تاريخنا الإسلامي مليء بسير لشخصيات اسلامية عظيمة، يجب ألا تغيب عن ذاكرتنا وان نجعلها منهاجاً ثابتاً أمام الأجيال الجديدة حتى تمتلئ قلوبهم بالفخر والاعتزاز لتاريخنا المجيد,, وتحضرني في هذه المقالة أسماء رسخت في مخيلتي لمسلمين كانوا الأساس المتين في نشر الدين الحنيف ومن هؤلاء: * عبدالله بن قيس المكنى بأبي موسى الأشعري غادر اليمن موطنه الأصلي الى مكة وأسلم على يدي الرسول صلى الله عليه وسلم وعاد إلى بلده ثم رجع ومعه رهط من قومه يقاربون خمسين رجلاً من بينهم أخواه الشقيقان وقد لقنهم الاسلام, وعندما أقبلوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أسماهم الأشعريين ونعتهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأنهم أرق الناس أفئدة, كان أبو موسى الأشعري مزيجاً عجيباً من صفات عظيمة فهو مقاتل جسور، مسالم وديع، فقيه حصيف، وأحد قضاة الإسلام، كان عظيم الولاء لمسؤولياته ولو أردنا أن نختار من واقع حياته شعاراً كانت هذه العبارة: الاخلاص، وليكن ما يكون ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول عنه: سيد الفوارس أبو موسى وكان يقود الجيوش ولا يعود إلا منتصراً. وعندما يقرأ القرآن بصوت رخيم يهز أعماق من يسمعه قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم : (لقد أوتي أبو موسى مزماراً من مزامير آل داود). ان أكثر المواقف في حياته والتي أعطته الشهرة الأبدية موقفه من التحكيم بين الإمام علي ومعاوية وقصتهما معروفة، لقد أبرأ أبو موسى دمته برد الأمر إلى الأمة، وجعل أمرهم شورى بينهم ليختاروا من يريدون، وهكذا كان صدقه مع نفسه وهكذا رأى الأمر، ولكن الأحداث سارت إلى طريق مغاير، ولم يتحمل الصدمة عندما شعر بأنه خدع فاعتزل الى جوار البيت الحرام، يقضي هناك ما بقي له من عمر وأيام, ومات ذات يوم قائض وهو يردد اللهم أنت السلام ومنك السلام . الباحث عن الحقيقة من بلاد فارس جاء سلمان الفارسي مسلماً مع أعداد غفيرة من بني فارس الأشداء، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يجله ويحترم رأيه لذلك عندما أشار على النبي صلى الله عليه وسلم أن يحفروا خندقاً حول المدينة لحمايتها من الجيش الكافر بقيادة أبي سفيان أخذ الرسول برأيه وسميت تلك الموقعة بموقعة الخندق لقد عاد الكفار خائبين، كان سلمان قوي البنية، شديد البأس، عاش قرب الرسول صلى الله عليه وسلم حتى رأى جنبات الأرض تشيع منها أنوار هدى الإسلام، كان جالساً يحدث جلساءه عن بحثه عن الحقيقة، وكيف دخل المسيحية ثم هداه الله إلى الاسلام، تحدث عن أبيه الثري وكيف انه ترك ذلك الثراء ونعيم العيش الى الفاقة راغباً فيما عند الله. لقد كان سلمان الفارسي أبر المسلمين كان زاهداً، فطناً، ورعاً، وناداه الرسول صلى الله عليه وسلم قائلاً: سلمان منا آل البيت وفي خلافة عمر بن الخطاب لم يخرج الخليفة لاستقبال أحد مثلما خرج وصحبه لاستقبال سلمان على مشارف المدينة, وعندما أصبح سلمان أميراً على المدائن رفض أن يناله من مكافأة الامارة درهم, وظل يجدل الخوص ويبيعه بدريهمات قليلة ويأكل منها وعياله وهكذا عاش زاهداً متعبداً. أول سفراء الإسلام * غرة فتيان قريش وأوفاهم جمالاً وشباباً، كان أعطر أهل مكة, ولد في النعمة وليس في مكة من ظفر بتدليل أبويه له مثلما ظفر به، إنه مصعب بن عمير ، ذلك الفتى الريان الذي تحول إلى اسطورة للإيمان والفداء حتى أصبح لقبه مصعب الخير لقد كان رغم حداثة سنه زينة المجالس والندوات، أنيق المظهر، راجح العقل، حينما سمع أن الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه يجتمعون بعيداً عن قريش ذهب إليهم تسبقه أشواقه، وما أن تنساب الآيات من قلب الرسول متألقة حتى تدخل فؤاد ابن عمير وتباركه يمين الرسول صلى الله عليه وسلم ولقد اسلم وآمن ولكنه قرر كتم اسلامه خوفاً من أمه ذات الشخصية الفذة، والمسيطرة، وعندما سمعت بإسلامه حبسته في الدار حتى خرج بعض المؤمنين مهاجرين إلى الحبشة ففر من سجنه وهاجر معهم, وقد أعاد صياغة حياته لتقدم قرباناً لباريها الأعلى وصارت تجربته في الإيمان وساماً على هام الزمان والمكان, لقد اختار مصعب ان يخرج من النعمة الوارفة بعد أن رفضت أمه ان تمده بالمال وحرمته كل شيء الى شظف العيش, كانت عيون بعض الناس تذرف دمعاً حينما يرونه مرتدياً أسمالاً مرقعة وتعاودهم صورته، متألقاً متعطراً, اختاره الرسول صلى الله عليه وسلم لأعظم مهمة وجعله أول سفير له في المدينة يفقه الأنصار، ويدخل آخرين في دين الله، وحمل مصعب الأمانة مستعيناً بعقل راجح وخلق كريم، ودخل الآلاف الى الاسلام على يديه، لقد نجح أول سفراء الإسلام, وفي معركة أحد يحمل راية المسلمين ويتكاثر حوله المشركون يضربون يده اليمنى فيحمل الراية بيده اليسرى فيضربونها فيضم الراية بعضديه الى صدره، فيندق الرمح في قلبه ويقع مصعب بن عمير كوكباً شهيداً بعد أن خاض أعظم معركة للفداء. العلم الإلهي لقد قيل إن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه هو أول من كشف النقاب عن حقيقة الفلسفة الإلهية بعد الأنبياء، هذه الفلسفة لم تكن واضحة تماماً أمام العقل البشري الذي كان عاجزاً, ولولا أن أنزل الله سبحانه الوحي والقرآن الكريم لما بدأ العقل البشري يفكر في أفق الحياة وعمقها بتوجيه من النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم, ومن خلال ما كان علي يطرحه من أفكار في نهجه البليغ الخالد فقد قال بلسانه الفصيح: أيها الناس إني قد بثثت لكم المواعظ التي وعظ الأنبياء بها أممهم، وأديت إليكم ما ادت الأوصياء إليّ من بعدهم وأديتكم بصوتي فالامام علي بما يملك من قدرات عقلية استطاع الخوض في الفلسفة الإلهية التي لم يجرؤ أحد قبله على الاقتراب منها، ان القرآن الكريم يبين للجميع أهمية المعرفة وتحصيلها، وبالأخص العلم الإلهي، لأنه العلم الذي هو النور الذي نرى به الحقائق, ان فلسفة الإمام علي ترقى عن كونها فلسفة مادية إلى كونها رياضة روحية خالصة, وبذلك خُلد الإمام علي إلى الأبد، كما خلده كتابه القيم نهج البلاغة الذي كان ولم يزل على مدى الدهر نبراساً للمسلمين كافة، انه الصرح الفلسفي الإسلامي الذي يقفز به كل مسلم. العدل والإيمان لاشك ان الخليفة الخامس عمر بن عبدالعزيز حاول أن يمحو الصورة القاتمة في أذهان الناس عن أعمال بني أمية، وأمر عماله في الأمصار والمدن الاسلامية ان يمتنعوا عن تجريح الإمام علي من المنابر، ومنع الصدامات مع الخوارج، وان تلغى الجزية عمن أسلم من أهل الكتاب, كما رد أرض فدك لأبناء فاطمة ابنة الرسول صلى الله عليه وسلم التي ورثتها, لقد أهداها لها والدها الجليل الرسول العظيم محمد صلى الله عليه وسلم ولكن أبا بكر الخليفة الأول رفض وراثة الرسول وأخذ أرض فدك من فاطمة وظلت تطالب بها حتى ردها إليها الخليفة العادل عمر بن عبدالعزيز حتى انه حاول مساواة العرب السادة بالموالي في زمن كانت فيه العزة العربية تصل إلى قمة الكبرياء. وقال فيه الشاعر كثير الشهير بكثير عزة نسبة الى محبوبته التي سلبت لبه وشبب بها كثيراً,, قال في الخليفة الخامس يمتدحه: وُليت فلم تشتم علياً ولم تخف برياً ولم تتبع مقالة مجرم