عام بتوظيف أجهزتها الاعلامية الجبارة لعملية غسل مخ العالم وصياغته وتشكيله حسب أهوائها وأطماعها. يقول المفكر هيربرت شيللر: إن العولمة الاعلامية هي تركيز وسائل الاعلام في عدد من التكتلات الرأسمالية والشركات الدولية عابرة الجنسيات التي تستخدم وسائل الاعلام كحافز للاستهلاك على النطاق العالمي بحيث تتحول الثقافة والانتاج الفكري والابداعي الى ثقافة للاستهلاك السلعي والتجاري ويدلل شيللر على رأيه بقوله ان أسلوب الاعلام الغربي ومضمونه يدفع الى التوسع العالمي لثقافة الاستهلاك بإدخال قيم أجنبية تطمس أو تزيل الهويات القومية والوطنية ومما لاشك فيه أن العولمة الاعلامية هي التوسع في التعدي على القوميات من خلال شركات عملاقة شاملة مستبعدة يحركها الاهتمام بالربح!! إذ ان الربح هو المغزى من كل ذلك ويمكن حصولها على الربح بأي طريقة كانت شرعية او غير شرعية فما دام هناك ربح فلا مانع من تجاوز الثقافات وطمسها وإعلاء الجانب الربحي فوق كل اعتبار هناك من المفكرين من يقول ان العولمة الاعلامية إنما هي منظومة إعلامية تنير الشعوب وتتبادل الثقافات فيما بينها بصفتها موروثا من الخبرات والتجارب والممارسات والمعارف والمعلومات والقيم والمبادئ فوسائل الاعلام كما يقال قوة فعلية جبارة لأنها تنير للشعوب طريقها فنختار ما يناسبها وتخدم مصالحها وترفض ما يعارضها. ولكن ثبت زيف هذه المقولات وزيف هذا القناع الاعلامي والمعلوماتي البراق لأن تدفق المعلومات انطلق من جانب واحد أي من الجانب القوي الذي يسيطر على المال والتكنولوجيا والاجهزة الاعلامية التي تغطي العالم اجمع حيث ان الغرب هو الذي يملك تلك الوسائل المادية الداعمة للاعلام والسعي الحثيث من جانبه لتوسيع الهوة الثقافية بين شعوبه وشعوب الدول النامية. كيف نستفيد نحن العرب من العولمة الإعلامية؟ يجب علينا أولا وقبل كل شيء أن نكسر حدة الانبهار بالغرب ومقاومة عوامل الجذب والاغراء فيه ويمكن للعرب ان يقاوموا تيار العولمة الاعلامية من خلال بناء رؤوس أموال عربية ضخمة وتكوين اتحادات ومنظمات كبيرةسواء كانت اقليمية أو عالمية لمواجهة هذا التيار الإعلامي الجارف ومحاولة الانطواء تحت إمبراطورية إعلامية عربية عالمية (أقول عالمية لأننا لسنا بأقل من غيرنا) نجابه الامبراطوريات العالميةومحاولة الاندماج وتشكيل تكتلات إعلامية جبارة. لماذا نحن نقلل من شأننا كعرب أليس لنا أفكارنا وعقائدنا وعاداتنا وتقاليدنا بل لنا ديننا الذي هو عالمي الفكر وعالمي المبادئ وعالمي الدعوة على مدى أربعة عشر قرنا وما زال ولله الحمد كذلك؟ لماذا لا نعولم هذه الأفكار كما عولم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الدعوة حتى وصلت إلى مشارق الأرض ومغاربها وحمل لواء الدعوة بعده خلفاؤه الراشدون ثم توالت الدعوة وحمل لواءها من قبل السلف الصالح رضوان الله عليهم. ولماذا هذه الانهزامية التي جعلتنا مكتوفي الايدي نرى ونسمع ونقرأ كالمتلقي فقط، نحن نملك ولله الحمد جميع المقومات التي تؤهلنا لبناء مستقبل اعلامي مشرق فلدينا المادة ولدينا المؤسسات وقبل ذلك لدينا الفكر الذي نستهلم من خلاله التوجيهات الربانية الداعية المرشدة للعمل الاخلاقي الجاد بعيدا عن وسائل الاغراء والاستخفاف بالعقل البشري، ومن هذا المنطلق أوجه الدعوة لكل كاتب وكل مفكر ان يشارك بقلمه وفكره عبر وسائل الاعلام المختلفة بطرح أفكار عربية إسلامية تضاهي الأفكار الغربية وتكوين قطب ثان ومواجهة أحادية القطب المتمثلة في قطب الإعلام الغربي.