في ظل أزمة جديدة تواجه الأمة العربية تتمثل في إصرار أمريكا وبريطانيا على ضرب العراق وهو الأمر الذي ترفضه كافة الدول العربية إلا أن أمريكا تسعى بكل قوة لفرض الأمر الواقع من خلال استدراج العراق للحرب.. وبمناسبة صدور قرار جديد من مجلس الأمن يخص العراق أكد وزراء الخارجية العرب في الاجتماع الطارئ الذي عقدوه بالقاهرة رفضهم الكامل لأي عدوان على العراق ورحب الوزراء بالمواقف الإيجابية للحكومة العراقية منذ بداية أزمة عودة المفتشين وحتى صدور قرار مجلس الأمن الدولي الأخير وطالبوا لجنة التفتيش الدولية بالحياد والموضوعية دون التحيز إلى رغبة الولاياتالمتحدةالأمريكية في التحرش ببغداد أو توجيه ضربة عسكرية بسبب تقارير المفتشين كما أعلن الأمين العام لجامعة الدول العربية عن امكانية عقد قمة عربية استثنائية قريباً، والسؤال: هل عقد قمة عربية يمنع الحرب وهل تستطيع جامعة الدول العربية دفع التهديدات التي تواجه المنطقة العربية. وفي الوقت الذي تتصاعد فيه التهديدات التي تواجه المنطقة العربية، تقف جامعة الدول العربية عاجزة عن دفع الخطر أو وضع حد لاعتداءات القوى المعادية، أو النجاح في بلورة موقف عربي موحد، يمكن من خلاله التصدي لها والتعامل معها. وقد بنت الشعوب العربية آمالاً عريضة على هذه الجامعة باعتبارها المنظمة الأم التي تضم في عضويتها كل الدول العربية، لكن الجامعة أخفقت في تحقيق هذه الآمال وأصبح دورها هامشياً. وتتضمن قرارات ميثاق الجامعة خاصة اتفاقية الدفاع العربي المشترك والتعاون الاقتصادي لعام 1950م أهدافاً أمنية وسياسية واقتصادية وتنظيمية حيث يعتبر دافع الأمن أهم الدوافع وراء إنشاء الجامعة وفي مقدمتها ضمان الأمر الفردي والجماعي للدول العربية بخلق الآليات الكفيلة بتحقيق الدفاع الشرعي ضد أي عدوان قد تتعرض له إحدى الدول الأطراف في المنظمة أو بعضها من جانب دول ليست أعضاء فيها، والحيلولة دون تصاعد نزاعاتهم المشتركة إلى حد التصادم العسكري، وذلك من خلال خلق الآليات الكفيلة بتحقيق التسوية السلمية لمنازعاتهم.. ورغم ذلك: أخفقت الجامعة في ضمان وحماية أمن الكثير من أعضائها ضد الاعتداءات الموجهة إليها من جانب دول ليست أعضاء؛ فبدءاً من عام 1948م بعد ثلاث سنوات فقط من إنشاء الجامعة تمكنت الجماعات الصهيونية المسلحة من التغلب على قوات جيوش دول عربية، واحتلت أرض فلسطين العربية، مرورا بالعدوان الثلاثي على مصر عام 1956م، والعدوان الإسرائيلي على أرض ثلاث دول عربية هي: مصر وسوريا والأردن عام 1967م، ووصولاً إلى احتلال إريتريا لبعض الجزر اليمنية في مدخل البحر الأحمر، ثم الاعتداء الإسرائيلي على لبنان في إبريل عام 1996م، وغير ذلك من الاعتداءات التي تعرضت لها الدول العربية، ولم تفعل بصددها الجامعة شيئاً فبقيت أحكام اتفاقية الدفاع العربي المشترك، ومن قبلها أحكام المادة السادسة من ميثاق الجامعة، حبرا على ورق. إن نجاح الجامعة العربية في مجال التسوية السلمية للمنازعات العربية العربية، كان محدوداً للغاية، فمن بين 67 