يشهد قطاع الثقافة في المملكة العربية السعودية تحولاً كبيراً منذ إطلاق رؤية المملكة 2030م ومع إنشاء وزارة الثقافة والهيئات الثقافية المختلفة التي يعمل بعضها على العديد من مبادرات الرؤية لتطوير المجالات الثقافية المختلفة التي تؤثر على مؤشرات جودة الحياة في المملكة بصورة مباشرة عن طريق دعم الثقافة كنمط حياة وتعزيز مكانة المملكة دولياً, ومن هذه الأحداث التي تترجم هذا التحول الرائع هو مبادرة الجوائز الثقافية الوطنية. فقد احتفلت المملكة العربية السعودية مساء يوم الاثنين الماضي الموافق 19 أبريل 2021م 7 رمضان 1442 بتوزيع جوائز المبادرة الثقافية الوطنية للاحتفاء بالإنجازات والإنتاجات الثقافية، التي قدمت لأفراد ومجموعات ومؤسسات من مختلف القطاعات الثقافية, وقد كان حفلاً مميزًا افتتحه صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز أمير الرياض نيابة عن الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع -حفظه الله- في قصر الثقافة بالحي الدبلوماسي بالرياض, وقد كان حفلا مقتصرًا على دعوات خاصة بسبب الاحترازات الصحية المعمول بها حسب أنظمة وزارة الصحة, وُزعت خلاله جوائز قيّمة ودروع تكريم للفائزين ب14 مجالاً ثقافياً عبر 14 جائزة، وهي كالتالي: جائزة النشر, جائزة الموسيقى, جائزة الأدب, جائزة المؤسسات الثقافية, جائزة التراث الوطني, جائزة الترجمة, جائزة الأفلام, جائزة المسرح والفنون الأدائية, جائزة فنون العمارة والتصميم, جائزة فنون الطهي, جائزة الأزياء, جائزة الفنون البصرية, جائزة شخصية العام الثقافية, جائزة الثقافة للشباب. وما يعنينا كفنانين تشكيليين في هذا الموضوع هي «جائزة الفنون البصرية» وما ورد فيها من أهداف وشروط وآلية, وقد وضحت وزارة الثقافة من خلال الموقع الإلكتروني الخاص بالمبادرة كل ما يتعلق بالمشاركة في الجائزة, وكانت من أهم أهدافها: تكريم الأفراد السعوديين الذين قدموا مساهمات في قطاع الفنون البصرية والفنون المعاصرة, تمثيل الهوية السعودية من قبل سعوديين في معارض فنية محلية أو عالمية. كما نشرت شروط المشاركة بالجائزة ومن أهمها: أن يكون عمر المرشَّح 21 سنة، فما فوق. أن تكون المعلومات الشخصية للمرشَّح كاملة وصحيحة. الترشيح متاح للسعوديين وأبناء المواطنات والمؤسسات الثقافية السعودية المحلية، وفي حال كانت المؤسسة أجنبية، يجب أن تكون قد ساهمت في القطاع الثقافي السعودي. أن يملك المرشَّح كافة الحقوق العامة والحقوق الفكرية الخاصة بالعمل المقدَّم. لا يحقّ لمنسوبي كلاً من وزارة الثقافة، والشركات المشغلة للمبادرة، ووكالات الإعلان، وأعضاء لجان الترشيح والتحكيم تقديم ترشيحات في المبادرة. يجب أن يكون الترشيح لعمل قام بتقديم مساهمة مميزة وفاعلة خلال العامين إلى الخمسة أعوام المنصرمة. أما المراحل الزمنية التي مرت بها الجائزة فقد بدأت بمرحلة بإطلاق المنصة والترشيح ثم مرحلة الفرز ثم مرحلة التصفية ثم مرحلة التحكيم التي تضمنت لجنة خبراء في المجال لتقييم أفضل المرشحين النهائيين بناءً على معايير محددة مسبقاً وذلك لاختيار الفائزين. وأخيراً كانت مرحلة إعلان الفائزين. وقد حصلت الفنانة لولوة الحمود على المركز الأول، ودانة عورتاني ثانياً، وأحمد عنقاوي ثالثاً. ونيابة عن كل الفنانين التشكيليين نهنئ الفائزين بهذه الجائزة بما تحمله من قيمة معنوية ومادية، وتعبر عن تقدير الجهود الرائعة التي قدموها في هذا المجال... فمن هم هؤلاء الفنانين الفائزين؟ المركز الأول: الفنانة لولوة الحمود: سعودية من مواليد الرياض عام 1967م. تعدُّ من الفنانات السعوديات المتميزات في التعبير الإبداعي بالأشكال الهندسية المجرَّدة، وهي واحدة من روَّاد الفن المعاصر في السعودية، إذ إنها درست الفن التشكيلي عام 1994م بلندن عندما لم يكن هذا الفن يحظى بالاهتمام الذي يحظى به اليوم, وهي أول سعودية تحصل على الماجستير من جامعة سانت مارتن المركزية للفنون- تخصص الفن الإسلامي، تعلَّمت قواعد الخط العربي من فنان الخط الباكستاني رشيد بت، واستلهمت أعمالها من فنان الخط المصري أحمد مصطفى، واستوحت أعمالها من خلال بحثها في تطوير اللغة العربية في القرن العاشر الميلادي في الدولة العباسية, وتعمل الحمود مستشارة فنية وخبيرة تصميم هويات للشركات، وتتلقى طلبات استشارة من متاحف ومعارض وشخصيات ومؤسسات بارزة. كما نسَّقت عديداً من المعارض في دول مختلفة، منها متحف Duolun في الصين، ومعرض الفن السعودي في SOAS جاليري بروناي، وبيعت أعمالها من قِبل دار كريستيز في دبي، ودار سوذبيز للمزادات وبونهامز في لندن، كما اقتنيت لها بعض الأعمال من قِبل متحف القارات الخمس في ميونيخ بألمانيا، ومتحف LACMA في لوس أنجلوس، ومتحف جيجو في كوريا, وتميل الحمود دائماً إلى التعبير الفني من خلال الأشكال المجردة بطريقة إبداعية، فقد كان اهتمامها وبحوثها مركزاً على تطوير اللغة العربية، مما دفعها لأن تبحث أكثر في القواعد الخفية للخلق بنمط رياضي وهندسي لتطوير كل شيء في الطبيعة وباستخدام الحرف والزخرف العربي في سياق فكري يتماهى مع الطبيعة الإنسانية الشرقية، ويجمع بين الفن والعلم والروحانية، حيث تؤكد الحمود أنه بالإمكان اللغة الخفية التي نستبعدها في حياتنا اليومية أن تمنح المعنى من خلال الجوانب الروحية. تقول الحمود في أحد لقاءاتها: «لقد تطورت أعمالي على مر السنين. إذ بقيت الأشكال الهندسية وفن الخط المكونات الأساسية التي أعبر فيها عن روحانيتي، ولكني تدربت أيضًا على العمل باستخدام وسائل جديدة. إذ أصبح عملي أكثر تعقيدًا من حيث التكوين والإنتاج ولكنه حافظ على البساطة من حيث اللون والعناصر المستخدمة. وأنا أعتقد أنه عندما تكون مهتمًا بفن الروحانيات، فأنت في الواقع متحرر من المكان ومن اللحظة التي تعيش فيهما. فأنا في النهاية أحب التعبير عن الأفكار والمبادئ الخالدة». المركز الثاني: الفنانة دانة عورتاني: سعودية من أصول فلسطينية ولدت عام 1987م. تخرجت بدرجة البكالوريوس في الفنون الجميلة من سنترال سانت مارتينز، لندن, ثم حصلت على درجة الماجستير في الفنون التقليدية من مدرسة برينسس - لندن- حيث تعلمت كيفية صنع الزجاج الملون، الرسم المصغر، والتذهيب والعديد من التقنيات التقليدية المتنوعة من الثقافات في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك لم تتمكن من الحصول على درجة في الإضاءة هناك، لذلك بحثت ووجدت سيدة في تركيا لمساعدتها على أن تصبح محترفة في مجال الإضاءة, تُوظِف عورتاني مجموعة متنوعة من الوسائط في عملها بما في ذلك الرسم والفسيفساء وفسيفساء الرمل. وعملها فريد من نوعه لأنه يسعى إلى دمج الأساليب التقليدية للفن الإسلامي في عالم معاصر, وفنها أيضاً غني بالزخارف الهندسية والتفاصيل الأكثر تعقيدًا, وغالبًا ما تدمج أنماطاً للزخارف الإسلامية بالإضافة إلى ذلك تقوم بأعمال الإضاءة وتزيين البلاط وزخرفة الأخشاب. فهي تستكشف العلاقة بين الهندسة والطبيعة، وكيف يمكن ترجمة الحقائق من خلال الفن باستخدام مبادئ هندسية من خلال جمالية رمزية متعددة الطبقات, فهي تسعى إلى تعزيز ممارستها وتطوير مهاراتها من خلال استكمال شهادة «إجازة» وهي أعلى رتبة للاعتراف بها والسماح لها بنقل فنّ التذهيب الإسلامي, تتضمن معارض عورتاني الشخصية: الصمت الذي بيننا، مركز مرايا للفنون بالشارقة الإمارات العربية المتحدة, ارتباطات ديترويت، متحف الفن المعاصر ديترويت, الصفات المخفية للكميات، أثر جاليري في جدة. وقد عرضت أعمالها في العديد من المعارض الدولية، بما في ذلك: مجتمعات تخيلية، فيديو برازيل سآو باو: لحظة قبل العالم، بينالي