قبل عشر سنوات فقط لم يكن إلا القليل القليل من الأمل لعلاج الرجال ذوي الحيوانات المنوية الغائبة أو القليلة العدد أو الضعيفة فعلى سبيل المثال حين يكون غياب الحيوانات نتيجة انسداد القنوات داخل الخصية فإن الأمل الوحيد الذي كان لهؤلاء المرضى هو ان يقوم جراح بارع متخصص في هذا المجال -وما أندر هؤلاء وأثمن معداتهم - باستئصال الجزء المسدود وتوصيل بقية القنوات ببعض ويكفي لتصور صعوبة هذه المهمة ان نعرف ان قطر تلك القنوات هو 2 ،0 من المليمتر - أي بسماكة شعرة الرأس - ومخاطي الملمس مما يزيد من صعوبة الجراحة في هذه القنوات. ثم تقدم علاج عقم الرجال فأصبح في مراكز محدودة العدد في العالم، حيث بالإمكان سحب الحيوانات من الوعاء الناقل مباشرة واستعمالها لتلقيح البويضات في عملية اطفال الأنابيب بالطريقة الاعتيادية ولكن هذه العملية طويلة ومعقدة وتحتاج إلى خبرة ودقة ووقت طويل لتخليص الحيوانات المنوية من الدم ولهذا لم تكن النتائج على القدر الذي كان يأمل لها وفرص الحمل لم تكن تتعدى 7%. ثم حصلت نقلة نوعية كبيرة في عام 1992 حينما اكتشف عالم بلجيكي مصادفة حقن الحيوان المنوي داخل السيتوبلازم أو الحقن المجهري كما يسميه الناس (icsi) وهذه كانت وبلاشك أهم التطورات في علاج عقم الرجال فصار بالإمكان إذا ما وجد حيوان منوي واحد ان يستعمل هذا الحيوان للعلاج بالحقن المجهري، وفوق هذا كله لم يعد هناك حاجة لأن يكون الحيوان متحركاً أو تام النضج. وإذا كان الحقن المجهري قد زاد وإلى حد كبير فرص الحمل من هؤلاء الرجال فإن طريقة الحصول على الحيوان أيضا أصبحت أسهل حيث يمكن الآن الحصول على الحيوان المنوي في حالة تسكير الأنابيب بواسطة إبرة تغرز في البربخ وهذه العملية تعمل تحت تخدير موضعي ودون الحاجة إلى ادخال المريض إلى المستشفى وهذا ينجح في الغالب في الحصول على حيوانات كافية للحقن المجهري وقد يكون هناك فائض للتخزين للاستعمال في دورات أخرى أما حين يكون غياب الحيوانات لفشل جزئي في الخصية حيث البربخ عادة لايحتوي على حيوانات فإن السحب يكون من الخصية مباشرة وأحيانا نحتاج إلى فتح الخصية وسحب الحيوانات ثم حضانتها لمدة قد تصل إلى ثلاثة أيام وعندما تصبح الحيوانات ناضجة تلتقط لتستعمل في الحقن المجهري مع فرص طيبة للحمل. وبهذا كما رأينا أصبح بوسعنا بعد هذا التقدم العلمي المذهل علاج الكثير من حالات عقم الرجال ولكن وبلاشك ان هناك بقية من الحالات لاتزال يد الطب قاصرة عن علاجها ولكن من المتوقع ان ما لا يمكن علاجه اليوم سيمكن علاجه غدا. أرى أن هندسة الجينيات قد تمكننا من علاج الكثير من الحالات التي لم نتمكن من علاجها حتى الآن وأعتقد انه وفي أقل من عشرين سنة سيمكننا زراعة خلايا الخصية غير الناضجة في المختبر والحصول على حيوانات ناضجة قادرة على إحداث حمل. ومن يدري فربما بمرور الوقت قد يتمكن العلماء من برمجة الخصية لانتاج حيوانات منوية سليمة. وعليه يكون لازما علينا ان نستمر في الاستعداد للمستقبل باحثين عن أسرار الله في خلقه مدركين ان كل شيء حكمة وانه فوق كل ذي علم عليم. (*) استشاري العقم والجراحة النسائية