تلقيت خبر وفاة الزميل والصديق محمد الكثيري من الزميل سلطان الشامري من أسرة التحرير في صحيفة (الجزيرة) مساء يوم الاحد 14/8/1423ه عبر مكالمة تقول: أحسن الله عزاءك. الزميل محمد الكثيري يطلبك الحل، قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.كان الخبر مرجعا ومفزعا ومفاجئا حقا، مات محمد إثر مرض عضال لازمه منذ فترة. كان مرضه في الكبد ويحتاج هذا العضو الى زراعة ضمن قائمة كبيرة تنتظر زراعة هذا العضو من المصابين لهذا المرض الفتاك، انتظر محمد لأشهر والمرض يتفاقم، ويدخل المستشفى التخصصي فترة ويعود مرة أخرى مستعيناً بالله رب العالمين ثم ببعض الأدوية المهدئة المسكنة للألم.. إلا أن القدر لم يمهله طويلا فوافته المنية. مات محمد الكاتب الجريء والصحفي المعروف سكت قلب محمد، سكت القلب الطيب المؤمن الصادق، نام محمد في قبره وفي مثواه وهو مرتاح القلب الكل يدعو له.نعم: نعم قضاء الله ولا يحمد على مكروه سواه. {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ}.مات محمد وهو في ريعان شبابه وفي قمة عطائه، كانت وفاته بالنسبة إليَّ صدمة عنيفة هزتني من الأعماق، لقد كان أبو هشام سقى الله جثته بشآبيب الرحمة والرضوان مثالا للوفاء والمروءة والمودة كان طيب المعشر، حلو الحديث، حاضر النكتة، لطيفاً مع زائريه الذين جاءوا الى جامع الأمير عبدالله بن محمد بن عبدالرحمن آل سعود بحي عتيقة لأداء الصلاة.. كان الجمع كبيرا وحرص الكثيرون على المشاركة في حمل النعش الى السيارة داعين له بالرحمة والمغفرة، وهناك في مقبرة المنصورية في الحائر إلى قبره حيث ووري الثرى وكان أقاربه والجميع من محبيه يستقبلون المعزين بنفس مؤمنة راضية بقضاء الله وقدره، الكثير من زملاء الوسط الإعلامي إذاعي، تلفزيوني، صحافي، الكل جاء يشارك في هذا العزاء، بعد الدفن صلى عليه عدد كبير ممن فاتتهم الصلاة عليه في الجامع ودعوا له بالرحمة والمغفرة.رحمك الله يا أبا هشام رحمة واسعة لقد كنت الوفاء في حياتك، وها هي أريحيتك وحب الناس لك وترحمهم عليك تلهمنا العزاء.أعود بكم إلى الوراء ومعرفتي بالزميل والصديق محمد الكثيري التي تعود إلى أكثر من عشرين عاما مضت، عرفته فيها قبل المرحلة الجامعية صحافياً بارزاً وكاتبا معروفا ومشهورا رغم صغر سنه في ذلك الوقت الذي بدأ فيه مشواره الصحافي المبكر، ثم تزاملنا معا في المرحلة الجامعية ودرسنا الإعلام معاً مدة أربع سنوات وجمعنا طيلة هذه السنوات فصل دراسي واحد.. كان بجانبي في المقعد، وبجانبي في الطاولة.كان محمد شابا خلوقا مؤدباً سمح الوجه أبيض القلب صافي النية والأخلاق كريم الصفات أحبه كل من عرفه، وأكسبته هذه المحبة صداقة الجميع.وفي أول فصل دراسي لي في الجامعة التحقت بالعمل الصحافي، بصحيفة الجزيرة وكانت شهرته وقتها عالية خاصة في المجال الرياضي، وكنت أستشيره في بعض المواضيع والمقابلات والأسئلة لأجد منه كل عون ومشورة صادقة. وفي قاعة الفصل بالكلية كان فطنا متمكناً ولديه حس إعلامي قوي، وكان مشاركا خاصة في المواد الاعلامية التي ندرسها مع الأساتذة والمحاضرين، ببعض الآراء والمداخلات التي كنا نستفيد منها، تخرجنا معاً والتحق محمد رحمه الله بالتدريس وأمضى فيه عدة سنوات ووقتها كان يمارس عمله الإعلامي المتعب الذي أحبه وعشقه.