لماذا الحملة الأمريكية العدوانية على المملكة العربية السعودية الآن؟ وهل جاءت بعد أحداث 11 سبتمبر أم قبلها؟ أم بسبب المواقف المبدئية للمملكة تجاه الحقوق العربية والفلسطينية بشكل خاص كونها قضية العرب المركزية؟ شكلت انفجارات الرياض والخبر بداية الحملة الأمريكية على المملكة عندما رفضت مشاركة لجان تحقيق أمريكية تابعة لمكتب التحقيقات الفدرالية «F.B.l» في التحقيقات التي تجريها الأجهزة الأمنية السعودية حولها. عندما اعتبر الامير نايف وزير الداخلية أن ما حصل هو قضية داخلية وان أي تدخل خارجي يعتبر مساساً بالسيادة الوطنية. الرفض السعودي هذا أدى إلى حنق أمريكي تم إعلانه من جديد بعد أحداث 11 سبتمبر. إلى جانب المواقف الشجاعة للمملكة على امتداد سنوات الصراع العربي الإسرائيلي وتجلت عندما حذر الأمير عبدالله شارون من مواصلة سياسته الوحشية والدموية ضد الشعب الفلسطيني. وحذره أيضاً من مد الصراع إلى الجبهتين السورية واللبنانية، «إنه يرتكب الخطأ القاتل» كان ذلك تعبيره. والموقف الأكثر دلالة وقوة للمملكة كان في حرب تشرين/ أكتوبر 1973م عندما استخدمت سلاح النفط إلى جانب مشاركة قوات عسكرية سعودية القوات السورية والعراقية والفلسطينية والمغربية في الحرب ضد العدو الصهيوني. لقد انطلقت مواقف المملكة المبدئية تجاه قضية الصراع العربي الإسرائيلي من التوازن بين المصالح القطرية والثوابت القومية، بمعنى أن المصالح الخاصة بالمملكة جيّرت لصالح المعركة القومية على الصعد السياسية، والاقتصادية، الأمر الذي أعطى الفعل العربي زخمه لفترات قليلة وغاب هذا الفعل مرات كثيرة بسبب ضعف وتفكك الوضع العربي، حيث غلبت قطرية الدولة على حساب العمل العربي المشترك تجاه القضايا المصيرية للشعوب العربية. وهذا ما شاهدناه مؤخراً، أي بعد عامين من اندلاع الانتفاضة الفلسطينية، فلم تتوحد القرارات ولم يتحقق الاجماع العربي في برنامج عمل موحد يجمع عوامل القوة العربية وامكاناتها الكامنة يواجه الاحتلال الإسرائيلي المدعوم أمريكياً. ونسجل هنا موقف المملكة الانساني تجاه مئات العائلات الفلسطينية التي دمرت منازلها حيث تعهدت باعمارها مرة ثانية، إلى جانب الدور المساند والداعم مالياً وسياسياً لدول عربية شقيقة ومنها الإمارات العربية المتحدة. كما لعبت المملكة دوراً هاماً في قمة الجزائر في 26 -28 تشرين الثاني/ نوفمبر 1973م في اعلان منظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني، وفي قمة الرياض 6 - 18 تشرين الأول/ أكتوبر 1976م وكانت قمة مصغرة ضمت مصر والسعودية وسوريا والكويت ولبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية تمخضت عن قرار يقضي بوقف إطلاق النار في لبنان وإرسال قوات ردع عربية لحفظ السلام والأمن فيها. هذه المواقف المبدئية للمملكة إلى جانب عمق العلاقة التي امتدت لأكثر من ستين عاماً مع الولاياتالمتحدة الأمريكية وما لهذه العلاقة من خصوصية لجهة المصالح المشتركة بينهما ولا سيما الاقتصادية منها، لم تمنع وقف الحملة الأمريكية الشعواء. فعبارة «الحرب على الإرهاب»، و«من ليس معنا فهو ضدنا» التي أطلقها الرئيس بوش الابن بعد أحداث 11 سبتمبر نسفت كل الجسور مع المملكة وابتعدت حتى عن مصالح أمريكا الحيوية، واتسمت بالغباء السياسي غير القارئ لمستقبل علاقات الولاياتالمتحدة الأمريكية مع دول العالم وخاصة الصديقة منها، ولم تبحث إدارة بوش عن الأسباب التي أدت إلى تفجيرات نيويورك وواشنطن، ولا إلى ماذا يرمز الهجوم الإرهابي على برجي التجارة التوأم في نيويورك وعلى مبنى البنتاغون في واشنطن، بمعنى لماذا ركز الهجوم على العنوانين الاقتصادي والعسكري؟ لم تبحث إدارة بوش الأمنية رايس، ونائب الرئيس تشيني، ووزير الدفاع رامسفيلد عن هذه الأسباب أو حتى تساءلوا عنها، بل حرك فيهم الهجوم صقرية القرار وفتح النار على العالم وكانت الدولة الأولى بالطبع أفغانستان، وبدأ التحالف الدولي مع الولاياتالمتحدة يتوسع ويأخذ مداه باعتبار أن ما حدث هو عمل ارهابي يمس المجتمع الانساني كله، لكن.. بعد مرور أشهر وبعد أن راوحت العمليات العسكرية الأمريكية ومعها القوات العسكرية الحليفة مكانها في أفغانستان، بل قد فشلت، بن لادن والملا عمر وآخرون ما زالوا أحراراً.. حاولت أمريكا جهدها التعويض عن هذا الفشل بالتحضير لهجمات على دول عدة ومنها ما اسمتها «محور الشر» أي العراق وإيران وكوريا الشمالية، وصنفت حركات تحرر تقاوم الاحتلال بأنها منظمات ارهابية، ودول تحتضن «الإرهاب»، والمقصود هنا المقاومة الفلسطينية الوطنية والإسلامية والمقاومة اللبنانية، والدول سوريا ولبنانوالعراق وإيران، كما تتهم المملكة العربية السعودية بتمويل منظمات «إرهابية». وبدأ التحالف يتفكك وبدأت النقاشات ولاسيما الأوروبية منها تتمحور حول أهداف الولاياتالمتحدة الحقيقية من وراء حربها. ولعبت إسرائيل على حبل «الحرب على الإرهاب» وغزت النزعة الاستعمارية الأمريكية إعلامياً ومن خلال وفود أمت واشنطن مؤيدة لهذه السياسة الصقرية خاصة تجاه الشرق الأوسط باعتباره منبع هذا «الإرهاب الأصولي الإسلامي»، فغدت السعودية ومصر وسوريا ولبنان وإيران ومعهم المقاومة الفلسطينية واللبنانية أهدافاً ينبغي ضربها. أما العراق المحاصر منذ أكثر من عشرة أعوام، تم إعلان الحرب عليه. ماذا حصل في الطريق لكل هذا: لقد حاولت أمريكا وستحاول إعادة تشكيل الخارطة السياسية بعد أحداث 11 سبتمبر، واعتبرته تقويماً ميلادياً أمريكياً يؤسس لحقبة استعمارية أحادية القوة تبسط من خلالها سياستها على دول العالم والمقصود ارساء قواعد النظام العالمي الجديد «النيوليبرالي» فأصبحنا نرى اصطفافات عالمية تهرع نحو أمريكا. الحادي عشر من أيلول تقويم ميلادي أمريكي جديد أعاد تشكيل الخارطة السياسية للعالم لتصبح خارطة جغرافية كأحجار الدومينو في اصطفافها، ردة الفعل الأمريكية الحادة فهمت على الصعيد العالمي بأن الولاياتالمتحدة الأمريكية اليوم بلدوزر من الحجم الكبير يقوم بتسوية الطرق الوعرة وغير الوعرة في جنوب وشرق ووسط آسيا والقوقاز وكولومبيا وفنزويلا واليمن، كذئب أصيب بطلقة غير قاتلة فكشر عن أنيابه وهاجم كل من يقف في طريقه. وشاهدنا اصطفافات عالمية تهرع نحو أمريكا لكسب رضاها ولتنأى بنفسها عن الخطر، أحلافاً أو شبه أحلاف حلت تلقائياً بعد 11 أيلول، فمن الرؤية الصينية من أن روسيا ستكون بجانبها في مواجهة مشروع الدفاع القومي الأمريكي ضد الصواريخ، فخذلتها، فسارعت «الصين» إلى الدخول إلى منظمة التجارة العالمية بعد 15 عاماً من المفاوضات بعد قبول عضويتها بقرار أمريكي، تهافت صيني وهرولة نحو العالم الحر ونظام السوق المفتوح وللحصول على موطئ قدم لمصالحها في القارة الآسيوية، وتقدمت موسكو عشرات من الخطوات المتسارعة باتجاه أمريكا وكلها تصب في خدمة الحرب الأمريكية على ما يسمى «الإرهاب» «للتذكير اصطحب بوتين معه في زيارته الأخيرة إلى الولاياتالمتحدة الأمريكية بيرل لازار الحاخام الأول لليهود الروس والتقى مع اللوبي اليهودي في الكونغرس محاولاً الغاء التعديلات التمييزية «جاكسون - فيني» الملحقة بقانون التجارة مع روسيا للحصول على علاقة تجارية مميزة مع أمريكا»، وتم توقيع معاهدة خفض الترسانة النووية للبلدين «روسيا وأمريكا» خلال