مشاعر الوطنية تجسدت تماماً في كتاب «الجنسية» للفلسطيني معتز قطينة, ولد في جدة, ولا يعرف وطناً سوى المملكة. إنه يشتاق لجدة. «.. لمطباتها، للحي الشعبي الذي يسكنه أهلي، الحي الذي حملني بين يديه طفلاً وسار إلى جنبي صبياً وحررني حين صرت فتياً وقادراً على خوض الحياة ..اشتقت لكل شيء». التمزق في الانتماء، هل ينتمي إلى جدة حيث ولد وعاش، أم إلى القدس التي رباه أهله على أنها وطنه؟ الكتاب يطرح أسئلة شائكة ومفصلية حول الهوية والانتماء حول الوطن ببساطة صراع الانتماء ويأخذك نحو الشك الذي قد يهز إيمانك.. معتز قطينة المنتمي لتراب مدينة جدة، ومثلُه الكاتب والصحافي الإريتري حجي جابر أبوبكر صاحب الرواية الناجحة «سمراويت» التي تعبر عن الكاتب ولو جزئياً.. تدور حول حواري مدينة جدة السعودية ومقاهي مدينة أسمرا عاصمة إريتريا، حيث يروي الكاتب قصة بطل الرواية (عمر) ذلك الشاب الإريتري الذي ولد ونشأ في جدة وهي المدينة التي اعتبرها بطل القصة وطنه، حيث تستعرض الرواية عبره مجتمع مدينة جدة بأحيائها وحواريها وكياناتها الاجتماعية، وتحديداً حي (النزلة اليمانية) وهو المكان الذي اختفت فيه جميع الحواجز وانصهرت فيه كل الهويات في مشهد ينم عن نظرة إنسانية رحبة ومتسامحة. وهنالك الكثير ممن أنجبهم المجتمع ثقافياً وسينجبهم بالسنين المقبلة, إننا أثرياء مجتمعيا وثقافيا بهؤلاء الوطنيين.. أن تحمل جنسية مرور لوطن ما، لا يعني انك تعيش معاناته، أو تتفهم مشاكله أو تفهم طريقة تفكيره، أو أنك أصبحت منصهراً بثقافته، فالوطنية هو تلك الساندويتش التي تناولتها فيه وأنت طفل, والمظلّة التي أمسكتها تحت سمائه وهي تمطر, والهواء الذي استنشقته وأنت آمن وسعيد. فالثقافة المجتمعية ذلك الجزء من البيئة الذي قام الإنسان بنفسه على صنعه متمثلاً في الأفكار والمثل والمعارف والمعتقدات والمهارات وطرق التفكير والعادات وطرق معيشة الأفراد وقصصهم وألعابهم وموضوعات الجمال وأدواته عندهم ووسائلهم في الإنتاج والتقويم والموسيقى التي يعزفونها والنظام الأسري الذي يسيرون عليه ووسائل انتقالهم والمعارف التي تشيع فيهم وغير هذا كثير وكثير جدا مما أنشأه الإنسان ليجمع بين أفراد مجتمع من المجتمعات ويربط بين مصالحهم بمعنى آخر هي مجموع العادات السائدة واللغة والديانات والاختراعات والعلوم في المجتمع وليست مجرد جواز سفر. ** **