عرفت العربية جملة من المفعولات، منها المفعول المطلق، وهو مطلق لأنه الحدث نفسه، فحين تقول (خرج زيد) فالمفعول هو الخروج فهو الفعل نفسه؛ ولذا يؤكد به الفعل (خرج زيدٌ خروجًا) كأنك قلت: خرج زيد خرج، وثمة المفعول الذي هو موضوع الفعل كقولك: بنيتُ بيتًا، وثمة المفعول به أي المفعول به الفعل كقولك: أكرمت محمدًا، فالإكرام مفعول بمحمد، ومنها المفعول له أو من أجله كقولك: وقفت ترحيبًا بك، أي وقفت للترحيب بك، ومنها المفعول معه، نحو: ما زلت أسير والنيلَ، فالسير يحدث مع وجود النيل. ومنها المفعول فيه وهو الظرف الزماني نحو: سافرت صباحًا، أو الظرف المكانيّ: سرت مسافة طويلة، أو الظرف الحالي: دخل زيد مبتسمًا. ويمكن أن يضاف إلى هذه المفعولات ما يسمى (المفعول منه)، وأول ذكر له نجده في كتاب سيبويه حين يفرق بين المفعولين في التحذير (إيّاكَ والأسدَ، وإيّاكَ والشرَّ)، قال «فإِيَّاك مُتَّقًى والأسدُ والشرُ مُتَّقَيانِ، فكلاهما مفعول ومفعول منه»(1). ويشرح السيرافي لنا الفرق بين المفعولين، قال «لا يستنكر أن يكون التخويف واقعا بهما وإن كان طريق التخويف مختلفا؛ ألا ترى أنك تقول: خوّفت زيدا الأسد؛ فزيد مخوّف والأسد مخوّف وليس معناهما واحدا إلّا أن الأسد مخوّف منه وزيد مخوّف، على معنى أنه يجب أن يحذر منه، ولفظ خوّفت قد تناولهما جميعا، وكذلك إياك والأسد المعنى الناصب لهما معنى واحد وإن كان طريق التخويف مختلفا فيهما»(2). ولا نجد في المطبوع من شرح السيرافي لفظ (مفعول منه)، ومع ذلك ينسب إليه ابن الأثير ذلك قال «وقد زاد السّيرافيّ مفعولا منه، واستدلّ بقوله: {وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا}[155-الأعراف]، أي من قومه، والعلماء على خلافه»(3). ولكن المحقق يحيل إلى جزء حققه دردير محمد أبو السعود (رسالة مخطوطة بمكتبة كلية اللغة العربيّة بالقاهرة). «انظر: 2/ 250، 760، 778 من شرح السيرافي». ونسب ابن الأثير إليه هذا في موضع آخر(4). ومن المورديه ابن الخباز قال «وزاد بعض النحويين (مفعولًا منه)، ومثله بقوله تعالى: {وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا}[155-الأعراف]، أي: من قومه»(5). وأحسن ناظر الجيش في بيان المراد بالمفعول منه، قال «والحق أن المراد بكونه (مفعولا منه) أنه مفعول منه في المعنى، أما في اللفظ فلا؛ لأنه معطوف على مفعول به فوجب أن يكون شريكا له في ذلك»(6). ولذلك لم تحفل كتب النحو التعليمية بالمفعول منه؛ لأنه من الناحية اللفظية مفعول به وإن اختلفت جهة المفعولية فقولهم «(إياك والأسدَ) أي: إياك باعدْ واحذرِ الأسدَ»(7). ونلحظ أن (المفعول منه) انطلق على ظاهرتين، إحداهما ظاهرة التحذير التي يلحظ معنى (من) في سياقه لأنها ملتزمة، والأخرى ظاهرة الحذف؛ إذ حذف لفظ (من) فتعدى الفعل إلى مدخولها تعديًا مباشرًا، فالتفاتًا إلى هذا الأصل سمي مفعولًا منه. ... ... ... (1) سيبويه، الكتاب، 1: 274. (2) السيرافي، شرح كتاب سيبويه، 2: 170. (3) ابن الأثير، البديع في علم العربية، 1: 121. (4) ابن الأثير، البديع في علم العربية، 1: 441. (5) ابن الخباز، توجيه اللمع، ص: 165. (6) ناظر الجيش، تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد، 7: 3680. (7) ابن هشام، أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، 2: 166.