زيارة الرئيس بوش لموسكو، وللتنويه قام بوش بزيارة كنيس يهودي بعد أن ألغى زيارة لمسجد كانت مقررة على جدول زيارته، وللتنويه أيضاً تعداد اليهود في روسيا يبلغ المليون وتعداد المسلمين يبلغ العشرين مليوناً!.. ومن مبدأ التوازن الأمريكي قبل 11 سبتمبر بين الهند وباكستان إلى انحياز كامل مع الهند بغرض فرض المزيد من الضغوط على باكستان باتجاه جعل الأخيرة حليفاً وشريكاً قوياً على الأرض في مواجهة الحركات الأصولية الإسلامية - جيش محمد - كشمير - وبقايا حركة طالبان والقاعدة. وبدأت الحرب الباردة والساخنة تتفاعل بين الجارتين العدوتين، والعنوان ديني، من هجوم على كنيسة مصليها من الوسط الدبلوماسي والمحلي ومقتل عدد منهم، إلى مقتل عدد من المسلمين كانوا ضمن حافلة لنقل الركاب. وإيران وحصتها من نفط بحر قزوين دفعها للتأييد الكامل والفعلي لحرب أمريكا، مستشارون وضباط عسكريون ضمن طواقم أمريكية بريطانية على الأرض الأفغانية وتغير الخطاب السياسي الإيراني نحو مزيد من الانفتاح على العالم الحر.. لكن لم تتغير سياسة الولاياتالمتحدة تجاهها باعتبارها «دولة ترعى وتمول الإرهاب»، واضطر خرازي وزير الخارجية الإيراني من التوجه لبيروت والطلب من حزب الله وقف أية عمليات عسكرية ضد إسرائيل «بعد اطلاقه لصواريخ الكاتيوشا على مواقع إسرائيلية في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة» وعاد شبح الحرب من جديد يسيطر على أجواء المنطقة، العراق حيث تم نشر ألفي جندي أمريكي في الكويت على مقربة من حدوده! وبعد أن فشل نائب الرئيس الأمريكي تشيني بحشد التأييد العربي لضربة عسكرية ضد العراق وبعد المصالحة التاريخية السعودية - الكويتية / العراقية في قمة بيروت 28/3/2002م تزايدت التهديدات الأمريكية بضرب العراق وأعطى الضوء الأخضر لشارون فشن حربه الوحشية على الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية وأعاد احتلال الضفة الغربية بالكامل فكانت مجزرة مخيم جنين وأكثر من 1000 شهيد و5000 معتقل وحصار كنيسة المهد وابعاد 13 مقاوماً فلسطينياً للمنافي الأجنبية جاهداً لتحقيق أهداف عمليته العسكرية المسماة «السور الواقي» على الأرض، مقسماً الضفة الغربية وقطاع غزة إلى ثمانية كانتونات وللتنقل بين هذه المعازل يحتاج الفلسطينيون لتصاريح خاصة من قبل الإدارة المدنية الإسرائيلية، إنه الفصل الجيوسياسي والديمغرافي العنصري الذي يمهد تكريس الطابع اليهودي «لدولة إسرائيل» وتكريس احتلال الضفة الغربية من جديد. لقد قتل شارون المبادرة العربية للسلام في اليوم الأول لولادتها. باكستان ودول آسيا وجنوبها وشرقها ووسطها فتحت أجواءها وأراضيها للقوات الأمريكية والبريطانية كقواعد انطلاق لمحاربة «الإرهاب»، مقابل مساعدات اقتصادية ومالية عينية كمكافأة، والقوقاز بعد آسيا الوسطى 150 خبير أمريكي لتدريب قوات خاصة جورجية لمكافحة الإرهاب على حدودها المشتركة مع الشيشان، ودول جنوب شرق آسيا: الفلبين، إندونيسيا، ماليزيا،، فيتنام: إنها دول تشكل منطقة ضخمة للاستثمارات وعدد سكانها 525 مليون نسمة ويبلغ ناتجها القومي 700 مليار دولار والاستثمارات الأمريكية فيها تحتل المركز الثاني بعد اليابان وتمر نصف تجارة العالم فيها، وفي دراسة أعدها معهد راند «للدراسات الاستراتيجية المرتبط بالبنتاغون» حول الخطر الصيني المتنامي باتجاه السيطرة على هذه المنطقة الحيوية من العالم بعد عقد من الزمن، فإن الوجود الأمريكي السياسي والعسكري فيها ضرورة استراتيجية لحماية المصالح الأمريكية، وجسد هذا الوجود عملياً بعد 11 سبتمبر: الفلبين: 1000 جندي أمريكي إلى جانب