هذا المقال إهداء إلى ملهمتي/ عائشة الكهموس عندما شاهدت فيلم عمارة يعقوبيان عام 2006 في دور السينما استفزني مشهد رفض قبول الشاب طه الشاذلي في كلية الضباط لأن مهنة الأب حارس عقار أو بمعنى عامي (بواب) وناقشت هذا الأمر مع صديقة مصرية لي، لماذا يتم رفض شاب كفؤ بسبب مهنة والده؟ فردت علي بما صدمني: (علشان الناس دي لو مسكت مناصب هتفتري). لازال هذا الرد يتردد على مسامعي رغم مرور خمس عشرة سنة على هذا الحوار، إلا أنني لازلت أرى نماذج من افتراء أذلاء القوم يتجسدون أمامي في عدة شخصيات وعدة أماكن، فمصطلح ذليل قوم مصطلح مطاطي يشمل نماذج كثيرة نراها بصفة يومية سواء في حياتنا أو على مواقع التواصل الاجتماعي، فهذا مدير قروب يلعب دور الناصح والسلطة، وهذه خادمة تتسلط على طفلة بالضرب، وذاك موظف يتغير على زملائه بالعمل بسبب ترقية حصل عليها، وهذا سيد يتسلط على خادم، وهذه فلانة بدأت تتغير بعد زواجها باسم لامع، وهذا شاب بالغ يركل قطة برجله ويصورها وهو يضحك بشكل هستيري، كل هؤلاء يشملهم لقب ذليل قوم، وبغض النظر عن مستواهم المادي، فالإحساس بالدونية هو ضغط نفسي يتم تفريغه باستغلال الصلاحيات، وهذا الشعور لا علاقة له بالمستوى المادي أو الاجتماعي وإنما إحساس داخلي بالنقص. محاطين بأذلاء القوم الذين تسلطوا علينا لإشباع غرائز نفسية بممارسة حق السلطة وشعورهم بالنشوى على حساب غيرهم. يفتري ذليل قوم عز بمنصب مفاجئ أو حتى طفرة مادية ترفع مستواه لأنه لم يتعود على تقدير ذاته إلا بعد إضافة لقب، ولأنه يستمد تقدير ذاته من اهتمام وتقدير الناس له لا من اقتناعه بنفسه وشخصيته، على الرغم أن تقدير الناس ينعكس نفسياً عليك بتقديرك لنفسك حتى ولو لم تكن صاحب منصب أو سلطة أو جاه، وقد تحدث انتكاسة كبيرة لبعض الشخصيات بعد فقدان المناصب لا لأنهم خسروا عملهم بقدر ما أنهم تعودوا التبجيل وفقدوا سلطتهم وممارساتهم بالفوقية فجأة! ولأنهم يستمدون ثقتهم بأنفسهم من الآخرين، فللسلطة والمال بريق يعطي انطباعاً وهمياً بالثقة والاعتزاز بالنفس سرعان ما يخفت بعد فقدانهما. يحدث لبعضهم أن يتغير بعد ارتفاع أو اهتمام مفاجىء يحصل عليه بطريقة ما، أوبلهجة عامية واضحة (يشوف نفسه) لأنه ببساطة لم يكن يرى نفسه بالأساس فهو شخص غير موجود، هذا الإحساس المفاجىء لكونه فجأة أصبح جزءا مرئيا من المجتمع يتسبب له بعدم توازن إضافة إلى أن ردود أفعال الناس واهتمامهم الزائد يلعب دوراً مهماً في تمرد تلك الشخصيات. وبودي لو علم أنه ذليل القوم وأنه لا يقلل من شأن أحد بهذا التعامل سوى من نفسه، وكأنه يقول للناس أنني لم أكن شيئاً ولم أكن موجوداً بالأساس والآن أصبحت موجوداً. ذليل قوم عز من أخطر الناس التي تصادفها في الحياة لأنه عبارة عن تراكمات وترسبات نفسية صنعها الناس والظروف الصعبة في شخصية واحدة مريضة لا تشفى بألقاب تشبه المسكنات لأن المسكّن مجرد مخدر للألم ولم يكن يوماً علاجاً فعالاً للمرض، شخصية مجردة من الأخلاق والإنسانية نراها يومياً في مواقف روتينية، وكل يوم يمر نرى تحديثات جديدة لافتراء الناس بالاستعراض ولفت الأنظار والتقليل من شأن البعض وإبعاد القريب وتقريب البعض بسبب مراكزهم، محاطين بالنفاق بأنواع كثيرة لا نستطيع أن نحصرها بسطور قليلة، فكل ما تم كتابته في هذا المقال هو مجرد رؤوس أقلام لرؤوس أذلاء أقوامٍ أينعت وقد حان قطافها!!