نزاعاً بين الدول العربية في الفترة من 1945 1981م لم تقم الجامعة إلا بتسوية ستة نزاعات فقط. أدت أزمة احتلال العراق للكويت، والتي تعد أبرز أزمات العلاقات العربية العربية على الإطلاق، وأكثرها تأثيراً على الأمن والتضامن العربيين، إلى هزة عنيفة أصابت جامعة الدول العربية وكيان التنظيم الاقليمي العربي كله؛ لعجز الجامعة عن التعامل الإيجابي مع هذه الأزمة، بما يكفل إيجاد حل سلمي لها في إطار عربي يقي العرب مخاطر التدخلات الأجنبية في شؤونهم الداخلية. وفيما يتعلق بالجوانب السياسية فإن الجامعة العربية تمكنت من خلق آلية جديدة لم ينص عليها الميثاق لتحقيق التنسيق والتعاون السياسي بين دولها، تمثلت في مؤتمرات القمة العربية، والتي تعد قناة فعالة للعمل العربي المشترك، خاصة في الأوقات الحرجة التي تتطلب سرعة في اتخاذ القرار والسعي إلى تنفيذه خاصة بعد أن أصبحت تتمتع بصفة الدورية أخيراً، مما قد يهيئ الفرصة لحل المشاكل المستعصية بين الدول العربية ولكن رغم ذلك لم يصل التنسيق السياسي العربي للحد المطلوب حيث فشلت الجامعة في حل الكثير من الخلافات المثارة بين الدول العربية خاصة منازعات الحدود. ومن الأمور العجيبة أن نصوص الميثاق المتعلقة بالأمن الجماعي يعتريها القصور حيث تتطلب من ناحية أن يصدر قرار مجلس الجامعة بالتدابير اللازمة لرد العدوان بالإجماع، وهو ما يعني أن رأي أية دولة من الدول الأعضاء يمكن أن يشل المجلس عن اتخاذ ما يلزم من قرارات، وهي من ناحية أخرى لم تحدد معياراً لما يعد عدواناً، ولم تتحدث عن التدابير اللازمة لمواجهة العدوان ولا عن ماهيتها أو الجهاز المنوط به تنفيذها، وهي من ناحية ثالثة لم تحدد العقوبات التي يمكن أن توقع على المعتدي أو المساعدات التي ينبغي أن تقدم لضحية العدوان؛ لذلك فإن الميثاق لم ينشئ الأداة القادرة على تنفيذ تدابير القمع بصفة خاصة إذا ما تعلق الأمر باستخدام القوة المسلحة. أين محكمة العدل العربية؟ وبالرغم من أن المادة 19 في ميثاق الجامعة تنص على قيام محكمة العدل العربية إلا أنه لم يتحقق حتى الآن، رغم أن تعقد أجهزة الجامعة، وتزايد عدد الدول الأعضاء فيها، يتطلبان وجود جهاز قضائي يصدر أحكاماً ملزمة في الخلافات التي تنشب بين الدول العربية من ناحية، ويقدم الفتاوى والاستشارات إلى مختلف أجهزتها ووكالاتها المتخصصة من ناحية أخرى. وتتعدد أسباب غياب فعالية الجامعة تجاه القضايا العربية في: غياب الإرادة السياسية: وذلك لعدم قدرة الدول الأعضاء أو عدم رغبتها في أن تعمل في دأب لتنفيذ برامج تستهدف الصالح المشترك، بدليل انخفاض مستوى تمثيل الدول في اجتماعات مجلس الجامعة، والتقاعس عن الوفاء بالالتزامات المالية الواجبة عليها، وتغليب المصلحة القطرية على المصلحة القومية العامة، سواء في تعاملها بعضها مع بعض، أو في تعاملها مع دول العالم الخارجي. التحديات الدولية والاقليمية: حيث تأثرت الجامعة إلى حد كبير في تصديها للأهداف الغربية بطبيعة المناخ العام المسيطر على العلاقات الدولية، خاصة فيما بين القوى