عرف محمد الكثيري بحبه وميوله الرياضية وقد رأس الأقسام الرياضية في عدد من الصحف ومنها (الرياض) و(الجزيرة) وعرف بتحليلاته الرياضية ومقالاته من خلال قلمه الجريء المتابع والمدرك لحقائق ما يقول ويكتب كراصد دقيق ومحايد للحدث. في أثناء الدراسة الجامعية كان يصدر صفحتين أسبوعيتين في مجلة (الدعوة) تحت عنوان (إسبوعيات جريئة) وكانتا صفحتين ناجحتين تستهويان الكثير من القراء، وقد نجحتا وكانتا حديث الناس لعدة سنوات، وفي أثناء ممارسته التدريس كان صحافياً موهوباً وتستفيد منه الجريدة في اي صفحة من الصفحات.. كان شغوفاً بالتجديد والإبداع والتطوير، وفي أثناء عملنا معاً في مؤسسة (الجزيرة) قدم الكثير من الصفحات الجديدة ومنها (رمضانيات) التي صدرت في رمضان في صحيفة (المسائية) واستمر مشرفاً عليها لعدة سنوات، وفي صحيفة (المسائية) قدم صفحة اسبوعية جديدة تحت عنوان (عصاري)، وظل يحررها كاملة لفترة ثم فتح المجال للزملاء للمشاركة في إعدادها بشكل منوع، ليعدها بعد ذلك كل يوم زميل.بعدها قدم صفحة أسبوعية جديدة في (المسائية) ايضا تحت مسمى (أقمار) منوعة وخفيفة، تجمع الفن والرياضة والشعر والنقد اللاذع، وفي صحيفة الجزيرة ابتعد عن القسم الرياضي قليلا، وأصبح يشارك بين فترة وأخرى.كان في المجال الرياضي مبدعا ويكتب بأسلوب أدبي مشوق، يعكس سعة اطلاعه وقراءاته الكثيرة التي قلما تجدها في كتابات بعض المحللين الرياضيين سواء كانت تحليلات أم مقالات ويختار لها عناوين متناسقة ومثيرة وجذابة، اصبح في فترة قصيرة ضمن الكتاب البارزين وصار كاتباً اسبوعيا في زاوية (هوامش صحفية) في صحيفة الجزيرة.. اشرف على صفحات العيد في صحيفة الجزيرة «من العايدين» طيلة أيام العيد.لم ينته مشوار أبي هشام عند هذا، فالرجل موهبة صحفية فريدة متعددة الجوانب وكان قلمه وأسلوبه من الدرجة الأولى، وقد غذاه بقراءاته في الكتب الأدبية الرصينة وحسه الصحافي المميز.عمل مديرا للتحرير في مجلة (فروسية) وترأس تحرير مجلة (أصداف) وكانت اهتمامته في البداية وكما عرفناه (رياضية) ثم تحولت إلى الشعر والأدب.. حتى نهاية مشواره الأخير الذي انصب في المجال الاقتصادي حيث أسند إليه الأستاذ خالد المالك رئيس تحرير الجزيرة الإشراف على الملحق الاقتصادي بالجريدة إلى أن أتعبه المرض. كان رحمه الله محبا لعمله الصحافي.. وأثمر عطاؤه الثري رصيدا خصبا، وإعجابا والتفافا من المتابعين والقراء حتى لو اختلفوا معه في التحليلات أو المقالات أو التعقيبات أو المداخلات عبر التلفزيون أو الإذاعة ليست هناك مقالة كتبها أو مقابلة أجراها أو أجريت معه إلا وكان لها صداها الاعلامي لدى الكثير من القراء. سنوات أعتز فيها بصداقتي مع محمد الكثيري وأقدر زمالته المخلصة.رحلت يا محمد بحيويتك ونشاطك وتطلعك الى المستقبل بابتسامة لم تفارقك حتى مع اشتداد المرض الى ان غيبك الموت. عشت يا محمد محبوباً.. ومت محبوبا. أحر التعازي وصادق المواساة لإخوانك وأبنائك: هشام، عبدالرحمن، خالد، عبدالعزيز، أروى، لينة، رحمك الله يا أباهشام وأنت الشموخ والصدق والإنصاف.نم هنيئا في قبرك، فقد تركت لنا من صفاتك العذبة أنموذجا للنبل والشهامة والطيبة والمحبة.. وستبقى صورتك حية فينا ما حيينا، داعين الله أن يتغمدك بشآبيب رحمته ويسكنك فسيح جناته جنات النعيم.