الجيش الفلبيني لمحاربة مجموعة أبو سياف! اندونيسيا: تعاون أمني أمريكي وثيق مع الاستخبارات وأجهزة الأمن الاندونيسية لمكافحة «إرهاب الجماعات الأصولية الإسلامية!. أما في كولومبيا فإن إدارة الرئيس بيل كلينتون أقرت مساعدة طارئة بقيمة 3 ،1 مليار دولار ضمن ما سمي «بخطة كولومبيا» في إطار الحرب على المخدرات! لكن بعد 11 سبتمبر أعلن الهدف: فدعمت الإدارة الأمريكية الجيش الكولومبي ضد متمردي القوات المسلحة الثورية الكولومبية «فاركا» «الإرهابية»، كما تقرر زيادة عدد القوات الأمريكية لاحقاً بعد مصادقة الكونغرس على هذه الزيادة ومهمة هذه القوات ستكون: حماية المنشآت النفطية وأنابيبها الأمريكية بطول 900 كلم التي تنقل النفط من شمال شرق كولومبيا إلى مرفأ كوفيناس الكاريبي.. والرهان على فنزويلا كما كولومبيا رهان نفطي مستقبلي يزود الولاياتالمتحدة بحاجتها منه!.. واليمن.. القريبة من الخليج العربي ومن العراق، بدأت أمريكا مهمة تدريب وحدات يمنية خاصة بمكافحة الإرهاب! وبحسب قول وزير الدفاع الأمريكي رامسفيلد: «إنه الإعداد لوحدات يمنية خاصة لحماية الشاطئ الذي يمتد 2400 كلم بعد حادثة الاعتداء على المدمرة يو أس أس كول في أكتوبر «تشرين الأول 2000»، ولهذا الغرض سيوجد 150 ضابط وجندي أمريكي في اليمن لهذه المهمة. أوروبا بتباين مواقفها المعلنة وغير المعلنة حول أهداف حرب الولاياتالمتحدة الأمريكية إلا أنها داخل الحلف الأمريكي، بلير كان قد وضع العنوان وهو الدفاع عن العالم الحر وعن الديمقراطية التي تتعرض لهجوم ارهابي يهدف إلى تدمير قيمها!.. وسوقت إلينا أجهزة الإعلام الأمريكية والأوروبية نحن في المنطقة العربية نجد أن أفغانستان هي المحطة الأولى في هذه الحرب والبلدوزر ليس الأمريكي فقط بل معه أوروبا وروسيا وباقي دول التحالف ستواصل سيرها لمحطات أخرى تحت عناوين الإرهاب، دول تمول الإرهاب، دول تحمي منظمات إرهابية! للتذكير أمريكا وإسرائيل ترفضان حتى اليوم انعقاد مؤتمر دولي لتعريف مفهوم الإرهاب - والمقاومة المشروعة للشعوب التي تقع تحت الاحتلال، اليابان كما هو معروف ومنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وكما ألمانيا محظور عليها بناء مؤسسات عسكرية هجومية وألا تمتلك أسلحة هجومية وحددت لها أنواع الأسلحة وعدد قواتها العسكرية، إلا أنها حركت سفينتين عسكريتين باتجاه المحيط الهندي يوم 24/11/2001م كدعم لوجستي للوحدات الأمريكية والبريطانية في أفغانستان. والخطاب الأمريكي الرسمي حول القضية الفلسطينية خطاب وعود وليس ضمانات خطاب يوضح أن هناك قرارات دولية 242 -338 وأن هناك عنفاً فلسطينياً قائماً على الأرض في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه، وعليكم «الخطاب الأمريكي» أن تعتمدوا على المفاوضات المباشرة. انه الارضاء الأمريكي لإسرائيل الحليف الاستراتيجي ولنفوذ ماكينته الإعلامية في دول العالم الحر! وجاء سيناريو المؤتمر الاقليمي الذي طرحه شارون فاستبعدت منه سوريا ولبنان! وتوسع السيناريو ليصبح مؤتمراً دولياً بمشاركة روسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة بحضور جميع أطراف الصراع بينما شارون لا يزال يواصل سياسة القتل والتصفيات الجسدية وسياسة الإبعاد القسري، مجسداً على الأرض الفصل العنصري الجيوسياسي والديمغرافي. وتم طرح موضوع الاصلاحات داخل أجهزة السلطة الإدارية والأمنية، وراعيا هذه الدعوة أمريكا وإسرائيل اللتان تؤكدان على اصلاحات خاضعة لمقاييس تختصر كل القوى الوطنية والحركات الإسلامية في خانة الانهاء، انهاء العمل السياسي والعسكري والخضوع لبرنامج السلطة