المغرب، (2019)، بينالي جاكرتا, مدن الإدانة، متحف يوتا للفن المعاصر، الولاياتالمتحدةالأمريكية (2019). «معرض1»، معهد الفن العربي والإسلامي في نيويورك، الولاياتالمتحدةالأمريكية (2017): «النسخة السادسة من بينالي مراكش»، المغرب (2016): «النسخة الأولى من بينالي بنتشوان»، الصين (2016): «النسخة الثالثة من بينالي كوتشي- موزيريس»، الهند (2016): «النسخة الثانية من بينالي جاكرتا»، جاكرتا إندونيسيا (2017). اقتنى متحف الشيخ زايد الوطني في أبو ظبي ومجموعة الفرجم، والمتحف البريطاني مجموعات من أعمالها. «ذلك الصمت الحاضر بيننا» هو عنوان مشروعها الفني الذي عرض بمركز مرايا للفنون بالشارقة، والذي رتّب الشعر والضوء على إيقاع متناغملهندسة في اتصال الروح وانفصالها عن قيود المادي «كل في فلك يسبحون»، اندمج مع رقصات وقّعها الصوت مع الإلقاء ليستثيرها نحو التحليل والتعمق في فلسفة الرمز وتوظيفات الكلمة ومجازاتها الهندسية ومعمارها المصمّم من أجل صقل المرايا وانعكاس الظلال على نورها بتناقضات إنسانية مختلفة. تقول عورتاني في أحد لقاءاتها: «إنها تهدف من خلال تجربتها الفنية إلى سد الفجوة بين التقليدي والمعاصر، وبين القديم والجديد، بطريقة تجمع كلا الممارستين معاً في تناغم ووئام مما يمنح الفنون الإسلامية صوتاً في العالم المعاصر». المركز الثالث: الفنان أحمد عنقاوي: سعودي من مواليد مكةالمكرمة عام 1981م، حاصل على درجة البكالوريوس في التصميم الصناعي من معهد برات في نيويورك ودرجة الماجستير في الفنون التراثية من المدرسة الأميرية للفنون التراثية في لندن. اتخذ لنفسه خطّاً مميزاً عن فناني جيله، فقد صبَّ اهتمامه على التراث والتصميم ولا غرابة أن يتبنى الفنان الشاب هذين المجالين فهو ابن عاشق التراث الدكتور المعماري سامي عنقاوي الذي عبَّر عن عشقه لتراث منطقة مكةالمكرمة المعماري ببناء منزله في جدة على ذلك الطراز الأصيل, ولهذا تبنى من والده مفهوم «الميزان»، وهو اعتقاد بالمبدأ الأساسي للتوازن الذي يجعله يسعى دوماً للتوازن الأساسي في كل من التصميم وتطبيقه, شغل منصب مدير برنامج «بيت جميل للفنون التراثية» الموجود في البلد - الحي التاريخي في جدة- بيت جميل للفنون التراثية مبادرة من المدرسة الأميرية للفنون التراثية في لندن، كما عمل كمستشار وباحث في برنامج الهيئة السعودية للسياحة والتراث الوطني جنباً إلى جنب مع جبل التركواز، وهي منظمة غير ربحية غير حكومية تهدف إلى تجديد المدن التاريخية، وتحفز التنمية المستدامة للحرف التقليدية. يشغل عنقاوي حالياً منصب المدير المساعد لمؤسسة المكمد، وهي مؤسسة ثقافية تهدف إلى الحفاظ على التراث الحجازي وإحيائه، وهو أيضاً مؤسس لزاوية 97 والتي تعتبر محور نشاط لخدمة المجتمع المحلي والأوسع من الفنانين والحرفيين، أحمد هو أحد مؤسسي «الهنجر»، وهو حراك ثقافي للفنانين المستقلين التي توفر منبراً للحوار والتبادل الثقافي عن طريق المعارض والمشاريع المجتمعية والبرامج التعليمية. تدور أعماله في فلك الحالة الإنسانية مع تمجيد جوانب الثقافة والتراث والبيئة, ويستوحي إلهامه من التنوع الغني لثقافة الحجاز. من خلال رحلاته عبر الشرق الأوسط ركز على الحرفيين التقليديين المحليين ودرس حرفتهم وأدوارهم العريقة وعلاقتها بإنتاج سوق اليوم. يقول عنقاوي في أحد لقاءاته: «جميع الحرف المصنوعة من الزجاج والنحاس والخشب وغيرها التي نراها هنا حولنا في قاعة الفن الإسلامي بالمتحف البريطاني كانت تُصنع بآخر التقنيات الموجودة في ذلك الوقت، وبأحسن المواد والحرفيين الموجودين في وقتها، علينا الآن أن نحاول إحياء هذه الحرفة، ولكن بالإضافة لها واستخدام أفكار التصميم الحديثة وأدوات التكنولوجيا لتطويرها». ** ** فنانة تشكيلية - الرياض. @hana_alshebli