فيما يكون هذا المقال بين يدي القارئ تكون سيدة فلبينية أحببناها وأحبتنا، عاشت بيننا ست سنوات، تكون في دارها بين أهلها وجماعتها. وفقها الله وأسعدها. أتت بسيطة لكنها حزينة جداً لاضطرارها إلى العمل في السعودية، أناس لا تعرف لغتهم ولا كيف ستجد مكانها وكيف ستتصرف، ربما كانت تتوقع أننا سنجعلها ترتدي الحجاب وربما النقاب في البيت، محملة بأفكار قد يكون بعضها سوداوي في نظرها. تحمل شهادة جامعية، محاسبة، الوظيفة هناك لم تكن توفر لها فرصة عيش جيدة ناهيك عن بناء المستقبل، غادرت بلدها كي تكون مستقبلاً أجمل، فكان لها ما عزمت عليه. في عمر الثلاثين وصلتنا، احتفلت بيوم ميلادها السادس والثلاثين قبل شهر، أحبت أحفادنا ونفسها كريمة لا تغضب ولا تتضايق من ضيوف بيت الجد. غدًا ستسافر وتودعنا.. أثناء تلك الإقامة بيننا زاد راتبها، وفي آخر إجازة أتت وقد تزوجت من مواطنها الذي يعمل هنا، وكانت سعيدة جدًا، ذاك أعطاها أماناً أكثر.. خلال هذه السنوات الست استطاعت أن تبني لها بيتاًَ، وتشتري لوالدها سيارة بالأقساط أنهت الأقساط قبل شهرين. لم تكتف بذلك فالاستثمار ضروري لاستمرار تدفق وتطوير رأس المال، استطاعت تأسيس بقالة صغيرة حسب قولها (مني ماركت) بالشراكة مع أختها التي تتابع العمل اللهم بارك لهما.. ست سنوات عمل فقط، كم تبدو بلدنا مباركة، وكم عمرت بيوتاً وبنت مستقبلاً، وفتحت استثماراً مهما صغر في دول متعددة ودرّست وخرّجت، ليس في جنوب آسيا ولا في إفريقيا فقط، بل حتى في أوروبا ومختلف ديار العالم والمسألة تبادلية، نحن ندفع وهم يعملون خاصة العمالة الماهرة، طبعاً لا تدخل خدم المنازل فيها ولا السائقين.. هذا السيدة المسافرة، جعلتني أنظر لشبابنا، تأكل السنون أعمارهم عملاً، التوفير يكون غالباً بسيطاً، ولا يمكن أن يشتري منزلاً قبل مضي ما لا يقل عن عشر سنوات عمل هذا إن تمكن وساعده الحظ والوالدان. كانت الأمور ميسرة لحد كبير معنا والبنك العقاري، الذي اختلفت الآن شروطه واختلفت أيضاً طريقة الدفع، أصبح الشباب بين مطرقة الراتب وسندان البنوك، فالبنوك تحتاج الربح والربح غير مقنن جيداً. هذا الربح قد يكون مضاعفاً لسعر البيت ويستمر هذا الذي أصبح كهلاً يدفع أقساط المنزل بينما أبناؤه على وشك التخرج من الجامعة لتكوين أسرة أيضاً.. وهكذا.. (أيرين) هذا اسم السيدة التي تغادرنا، عملت في بلدها ولم تستطع تكوين شيء ولها ابن يحتاج مصاريف، غادرت وها هي تعود وقد أمنت لنفسها وطفلها حياة أجمل. نعم المعيشة غالية لدينا واحتياجات أكثر، لدينا قيم اجتماعية مكلفة أحياناً، ولكن أظن أن التعاون شيء طيب، أتذكر كنا في العمل نتعاون لنجمع مبلغاً جميلاً لمن تبني بيتاً، ولمن تؤثث على طريقة الأخوة المصريين، عمل الجمعيات، وغالبًا يكون الاشتراك بثلاثة آلاف ريال فما فوق فيكون المبلغ كبيرًا نوعًا ما، نؤجل لمدة تراوح بين ثلاثة إلى ستة أشهر، تكون الموظفة الزميلة قد استطاعت أن تنظم نفسها وتبدأ بإعادة النقود كل شهر لواحدة وهكذا فلا تستغل البنوك حاجتها وتفرض أرباحاً تتضاعف حسب الزمن. وصلت لنهاية المقال، فأقول أغلب العمالة غير الماهرة تفضل بلدنا فتجني أرباحاً جيدة ليس فقط من عملها الرسمي لكن من أعمال أخرى بسيطة، خاصة الرجال وتذهب وقد كسبت خبرة، وجواز سفرها يشهد لها أنها عملت هنا، لعل أفضل مكان تذهب له الخادمات بعد بلدنا هو سنغافورة. استغل الوضع في كورونا وما زال من قبل مؤسسات جلب العمالة أو مؤسسات تشغيل العمالة، خاصة الخادمات تضع شروطاً وأرقاماً تتجاوز أحياناً 3000 ريال بالشهر للخادمة، أما غيرها فحدث ولا حرج، أتذكر مرة صديقة احتاجت لممرضة فاتصلت بمن يوفر هذه الخدمة وطلب منها 18 ألف ريال في الشهر، تقول إنها شرحت له وضعها، فليست مقعدة، المبلغ كبير لثماني ساعات عمل باليوم الواحد. قالت له: أردتها ممرضة وليست أستاذة جامعة. أعود وأذكر أن بلادنا مباركة وستأتي ببركة أكثر لشبابنا، ومع توفر فرص العمل، أيضاً وجود رعاية الأطفال من حضانات ورياض أطفال لن تعاني الأم العاملة من مشكلة رعاية الصغار أثناء عملها. أستودعكم الله، ورحلة سعيدة (لايرين).