الفلسطينية السياسي وقوانينها! هكذا كانت البداية، لكن.. موقف المملكة ومعارضتها ضرب العراق وادانتها المستمرة لحرب شارون الدموية على الشعب الفلسطيني، وتحركها الدبلوماسي الدؤوب باتجاه إيجاد تسوية سياسية عادلة لقضية الصراع العربي الإسرائيلي فكانت مبادرة ولي العهد الأمير عبدالله التي ترتكز أساساً على المبادئ والتي قام عليها مؤتمر مدريد للسلام. وعلى الضفة الأمريكية الأخرى جاء تقرير الباحث الفرنسي في معهد راند كوربوريشين الأمريكي لينسف جهود المملكة مهدداً تارة بتقسيمها وتارة بتغييبها كحليف بديل.. إنها سياسة الابتزاز والتهديد لجعل المملكة تخضع وتغير مواقفها لجهة ضرب العراق قتؤيدها، وتجاه القضية الفلسطينية فتقبل بالرؤية الأمريكية / الصهيونية لحلها. في مقولة لبن غوريون: «العربي الطيب هو العربي الميت». ويضيف «سواء وجد داخل دولة أو داخل مؤسسة أو منظمة فهو ميت». هذه المقولة ببساطة تنبع من مؤامرة النفط الأمريكي والأمن الصهيوني، فالهيمنة على كل مقدرات المنطقة العربية هدف بحد ذاته. لقد قسم بوش العالم إلى قسمين: قسم حضاري يشتمل على دول التحالف، وقسم غير حضاري يشتمل على كل الدول غير الحليفة التي باتت تشكل الأهداف المعلنة لهذه الحرب. في عودة للتاريخ: وعلى مبدأ الرئيس جيمس مونرو - الرئيس الخامس للولايات المتحدة الأمريكية الذي منع أي تدخل أوروبي في أمريكا اللاتينية التي يعتبرها الحديقة الخلفية للبيت الأبيض. تميزت الإدارات الأمريكية السابقة والحالية بافتعال الأحداث والأزمات المبنية باتجاه السيطرة والهيمنة على العالم. لقد غزت الولاياتالمتحدة الأمريكية 32 بلداً في أمريكا اللاتينية منذ العام 1895 وحتى العام 1930م وعادت لتجعلها مسرحا «استخبارياً ل«C.I.A» عبر تدريب وتنظيم أفراد من تلك الدول ليقودوا انقلابات عسكرية فيها. وكانت الحرب الكورية وقصف هيروشيما وناكازاكي بالقنبلة الذرية في الأربعينيات واجتاحت فيتنام في الستينيات، وغزت غرينادا وبنما في الثمانينيات، وحرب الخليج في التسعينيات، وفي الألفية الثالثة تخوض حربها على «الإرهاب». وتميز عهدا ريغان وكلينتون بفرط الحكومات العسكرية لصالح حكومات مدنية في دول أمريكا اللاتينية التي صاغت نظماً اقتصادية أكثر استقلالية وشهدت أسواقها نمواً مطرداً مكنها من أن تكون الشريك التجاري رقم 2 لأمريكا وفي المرتبة رقم 2 في تزويدها بالنفط. لكن هل سيتمكن بوش الابن من تطبيق مبدأ مونرو في الشرق الأوسط؟ اعتماداً وانطلاقاً من السياسة العالمية الجديدة «منظمة التجارة العالمية» سيكون الاندفاع الأمريكي باتجاه تحضير الخارطة السياسية الشرق أوسطية لتتلاءم وتستقر باتجاه تقبل العهد الجديد، النيوليبرالي. الاتحاد الأوروبي بدوره همّش كالعادة كما جرى في أمريكا اللاتينية وحرم من أداء أي دور سياسي فاعل في إدارة الصراع العربي الإسرائيلي، علماً بأن الولاياتالمتحدة الأمريكية ساهمت مع فرنسا وبريطانيا «معاهدة سايكس - بيكو» في تقسيمات جغرافية سياسية عربية، وساهمت قبل ذلك في اطلاق وعد بلفور الشهير في العام 1917م حول إنشاء الدولة العبرية، وعليه فإن عودة لسايكس - بيكو جديدة قد تكون.. الأراضي العربية المحتلة الجولان ومزارع شبعا والضفة الغربية وقطاع غزة، المستوطنات والقدس واللاجئين والحدود قضايا شائكة عربية فلسطينية/ إسرائيلية وترغب بل تصر الولاياتالمتحدة الأمريكية على ايجاد حلول لها، حلول تضمن لإسرائيل السيطرة الاقتصادية وأن تكون في الحدود الآمنة عسكرياً إلى جانب دولة فلسطينية يؤمّن لها ما أمكن من سبل البقاء والاستمرار مع الالتزام بحل عدد من المعضلات الرئيسية كاللاجئين والقدس. أما الجولان ومزارع شبعا لا عوائق من عودتهما لسوريا ولبنان. إذاً نحن أمام العقبة الرئيسية وكما تراها العين الأمريكية، إسرائيل، إدارة كلينتون جعلت من القدس عاصمتين إسرائيلية/ فلسطينية «مع التحفظ على نسبة المناطق العربية التابعة لعاصمة الدولة الفلسطينية»، وجعلت من قضية اللاجئين قضية إنسانية ينبغي حلها؟ «مع التحفظ على اخراجها من عائدين إلى لاجئين». إسرائيل الصهيونية المنهج والعقيدة، إسرائيل الاستعمارية هي الاحتلال وهي المستوطنات وقد تكون أحداث 11 سبتمبر قد سرّعت بالتصعيد العسكري «الاسرائيلي» لكنه يؤسس لمستقبل سياسي واقتصادي فلسطيني قادم بالمفهوم والثوابت الوطنية الفلسطينية. لقد وضعنا أمام الاختبار والاختيار: سياسة التفرد الفلسطينية أثبتت فشلها كقمة هرمية ومطبخ مصغر اتجهت نحو حلول مرحلية طويلة الأمد مع إسرائيل وانقاص للحقوق الفلسطينية ما أمكن، وجددت القراءات للقرارات الأممية 242 - 338 - 194 أي القبول بالتفسير الإسرائيلي لهذه القرارات، فمن الأراضي المحتلة إلى أراض متنازع عليها، ومن الصراع إلى النزاع العربي الإسرائيلي ومن حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى حل عادل للاجئين، وانتشر الفساد وزادت المحسوبيات في مرحلة أوسلو وأخواتها متجاوزة واجباتها تجاه شعبها سياسياً واقتصادياً الأمر الذي أدى إلى هدر الأموال وأصبح الهم الأول لزباينة السلطة كيف يجمعونها. وشكلت أوسلو طريق الخروج عن مبادئ مؤتمر مدريد للسلام، وجزأت المسارات وتوقف المساران السوري واللبناني بغية تحقيق اتفاقية فلسطينية/ إسرائيلية بشروط أمريكية، لكن شارون وهو لم يفاجئ أحداً بالمناسبة، أعلن في يوم 9/9/2002م عن إلغاء اتفاقية أوسلو. وجاءت النتيجة كالتالي: إسرائيل أعادت الأمور إلى صفرها من خلال إعادة احتلال الضفة الغربية بعد تدميرها وارتكابها للمجازر في مخيم جنين البطل وحي القصبة في نابلس. لقد جاء فك الحصار عن عرفات وعن كنيسة المهد كفرصة أخيرة للسلطة لتفعل على الأرض بما التزمت به في اتفاقيات أوسلو الميتة أصلاً إسرائيلياً، فجاء تكريس سياسة الإبعاد «ل13 مقاوماً حوصروا في كنيسة المهد» فلسطينياً لتشكل ضربة قاصمة للنضال الوطني الفلسطيني، كما جاء اعتبار حركات حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية منظمات إرهابية من قبل السلطة لتشكل ضربة أخرى، آخذين بالاعتبار أن كل المقاومة الفلسطينية والعربية تعتبر أمريكياً وإسرائيلياً «إرهاباً». غزة كما اتفق عليها شارون وبيريس وبوش والاتحاد الأوروبي ستكون نواة الدولة أو شبه دولة حكم ذاتي - إداري تثبت فيها السلطة قدرتها على قيادة الأمور الميدانية وتعزيز الأمن الإسرائيلي من خلال مكافحة «الإرهاب الفلسطيني» ومن ثم تعاد إليها الضفة الغربية مدينة مدينة ومنطقة منطقة، أي كلما اثبتت جدارتها تكافأ بضم مدينة أو منطقة لحدود سلطتها الجغرافية المقطّعة أصلاً بالمستوطنات الصهيونية، وبالتالي تكون مقاليد القوة والحكم في يد من تفردوا بالقرار الفلسطيني وأنجزوا اتفاقيات ظالمة مع العدو الصهيوني مرة أخرى وبأسماء جديدة. ويترافق ذلك مع معونات أمريكية فورية ب«200» مليون دولار لإعادة بناء وتأهيل الأجهزة الأمنية التي دمرت وشتت في اطار توحيد هذه الأجهزة واستبعاد أسماء واستقدام أسماء أخرى كبدائل متوافق عليها أمريكياً وإسرائيليا، إننا بصدد هزة فلسطينية تفصل مركز القرار عن الشعب وقواه الوطنية المؤسسة للنضال الوطني الفلسطيني ضمن ائتلاف منظمة التحرير الفلسطينية التي جعلت النضال الفلسطيني نضالاً مشروعاً ضد الاحتلال الصهيوني. وسلفاً