دائماً مايكون هناك استهلاك لكافة الأصعدة، كيف بنا باستهلاك قلوب ملؤها الطيبة، والبراءة، والتسامح، كيف لنا بأن نضطهدها بطريقة بشعة وممعنة في إتلاف ذلك. كثير من الناس من يعد صاحب الطيبة القلبية (أبله). ومما زاد الطين بلة هو استغباء ذلك الشخص والاستخفاف به... حسب منظور الحياة الحالية وموقع الطيبة منها ونظرة الناس لها، اجعل للطيبة تعريفاً بسيطاً: أقرب نقطة للغباء، نعم هي الأقرب، والتي تمتطي صاحبها حيث مايقال عنه (الغباء) أو (مخفة).. وأصح الصحيح أنها بعكس ذلك. بل ان طيبته تقتاده إلى حيث بقعة يُطلق عليها (الضمير) فهذا مايمليه عليه ضميره وترتاح إليه نفسه، فالطيب يجد الدعة بهذا النمط من السلوك وهنا يأتي دور جراثيم الحياة ممن يقصفون هذه الطيبة بكل أنواع التعسف والإنهاك لهذا المنبع الذي لايجف، إلا لمن هزلت أرضه وخارت قواه أمام القصف والتجني. الطيبة سلاح ذو حدين، إيجابي في دور صاحبها. وسلبي في الدور الجرثومي المقابل. يتعب هذا المسكين كثيراً في ممارسة حياته، ويحس بالظلم ويسكت ثم يسكت نظراً لما يحنو عليه من حب في قلبه، ويفضل السكوت، ويضل مكانه عندما يسلب حقه ولا يطالب بأي قطرة منه. فسلب الحقوق ظاهرة متفشية بين من يمتلكون طيبة لايقدرون الفكاك منها، حتى أنه حيثما يزل زلة ما يسلط عليه عقاب فوق ذنبه بكثير، فقد يكون الذنب تافهاً أو صغيراً، فعقابه كبير نظراً للانتظار الطويل للإمساك ولو بزلة صغيرة. وكثيرا مايكون الاستغلال من قبل من هم حوله، من صديق ولربما أخ، عدواً كان أم حبيباً، ويظل صامتا طوال مدة ما، حتى يأتي يوم ما وتفيض به الهموم، وتتكدس فوقه الآلام والآهات ليطلق عنان لسانه ليبوح بما يؤلمه ويستغيث بالنهاية مطالباً إياها بكف الناس عنه، فالهموم أذلته كثيراً حتى بات مطأطئ رأسه، ولربما يتحول هذا الطير وحشاً ذو أنياب ومخالب يفترس الكل، وينتقم لقلبه الذي مات مهزوماً في صراعه مع الظلم ليحطم ما كان أمامه، معترضاً ليصرح بأنه لن يعود كما كان سابقاً (غبياً) فيودع الطيبة والحب والسكون ليقتنص كل من كان سبباً في ألمه. لِمَ كل هذا، لم لا نتعامل مع نقطة (الطيبة) ونترك جارتها (الغباء) ويظلم الرجل بما ليس فيه، وما الذي يضطرنا إلى كل الضوضاء والاضطرابات، ومن أجل ماذا؟؟