الكبرى الفاعلة في النظام الدولي؛ فعلى سبيل المثال أدت الثنائية إلى إصابة المنظمة في بعض فترات حياتها بالعجز والشلل، إذ انقسمت الدول الأعضاء فيها بين منحاز لأحد القطبين ومنحاز للقطب الآخر؛ الأمر الذي كان له أكبر الأثر في الحد من فعالياتها كذلك فإن عقد مصر لمعاهدة سلام مع إسرائيل والذي كان بشكل أو بآخر مظهراً من مظاهر تدعيم علاقتها بالغرب على حساب علاقتها بالاتحاد السوفيتي وحلفائه أدى إلى قيام خلافات حادة بينها وبين معظم الدول العربية، وهو ما انعكس بدوره أيضاً على أداء الجامعة وفعالياتها.. أما على المستوى الاقليمي؛ فقد تعددت التحديات التي واجهها النظام الاقليمي العربي من جانب بعض دول الجوار «تركيا إيران إثيوبيا» غير أن هذه التحديات تظل قليلة الأهمية إلى جانب التحدي الأكبر لهذا النظام والذي يتمثل في وجود إسرائيل الاستعماري الاستيطاني على أرض فلسطين. القمة العربية وفيما يتعلق بالقمة العربية التي بدأت تتخذ صفة الدورية مؤخراً فإنها لا تفعل شيئا تجاه القضايا العربية حيث عقد ستة وعشرون مؤتمرا للقمة العربية، كان أولها مؤتمر قمة أنشاص عام 1946، وآخرها مؤتمر عمان 2002م وكان أبرز ما فيها: صدور أكثر من 200 قرار عن 26 مؤتمرا للقمة العربية خلال 58 عاماً، من أشهرها: قرار اللاءات الثلاث «لا للاعتراف، لا للتفاوض، لا للصلح»، ومقاطعة مصر إثر توقيعها معاهدة سلام مع إسرائيل، وتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، وإقرار مشروع السلام العربي مع إسرائيل. منذ عام 1985م وخلال أكثر من خمسة عشر عاماً لم يعقد أي مؤتمر قمة عادي، وكانت جميعها مؤتمرات طارئة. ومن بين المؤتمرات الستة والعشرين هناك ثلاثة عشر مؤتمراً عادياً، ومثلها طارئ. رغم تأكيد مؤتمرات القمة منذ بداية انعقادها في 1964 وحتى 1996م على أهمية عقد مؤتمرات دورية أكثر من مرة، فإن ستة منها فقط عقدت بناء على التزام بدورية القمة وفي مؤتمر القاهرة عام 2000م اعتبر عيد الجامعة السنوي هو الموعد الدائم والمحدد لعقد القمة سنوياً حيث بدأ مؤتمر عمان التزاما بذلك. الصراع العربي الإسرائيلي هو القضية المحورية في جميع مؤتمرات القمة.. وكانت قضية أطماع إسرائيل في مياه نهر الأردن أهم دافع عربي لعقد أول مؤتمر عربي عام 1964م وعقد مؤتمر الخرطوم بعد حرب عام 1967م، وعقد مؤتمر الجزائر بعد حرب 1973م. أنهى الزعماد العرب قمة عمان بقرارات لم ترق لتطلعات الشعوب العربية، وتناولت القرارات دعم السلطة الوطنية الفلسطينية مالياً.. والتأكيد على أهمية السلام مع الكيان الصهيوني..بالإضافة إلى المطالبات والمناشدات من المجتمع الدولي بتقديم الحماية والدعم للشعب الفلسطيني.. إلى آخر ما صدر من قرارات، قال عنها البعض إنها عبرت عن واقع حال الدول العربية، وعن مؤتمر لم ينجح ولم يفشل ولم يشذ عن الحالة العربية المختلة التي تعيشها المنطقة العربية منذ إنشاء جامعتها منذ أكثر من نصف قرن. وكان أبرز شيء في قمة عمان الأخيرة لم يحدث من قبل هو حضور الأمين العام للأمم المتحدة