تُعد المملكة بحجم إنتاجها، وطاقتها الإنتاجية الفائضة، واحتياطياتها النفطية، البنك المركزي للنفط العالمي، وتعتبر موانئ شحن النفط فيها عصب الإمدادات إلى الأسواق العالمية، لذا فمن الطبيعي أن يتأثر أمن الطاقة والاقتصاد العالمي كنتيجة مباشرة لأي استهداف يتعرض له قطاعها النفطي، وهو ما تسعى إيران، من خلال ذراعها الإرهابية في اليمن، أو عملائها، لتحقيقه. نجحت الدفاعات الجوية في اعتراض وتدمير صاروخين باليستيين و12 طائرة من دون طيار مفخخة، جميعها استهدفت أعيان مدنية في الظهران، ومواقع نفطية في ميناء رأس تنورة، أحد أكبر موانئ تصدير النفط في العالم، ما يعني استهداف إيران وميليشيا الحوثي لأمن واستقرار إمدادات الطاقة، وليس أمن واقتصاد المملكة فحسب. فأي أضرار ستلحق بالقطاع النفطي السعودي يعني حجب كميات كبيرة من الإمدادات النفطية العالمية ما سيؤدي إلى ارتفاع حاد لأسعار النفط وبالتالي التأثير السلبي على الاقتصاد العالمي. اعتداءات إرهابية انتهكت جميع القوانين والأعراف الدولية، وهددت أمن الطاقة، وحرية التجارة العالمية، وحركة الملاحة البحرية، وبالتالي فهي تستهدف الاقتصاد العالمي قبل استهدافها أمن المملكة ومواطنيها والمقيمين على أراضيها، ومقدراتها الاقتصادية؛ ما يستوجب مواجهتها بصرامة من دول العالم والمنظمات الدولية وفي مقدمها مجلس الأمن. أحسب أن الإجراءات المتخذة من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تجاه جماعة الحوثي، وإلغاء تصنيفها كمنظمة إرهابية، ساهم في تحفيزها على الأعمال الإرهابية الأخيرة، في الوقت الذي فسرت فيه إيران مباحثات إحياء الاتفاق النووي، على أنه ضوء أخضر للعودة إلى استراتيجية الفوضى وإطلاق يدها لدعم ميليشياتها في اليمن. فلا يمكن لإيران وأذرعها الإرهابية تجاوز الخطوط الحمراء ما لم تعلم سلفاً بنجاتها من العقوبة، أو ربما حصانتها في مقابل تنفيذها أجندات استخباراتية محددة في المنطقة. وعلى الرغم من التصريحات الأميركية الإيجابية حول علاقاتها بالمملكة، والتزامها بالدفاع عنها حماية لمصالحها، إلا أن الواقع يُظهر عكس ذلك، حيث تقوم إيران وأذرعها الإرهابية بتنفيذ عمليات تخريبية دون حساب أو عقاب، في الوقت الذي تتشدد فيه إزاء المواجهة الدفاعية المشروعة لقوات التحالف بحجج واهية ومنها الجهود والحقوق الإنسانية التي تعتبر إيران والحوثي أكثر المنتهكين لها. إيران والحوثي لا يعترفون إلا بمنطق القوة، وجميع إشارات حسن النوايا والمباحثات المزعومة التي تمارسها إدارة بايدن لن ينتج عنها إلا التعنت والصلف المعهود. فإيران لا تسعى إلى تفعيل الحلول السياسية في اليمن والمنطقة عموماً، لذا يرفض وكيلها الحوثي الالتزام بالمسار السياسي، وقرارات مجلس الأمن وكل ما يطرح على طاولة المفاوضات السياسية، وهو رفض تفرضه إيران عليه، ويتحمل الشعب اليمني والمنطقة بأسرها، تبعاته الأمنية، والإنسانية والاقتصادية. لا يمكن تحقيق أمن الطاقة واستقرار أسواقها والاقتصاد العالمي بمعزل عن ردع الإرهاب الإيراني الذي تجاوز جميع الخطوط الحمراء، وكأنما حصل على حصانة دولية وحماية من العقاب. استهداف رأس تنورة والظهران يمكن أن يستثمر في مواجهة إرهاب الدول وردع إيران ووكلائها في المنطقة، وهو أمر يحتاج إلى جهود سياسية وقانونية وإعلامية مكثفة، تدعمها القوة على أرض الواقع. لا مناص من استخدام القوة لفرض الحلول السياسية، ومن حق المملكة الدفاع عن أمنها، ومعاقبة من يتجرأ على استهدافها، وهو حق يكفله القانون الدولي، وتمارسه الدول الغربية بقسوة متى استهدفت مدنها أو رعاياها في الداخل والخارج. لن يتوقف الحوثي عن استهداف المملكة ما لم يدفع الثمن غالياً على أرض الواقع، وهو أمر لن تسعى دول الغرب لتحقيقه أو السماح به لإطالة أمد الحرب وتحقيق أهدافهم الاستراتيجية. تهدف استراتيجية الغرب لتمكين إيران في المنطقة، وتسعى إيران لتمكين جماعة الحوثي في اليمن للسيطرة التدريجية عليها، كما فعلت في لبنان، ما يستوجب التعامل مع تلك الاستراتيجية بحكمة وكفاءة، والعمل على استنفاد كافة الطرق الدبلوماسية والقانونية والإعلامية، ثم التفرغ لعملية الردع النهائية التي ستقضي على الحوثي ومخططات الغرب وإيران المشؤومة في المنطقة.