ستكون هذه المرحلة محكومة بالفشل هذا إذا ظهرت للحياة أو استمرت، وبعدها ستكون انتفاضة فلسطينية ثالثة ورابعة وخامسة. وعلى وقع قرقعة السلاح الإسرائيلي يتم التحضير لمؤتمر دولي أمريكي! بمشاركة شكلية لليابان وروسيا والصين إلى جانب الاتحاد الأوروبي المستبعدين أصلاً من لعب أي دور فاعل ومؤثر في قضية الصراع العربي - الإسرائيلي. المؤتمر الدولي مطلب إسرائيل ينقلب فيه على كافة الحلول السلمية التي طرحت سابقاً ويؤسس لاتفاقية قادمة بشروط إسرائيلية. لقد تعودنا سماع أقوال أمريكية غير قابلة للتحقيق أو التنفيذ، ووعود بلا ضمانات، والمبادرة السلمية ل«22» دولة عربية حاولت شق طريقها بصعوبة بالغة للغاية باتجاه اقناع أمريكا بالضغط على إسرائيل للقبول بها «زيارة ولي العهد السعودي الأمير عبدالله صبت في ذات الاتجاه» وإعادة الأراضي التي احتلتها إسرائيل في الرابع من حزيران/ يونيو عام 1967 للعرب مقابل سلام شامل. وعلينا ان نختار بين الرضوخ لما تريد أمريكا وإسرائيل أن تفرضه علينا وبين أن نعزز وحدتنا الميدانية في اطار منظمة التحرير الفلسطينية ومشاركتها في السلطة السياسية على مبدأ التمثيل النسبي، لتحويل هذا الضغط بمفعول عكسي معتمدين على الحالة الشعبية العربية والعالمية المتنامية دعماً وتأييداً لحقوقنا العربية التي تدين الاحتلال الإسرائيلي لأراضينا العربية وتشخصه كونه المشكلة التي تقف عقبة في وجه تحقيق السلام العادل والشامل الذي يؤسس لاستقرار وازدهار دول المنطقة جمعاء بما فيها «إسرائيل» ودولة فلسطينية ذات السيادة عاصمتها القدس، وإيجاد حل عادل للاجئين الفلسطينيين على أرضية القرار 194. ولطالما نحن الفلسطينيين والعرب ننتظر «في الساحة الخلفية لحديقة البيت الأبيض» خروج الرئيس بوش ليبشرنا بقدوم المولود أي مؤتمر السلام بعد أن توافد عليه الصهاينة شارون ، بيريس، نتياهو، باراك، ليبرمان، كلاينر، آلون، الحاخام عوفاديا يوسف، اليعازر، موفاز، أعتقد أنه سيبشرنا كما بشرنا سابقاً بوعيد حرب على دولنا وشعوبنا إلا إذا استسلمنا للرغبات الإسرائيلية والمصالح الأمريكية، لكننا سنقاوم. إن الحملة على المملكة جاءت أيضاً بعد رسالة الأمير عبدالله للرئيس بوش أواخر آب/ أغسطس 2001م التي حملت في طيها ملاحظات للمملكة على السياسة الأمريكية الداعمة للكيان الصهيوني والمعادية بشراسة للشعب الفلسطيني وانتفاضته ومقاومته المشروعة ضد الاحتلال الإسرائيلي، كما حذرت من عواقب وخيمة نتيجة لهذه السياسة المنحازة: بأن لا المملكة ولا العرب ولا المسلمين يستطيعون الوقوف موقف المتفرج على ما يدور ويجري من قمع دموي في فلسطين. كما أن الأمير: كان يفكر في وضع العرب والمسلمين أمام مسؤولياتهم التاريخية، فالظروف التي أدت إلى تبني السلام خياراً إستراتيجياً لم تعد قائمة، ولا بد من موقف جديد يتلاءم مع الأوضاع الجديدة. «أمريكا والسعودية حملة إعلامية أم مواجهة سياسية - مقالة غازي القصيبي». ومن البدهي وصول هذه الأفكار للإدارة الأمريكية عبر أعوانها في المملكة مما ساهم في دفع عجلة الحملة المحمومة على المملكة للأمام، وتجلت مظاهر الحملة في الإعلام الأمريكي: توماس فريدمان الصهيوني الأمريكي يقول: انه كان على السعوديين بمجرد حدوث الانفجارات أن يخرجوا عن صمتهم ويقولون للأمريكيين: يا إلهي كيف يمكن أن يتورط 15 من أبنائنا، نحن في غاية الأسف وننوي أن ننظر في ذواتنا، وفي تاريخنا، وفي عائلاتنا لمعرفة لماذا حدث ذلك - القدس العربي 18/12/2001م. صحيفة وول ستريت جورنال «10/10/2001م أوردت في افتتاحيتها: تتميز الايديولوجية الرسمية للمملكة الوهابية في