للمؤتمر، وكذلك حضور الولاياتالمتحدة والكيان الصهيوني عن طريق الاتصالات والتعليمات والتهديدات. وجاءت قرارات هذه القمة عبارة عن عبارات إنشائية مكررة لا معنى لها خاصة أن السفاح شارون رد عملياً على انعقاد القمة بمذبحة في فلسطين في الوقت الذي أصرت فيه القمة على خيار السلام!! الهجوم الأمريكي على العراق لن يتأخر إلى الصيف ورغم كل المحاولات العربية المبذولة للحيلولة دون وقوع الحرب إلا أن أمريكا وبريطانيا اتخذتا كافة الاستعدادات لشن الحرب في ديسمبر القادم على أكثر تقدير حيث رجح الدكتور جون تشيبمان مدير المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بلندن أن تقود الولاياتالمتحدة هجومها العسكري المحتمل على العراق في الفترة ما بين شهري ديسمبر ومارس المقبلين، وألا تتأخر إلى فصل الصيف. وقال إن الولاياتالمتحدة تسعى لتصوير حربها ضد العراق على أنها جزء من الحملة ضد الإرهاب، لذلك فإنها تسعى إلى إيجاد أي علاقة بين العراق وتنظيم القاعدة والتخويف من إمكانية تزويد العراق للإرهابيين بأسلحة الدمار الشامل. السيناريوهات المطروحة فالسيناريوهات المطروحة والخاصة بتوجيه ضربة للعراق واضحة للجميع فكل المؤشرات تشير إلى خيار الحرب وقد يصدر قريباً قرار تتفق فيه جميع الأطراف يؤيد خيار الحرب ضد العراق فما تقوم به القوات الأمريكية والبريطانية من غارات على مناطق رادارات المراقبة والاتصال ثم مرحلة الحرب النفسية والإعلامية يؤكد أن المرحلة الثالثة والأخيرة الخاصة بالعمليات العسكرية والتدخل لخلق وضع سياسي جديد أصبحت وشيكة. نشر لواءين من الحرس الجمهوري على طريق النجف كربلاء استعداداً للحرب وفي إطار استعدادات النظام لمواجهة أي تحرك في الشارع العراقي قامت سلطات النظام العراقي مؤخرا بنقل اللواءين الرابع والسادس من قيادة بغداد للحرس الجمهوري مع كتيبة دبابات ستة وستين المدرعة التابعة للحرس الجمهوري إلى طول طريق بين كربلاء والنجف بحيث تمركزت على مفارق الطرق وذلك في إطار استعدادات النظام في مواجهة حركة الشارع العراقي ودرءاً لمخاطر الضربة العسكرية الأمريكية المتوقعة. كما تمركز اللواء الرابع من الحرس الجمهوري التابع لقيادة قوات بغداد على مفرق الكفل المتفرع من طريق كربلاء النجف الذي يبعد عن مدينة النجف عشرين كيلومتراً وعن كربلاء خمسين كيلو مترا وعن مدينة الكفل سبعة كيلو مترات. كما جعلت السلطات موقع قيادة المقر قريباً من ناحية الحيدرية بعشرة كيلو مترات لأنه يسهل مرور القطع العسكرية القادمة من بغداد على طريق الكفل حيث يوجد جسر بني للأغراض العسكرية يربط الكفل بالطريق العام بين كربلاء والنجف، كما أن كتيبة دبابات 66 مدرعة أخذت موقعها بالقرب من ناحية خان النص على طريق مقر آمرية الذي يبعد عن الشارع العام بين كربلاء والنجف بحدود خمسين كيلو مترا باتجاه الصحراء، في حين احتلت كتيبة التجسير 12 التابعة للحرس الجمهوري قرب سايلو النجف الأفقي على الطريق المؤدي إلى سدة العباسية مع وحدات عسكرية من اللواء السادس قيادة قوات بغداد.