ضمن أبجديات التعليم نحذر طلابنا بأنه لا يكفي أن تكون المقولة شائعة أو سائدة لقبولها، بل علينا فحصها ونقدها علمياً، حتى لا نخلط الحقيقة بالميث. الميث (Myth) هي الفكرة أو المعلومة الشائعة المتداولة كحقيقة، بينما هي لا تستند على أسس علمية. في هذا المقال والذي يليه سأحاول تطبيق معايير النقد العلمية على برنامج «مسار التميز للابتعاث» وتبيان بعض تفاصيله وكيف نحسنها للأفضل. واضح بأن المقصود بالتميز، تميز المبتعثين وليس البرنامج، لعدم وجود مميزات إضافية لمبتعثي هذا المسار. هذا برنامج رائد في فكرته حين تمنح فرصة الابتعاث للأفضل والأميز من أبنائنا وبناتنا، ويهمنا تطويره وتجويده.. حسب ما أعلن، أهم معيار للقبول في هذا المسار هو الحصول على قبول مباشر في إحدى الجامعات. هنا سيكون المستهدف فئة لديهم القدرة على السفر وتعلم اللغة الأجنبية أو من هو خريج تلك الدول. أي فئة اجتماعية محددة وليس المتميز علمياً، لأن اللغة ليست بالضرورة مقياس تميز علميا. لا يستطيع أغلب خريجي الثانوية السعوديين، حتى وإن كانوا ضمن الأوائل الالتحاق ببرنامج في دولة غير عربية دون دراسة لغة، إلا إن كان من طبقة اجتماعية أتاحت له السفر والدراسة في الخارج أو مدارس خاصة مبكراً، وعليه فهذا المعيار رغم شهرته إلى أنه (ميث) يخالف القواعد العلمية لقياس التميز.. القبول في جامعة متميزة وفق تصنيفات الجامعات لا يمكن الجزم بأفضل التصنيفات، وهناك ملاحظات حول مكوناتها ودقتها العلمية وكون التدريس أضعف عناصرها. لقد أدينت جامعات أمريكية ضمن الخمس الأول في التصنيفات بقبولها طلابا مقابل أموال طائلة من ذويهم، وهذا دليل بأن التصنيفات لا علاقة لها بالسمعة الحسنة. غالباً لا يشترط على الطلاب الأجانب منافسة طلاب الدولة المستضيفة في القبول، بدليل عدم فرض حصولهم على اختبارات معيارية. وعليه فهذا (ميث) آخر في اعتبار قبول السعودي في جامعة ذات ترتيب متقدم في تصنيف تجاري، يقيس تميزه بين أقرانه على المستوى الوطني. تذكروا بأن مسار التميز يفترض أن يخصص للأفضل والأميز على المستوى الوطني وفق معايير علمية وموضوعية تحكمها ضوابط تنافسية عادلة... بالنسبة للدراسات العليا، فنفس الفكرة، القبول في جامعة متقدمة في التصنيف لا يعني أفضلية المبتعث على أقرانه. الدراسات العليا تعتمد على مجال البحث والاهتمام والأستاذ المشرف وبيئة البحث وليس على مسطرة تصنيف تجاري لا يراعي الفوارق في بيئات البحث. نحتاج معيارا وطنيا أو التعامل مع الدراسات العليا بشكل مختلف. ربما وفق مقترح إبعادها تماماً من برامج ابتعاث وزارة التعليم لتكون ذات علاقة بالوظيفة. الخلاصة؛ هذا البرنامج جميل في فكرته الأساسية المتمثلة في اختيار المتميز من الطلاب السعوديين للبعثة، لكنه يحوي خللاً في الفهم العلمي لقياس التميز. نريد تحقيق الفكرة وفق معايير تنافسية شفافة وعادلة تستند على أسس علمية وليس (ميث) لجميع الطلاب من جميع المناطق ومن مختلف المستويات الاجتماعية. في المقال القادم، وكما عودتكم بطرح حلول، أجيب عن السؤال كيف نختار الطالب المتميز بطريقة موضوعية، منصفة وسهلة؟