على الرغم من مرور السنوات على الانتفاضة الشعبية الليبية ضد نظام العقيد معمر القذافي والتدخل العسكري لحلف الناتو للمساعدة في الإطاحة به، لم تشهد ليبيا أي استقرار، بل صارت ساحة صراع للميليشيات المسلحة التي تريد الوصول إلى السلطة هناك وتولي زمام الأمور، وقامت دول تدعم وتساند حكومة الوفاق بقيادة السراج وجماعات الإسلام السياسي بإرسال المرتزقة والمتطرفين إليها لمواجهة الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير حفتر، الذي يسعى إلى وحدة التراب الليبية ومنع التدخل الخارجي. تلك الأحداث الدامية التي شهدتها الساحة السياسية الليبية استدعت بدورها تدخل قوى إقليمية ودولية مما حول البلاد إلى ساحة نزاع إقليمي وحروب تخاض بالنيابة. كل تلك المستجدات التي شهدتها الساحة الليبية، تعيد تسليط الضوء على التدخل التركي المباشر في الأزمة، كونها حلقة مفرغة تبدأ بالأسلحة والمسلحين من تركيا، فأوامر تصدرها حكومة السراج (بالتبعية) لميليشياتها، لتشعل الأخيرة الوضع على الأرض. يؤكد هذا التهافت الخارجي على التدخل في ليبيا أهمية هذا البلد استراتيجيًا واقتصاديًا، لكنه يؤشر إلى أنه لا بديل عن الحل السياسي في نهاية المطاف. إن الانغماس التركي في الشأن الداخلي الليبي لن يقبله الشرفاء والوطنيون الليبيون، إذ إن المطلوب رفع اليد عن ليبيا وتحمل الليبيين لمسؤولياتهم الوطنية، وتقرير مصيرهم والحفاظ على ثرواتهم ووحدة أراضيهم. إن هذه الدولة تهدد أي جهود أممية ودولية للتوفيق بين الأطراف المتصارعة وحل النزاع في ليبيا، إذ إن التدخل التركي في ليبيا بلغ «مستويات غير مسبوقة» عبر التسليح وإرسال المرتزقة. وقد تعالت بعض الأصوات في ليبيا الذين يخشون أن يترسخ وجود القوى التركي في بلادهم و»يريدون بشدة استعادة سيادتهم». في الوقت الذي لا تزال تستمر فيه المحاولات لإيجاد سبيل سياسي لإنهاء الأزمة الدائرة في ليبيا منذ سنوات، والتي كان الشعب هو أكبر الخاسرين فيها، تمتد أيادي أنقرة، لعسكرة المشهد من خلال ميليشيات إرهابية، وإغلاق أي «سبيل للخروج». وقد أعلن الجيش الوطني الليبي، ليلة الاثنين الماضي، عن اعتراض سفينة تركية، كانت متجهة صوب ميناء مصراتة في غرب البلاد، في خرق للحظر المفروض على ليبيا بشأن توريد السلاح. إذ إن السفينة كانت تحمل علم جامايكا، وذلك في أحدث استفزاز تركي يأتي في ظل وقف لإطلاق النار تشهده البلاد منذ أسابيع. وأضاف أن سفينة الشحن التجارية «مبروكة» كان على متنها طاقم مؤلف من 17 فردًا، من بينهم تسعة مواطنين أتراك وحاويات لم يجر تفتيشها بعد. وقد أعربت القيادة العامة للقوات المسلحة العربية الليبية، في بيان، عن «قلقها إزاء الحشود المتزايدة للمليشيات التابعة لما يعرف بحكومة الوفاق في طرابلس ومصراتة، وكذلك عمليات نقل مليشيات وأسلحة ومعدات عسكرية باتجاه خطوط التماس غرب سرت والجفرة». وأضاف البيان: «بناء على ذلك، فقد أصدرنا تعليمات وأوامر إلى كافة وحدات القوات المسلحة أن تكون على درجة عالية من الحيطة والحذر، وعدم الانجرار وراء الاستفزازات، التي يمكن أن تؤدي إلى تصعيد الموقف العسكري». وفي 23 نوفمبر الماضي، قال الجيش الألماني، إن تركيا منعت قوات ألمانية تعمل ضمن مهمة عسكرية للاتحاد الأوروبي من تفتيش سفينة شحن تركية يُعتقد أنها تنقل أسلحة إلى ليبيا. وكانت المهمة العسكرية الأوروبية المعروفة باسم «إيريني» قد انطلقت في مايو الماضي، تنفيذاً لقرار مجلس الأمن الدولي بحظر تصدير السلاح إلى ليبيا عبر البحر، وتطبيقاً لمخرجات مؤتمر برلين الذي عقد في مطلع العام الجاري. من جانبها أكدت الخارجية المصرية أن «الجهود التي بذلتها مصر منذ 20 يونيو، عندما أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسي (الخط الأحمر سرت الجفرة)، أدت إلى هدوء الساحة العسكرية»، مشيرًا إلى أن «الهدف هو إطلاق المسار السياسي، وإدراك الجميع بأنه ليس هناك حل عسكري تستعيد به ليبيا استقرارها». واعتبر وزير الخارجية المصري سامح شكري أن العمل على وقف إطلاق النار بشكل رسمي في ليبيا، «كان ضرورياً لإعطاء الفرصة لكافة الأطراف الليبية لتتفاعل وتتواصل». ** **