التاريخ الإسلامي الحديث بكونها المدرسة الفقهية الوحيدة التي تجيز استخدام العنف ضد المسلمين الذين لا يؤمنون بالأصولية، بالإضافة إلى استخدامه ضد غير المسلمين من الأطفال والمدنيين والعزل إنه إعلان حرب يغذيه الفكر الاستعماري الصهيوني / الأمريكي. صحيفة «نيويورك تايمز» فتحت النار على المناهج التعليمية في المملكة فقالت: «الكتاب المقرر لطلاب السنة العاشرة في واحدة من المواد الدينية الخمس التي تدرس في المدارس الحكومية يقول: يتعين على المسلمين أن يوالوا بعضهم البعض، وأن يعتبروا الكفار أعداءهم، إلى آخر المقالة، ونفس الصحيفة شنت حملة تحت عنوان «السعودية والإرهاب» فقالت «إن المال السعودي والتعاليم الدينية والدبلوماسيين السعوديين، كل هذه العوامل ساعدت طالبان على أن تسيطر على أفغانستان». «القصيبي المصدر السابق». في الحملة على السعودية نقرأ التالي: إن المفردات الواردة في الخطابين السياسي والإعلامي للإدارة الأمريكية والإعلام المرئي والمقروء تجعل من نظرية صموئيل هنتنغتون «صدام الحضارات» واقعاً فعلياً يمارس على الأرض وتعتمده أمريكا كبرنامج حرب تخوضها اليوم في دول عدة وستخوضها غداً ضد دول أخرى وتحت الشعار ذاته «الحرب على الإرهاب» - و«الحرب على الإسلام» الذي حمله برنامج عمل أفرايم هاليفي رئيس الموساد الصهيوني لمجلس حلف شمال الأطلسي وقال منه: «إن الحرب العالمية الثالثة قد بدأت فعلاً في 11 سبتمبر وحتى هذه اللحظة بين الدول الغربية الديمقراطية الليبرالية وبين العناصر الأكثر راديكالية في الإسلام، ومع ذلك لم تتم هزيمة هذه العناصر بسرعة وحسم، سيكون هناك خطر انتشار الصراع وامتداده إلى دوائر أكثر اتساعاً داخل العالم الإسلامي». إن البعد الثقافي - الديني للحملة الأمريكية على السعودية يكمل العوامل الأخرى الجيوستراتيجية والاقتصادية كما السياسية وبالتحديد البترول والبترو دولار. وحسب هنتغتون أيضاً: «الحدود الدامية للإسلام تتطابق مع الحدود الدامية للبترول». لكن هذه الحملة وكما أشرنا سابقاً لن تتوقف عند حدود المملكة بل ستتعداها إلى حدود كل القوة العربية الرياض ودمشق وبغداد والقاهرة بغض النظر عن مواقف هذه الدول الإيجابية أو السلبية من السياسة الأمريكية. والخيارات التي نملكها اثنان: إما المقاومة وإما أن نبقى محشورين في عنق الزجاجة، زجاجة الابتزاز الأمريكي. ومن واقع عالمنا العربي المتفكك سياسياً واقتصادياً، نعود ونؤكد: أن ما نحتاجه في هذه المرحلة وضمن الخارطة السياسية الجديدة قوة عربية متوحدة الرؤية سياسياً معتمدة على مصادر القوة الاقتصادية العربية والقرارات الدولية 242 -338 -194 وعلى مبادرة السلام العربية التي تبنتها قمة بيروت العربية، تنتج فعلاً ضاغطاً باتجاه العالم الحر: أمريكا، أوروبا، روسيا، الصين، والأمم المتحدة، لتحويل الوعود حول الدولة الفلسطينية والصراع العربي - الإسرائيلي إلى ضمانات على الأرض تقضي بانسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في حدود الرابع من حزيران 1967 ومبادلة الأرض مقابل السلام. كما أن استمرار الانتفاضة ووحدة الصف الوطني الفلسطيني بقواه الوطنية والإسلامية حول برنامج سياسي موحد للجميع مقاوم للاحتلال، وصمود العراق بوجه التهديدات وحالة اليقظة الشعبية العربية وامتلاكنا كقوة عربية، استراتيجية جديدة مواجهة للتعامل مع ذهنية الاستعمار الأمريكي الصهيوني الجديد، قوامها رفض الاستسلام لهذه السياسة والإرادة الأمريكية الصهيونية، يعطينا كل ذلك القدرة على بناء مجتمع عربي موحد مزدهر قاوم فاسترجع حقوقه، قاوم الحملات والحرب، لم يستسلم، قاوم فانتصر.