مسيرة المملكة العربية السعودية منذ عهد المؤسس الملك عبد العزيز رحمه الله إلى اليوم مسيرة عز وفخار، بكل تؤدة ووقار، لم يخالطها هوج، ولا شابها هرج، ولا أحاط بها مرج، سارت بثبات خطوة بعد خطوة، ونقلة تفضي إلى نقله، حتى طاولت عنان السماء، وأوضحت طوراً راسخاً لا ينكره إلا جاحد أو حاقد، بلا «بهورات ميكروفونية»، ولا خزعبلات اعلامية، ولا طنين أجوف، ولا عجيج يصنع من الحبة قبَّة، ولا مزاعم سرعان ما تنهار أمام رياح الحقيقة، ولا تزوير لا يلبث أن ينكشف تحت الأضواء، كل ذلك في تواضع جم، واستشعار بالواجب، ليس فيهما منة، وتفضل وتعاظم، وفي اطار من الشريعة الإسلامية التي لا تزمت فيها ولا تطرف، بل اعتدال ووسطية، وتيسير ليس فيه تعسير، وسماحة خالية من الجهامة، وحكمة مرنة، وموعظة حسنة. دعونا الآن نتأمل أبرز وجوه التقدم وأجلى صور التطور في أهم نواحي حياة الفرد والمجتمع: 1- التعليم: لا يخفى على كل ذي عينين مدى ما أصاب التعليم من تطور مذهل عبر العقود الخمسة الماضية على صعيد الكم والكيف معاً، فالمدارس من كل نوع ودرجة بلا حدود، والجامعات كثيرة في المناطق المفصلية من المملكة، والمعاهد الصناعية والفنية متعددة، وكليات المعلمين - على ما فيها - منتشرة، وتطوير التعليم عموماً فضلاً عن التوسع فيه أفقياً مستمران بلا توقف، وعطاء الدولة في هذا السبيل غزير، وتأهيل المعلمين من المواطنين مستمر بهمة لا تفتر، وإقامة المباني المدرسية اللائقة المملوكة للدولة ماثل يراه كل مشاهد، وقافلة التعليم تسير، والنهوض به يتواصل، والأخذ بناصيته لا يكل ولا يمل. 2- المواصلات: شيء يبعث على الافتخار شبكة المواصلات البرية التي تغطي كل أنحاء المملكة تقريباً، طرق واسعة معبدة، وعلامات تنير الدروب للسالك، وتميل غامضها إلى أوضح المسالك، يسرت للمسافرين المقاصد، وأزالت أوخففت وعثاء السفر عنهم. أذكر أننا كنا قبل حوالي خمسين عاماً نمتطى «وانيتنا» من عنيزة عصراً لنصل إلى الرياض ظهر اليوم التالي متعرضين لاحتمالات الضياع، و«للتغريز» المتواصل، معتمدين على النجوم لتدلنا على السبيل في ظلام الليل الدامس، ولا ننسى أيضاً القطار المريح الذي يربط الرياض بالمنطقة الشرقية، وكذلك شبكة النقل الجوي السريع عبر الداخل وإلى الخارج على متن أفخم الطائرات وأكثرها تطوراً، أذكر أننا كنا في الأيام الخوالي نسافر من الرياض إلى جدة «مباشرة» في الصباح الباكر على متن طائرة «البريستول» لنصل إلى مبتغانا مساء اليوم نفسه، وكنا نسافر من الرياض إلى جدة بطريق «غير مباشر» على طائرة «الداكوتا» في الفجر تقريباً لنصل عبر شقراء ثم الرس ثم عنيزة ثم حائل ثم المدينةالمنورة إلى جدة في منتصف الليل. 3- الصحة: قد لا يستطيع الانسان أن يستوعب ما أصاب هذا القطاع الحيوي من تطوير مدهش، فالمستشفيات وكذلك المستوصفات الحكومية تملأ أنحاء البلاد، وأرجاء المناطق القريبة والبعيدة على حد سواء، وكلها مجهزة بأمهر الأطباء، وأحدث التجهيزات، لم يعد المريض بحاجة إلى السفر للخارج للعلاج إلا في الحالات النادرة، أصبح كل شيء متوافراً مجاناً، وخاصة الأدوية التي تصرف للمراجعين بلا ثمن وبدون توقف أو ابطاء، والتي قد يستمر صرفها شهوراً بل سنوات. وهناك وجوه أخرى كثيرة للتقدم والتطور اللذين أصابا كل مرفق في البلاد، وأخذا بناصية كل نشاط في كل ناحية، وهي وجوه مهمة لمرافق لا تقل أهمية، يلمسها ويشاهدها آثارها المواطنون والمقيمون بكل جلاء ووضوح، والمقام يقتضي الايجاز والاختصار، ولا يسمح بالاطناب ولا بالإسهاب، وإلا كنا فعلناه، وملأنا به الصفحات، ودبجنا العديد من المقالات. يبقى أن نقول بكل صدق وأمانة وانصاف وارتياح إن الفضل في كل هذا الذي نراه، مما لم نذكره وذكرناه، يعود أولاً إلى الله الخالق الرازق الميسر المتفضل ذي المنة والجلال، ثم إلى أولياء الأمر في هذه الدولة المباركة ابتداء من الملك عبد العزيز مروراً بالملك سعود والملك فيصل والملك خالد رحمهم الله، وانتهاء بخادم الحرمين الشريفين الملك فهد وولي عهده الأمين سمو الأمير عبد الله وسموالنائب الثاني الأمير سلطان وسمو وزير الداخلية الأمير نايف وسائر أصحاب السمو الأمراء، أطال الله وجودهم،وسدد بالتوفيق جهودهم، وغيرهم من الوزراء والمختصين في كل ميدان، زادهم الله نجاحاً، ومتعهم بالفلاح. إننا ندعو بالصلاح لمن يحتاجه، وبمزيد منه لمن يملكه، وبالسداد لجميع المسؤولين فيما يأتون ويذرون من عاجل الأمر وآجله، وستبقى المسيرة متلألئة شامخة يسير من حسن إلى أحسن بعون الله الذي نسأله أن يزيدنا من نعمه وأن يحمينا ولا يغير علينا، إنه سميع مجيب، وله الأمر من قبل ومن بعد.