أقول للقوم لما ساءني شبعي ألا سبيل إلى أرض بها الجوعُ؟ ألا سبيل إلى أرض يكون بها جوع يُصدّعُ منه الرأسُ ديقوع؟! واستهلالاً تجدر الإشارة الى ان كلمة «ديقوع» في نهاية الشطر الأخير تأتي بمعنى شديد.. عليه فالشاعر كما يبدو في ثنايا بيته قد أدرك حقيقتين واختار أو بالأحرى شدّد على تفضيل إحداهما: أما الحقيقة الأولى فهي أن الشبع لا شك مضر لا في الأجساد فحسب بل أيضاً في النفوس والأمزجة.. أما الحقيقة الأخرى فتتمثل في أن الجوع يضر كذلك من حيث انه قد يسبب الصداع «الديقوعي!» غير أن ضرره هذا لا يتجاوز موقعه الحسي تأثيراً في خلجات النفس وملكات العقل والتفكر، ولهذا كان الجوع هو خيار الشاعر.. بل الأمنية التي كان يتطلع الى تحقيقها.. إن الشاعر يبدو هنا وقد انتصر على نفسه وامتلك خطامها ولا شك في أن ذلك لم يتأت إلا بعد أن دربها في ميادين الجوع ومرّنها في حقول السيطرة على الغرائز.. إنه لا يخاطب هنا ذوي «الشرهة» من الأكلة وحسب.. ولا يلمز كذلك بالتضمين أصحاب النفوس الجشعة فقط.. بل إنه يستعرض لنا أيضاً «من ذاته» الواحدة ذاتين: ذات «مكروهة» تقع تحت تأثيرالشبع وأخرى محبوبة تتطلع الى نقيض الشبع: الجوع. إنه هنا ليس الشاعر فقط.. إنه بالأحرى الإنسان تصقله تجارب الحياة الى درجة النهم من الحكمة تحت تأثير الجوع.. فها هو متخذاً من نفسه أساساً للمقارنة يقول لغيره من بني جنسه إنه ليس بالضرورة انه على الإنسان.. حين يرنو الى الحكمة.. الذهاب بعيدا وشططا بحثا عنها وتحريا لمكامنها.. انه يستطيع -لو أراد ذلك حقا- اصطيادها.. قابعة بالقرب منه.. بل في اقرب موقع اليه.. في أقصى أقاصي جهازه الهضمي..!