نادراً ما تجد روائياً لم يقرأ رواية دون كيخوتي (التي تسمى أيضاً دون كيشوت)، والأندر منه أن تجد منهم من لم يسمع بها. إلا أن كاتبها ورغم شهرته في بلاده، إلا أنه بقي أقل شهرة من روايته، إلى أن تم تكريمه بعد وفاته بعدة طرق. إنه (ميغل دي ثيربانتس) الكاتب والروائي الإسباني الذي توفي قبل أكثر من أربعمائة عام. ويوازي ثيربانتس في شهرته في أسبانيا شكسبير في بريطانيا، إلا أن المفارقة أنه عندما يكون الحديث عن خارج وطنيهما، فإن الكثيرين يعرفون شكسبير لكنهم قد لا يتذكرون اسم أحد أعماله، بينما نلحظ العكس في الثاني حيث يعرف الكثيرون رواية دون كيشوت دون معرفة اسم مؤلفها. وقد بلغ من جمال هذه الرواية وحلاوة فكرتها وحجم السخرية الذي اكتست به أن أصبحت الشخصية الأساس فيها مصطلحا يتم إطلاقه على الأشخاص الذين يشبهونه وهو الدونكيشوتية. ويعني هذا المصطلح السلوك المبني على حلم غير قابل للتحقق، وهو السلوك الذي اصطبغت به شخصية دون كيشوت في الرواية. فهذا الشخص الذي تميز بحبه للكتب والقراءة انكب على قراءة مجموعة كبيرة من الكتب أغلبها يتحدث عن الفروسية والبطولة ودورها في بروز أي شخصية آنذاك. وقد تأثر دون كيشوت - الذي كان اسمه ألونسو كيكسانو لكنه أعطى لنفسه هذا الاسم لاعتقاده بفخامته وتناسبه مع شخصيته الجديدة - تأثر بما قرأه وتحول إلى شخص يهوى الفروسية وإحقاق الحق. وهكذا وجد لنفسه حصانا هزيلا وامتشق عصاة غليظة بدل السيف ووضع على رأسه خوذة من نحاس عادي لكي يصبح في نظر نفسه فارسا مغوارا، بمعية شخص آخر يساعده مع حمار يمتطيه. وعندما بدأ مشواره البطولي واجه عددا من طواحين الهواء الضخمة التي تخيلها تنانين تريد تدمير كل شيء، فقام بمهاجمتها وتخيل أنه انتصر عليها. وتتوالى أحداث الرواية الشائقة التي تدور أحداثها حول معارك وهمية أو تافهة يقوم بها بطلها ولا يحقق منها أي نتيجة سوى عودته إلى مسقط رأسه ثم موته على السرير بدل تحقق أمنيته بأن يموت في إحدى المعارك الضارية. وهكذا اشتهرت القصة وطبع منها ملايين النسخ بعدة لغات حتى تحول اسم بطلها إلى مصطلح خاص وهو الدونكيشوتية (quixotic )، ودخلت كمفردة في قواميس اللغات الحية في العالم، بل وعقدت العديد من الندوات والمحاضرات لمناقشة مفهوم اللفظ. كما انسحب اللفظ حتى على الجانب السياسي ليطلق على من تفوق طموحاته السياسية بكثير قدراته أنه يمارس الدونكيشوتية السياسية. وقيل إن الروائي الروسي المعروف دوستويفسكي كان مسكونا بشخصية دون كيشوت حيث قال عنه : لا يوجد في العالم كلِّه لا يوجد مؤلَّف أعمق وأقوى من هذا، هذه هي الكلمة الأخيرة والأسمى للفكر الإنساني، إنها أكثر أنواع السخرية التي يمكن للإنسان التعبير عنها مرارة. ووصل الحال بأحد الروائيين من الإكوادور (خوان مونتالفو) أن استعار شخصية دون كيشوت في رواية أسماها (فصول من دونكيشوت نسيها ثيربانتس)، وذلك لأن دون كيشوت أصبح شخصية إنسانية ولا تخص كاتبها وحده. ** **