في هذه الصحراء أصغى الرمل الى وقع أقدام فارس عربي لوحت الشمس جبهته بالكبرياء وملأ الاصرار عزيمته بالتضحية وبرق في عيونه ضوء البطولة وبدأت الملحمة ملحمة المعجزة التي تحققت فوق الرمال، أضاء فجرها الاخضر ليوقظ أعياد الوطن وليجمع الشتات المتناثر وليسكب على كل الوجوه الزهو والشموخ وليغرس القلاع على جسد الوطن المشرق بالعلم والمعرفة والحضارة. حضارة الانسان، حضارة الارض حضارة الانجاز والعمل، ولتتحول الارض القفر الى مروج خضراء ويتحول الصمت المطبق الى حركة الفعل والنماء، ويتحول الليل والعتمة الى وهج واشراق ونور.. استطاع فارس الجزيرة العربية الموحدة عبدالعزيز رعاية الدوحة الوارفة الظلال لتشمل أرض العروبة والاسلام وليصنع لنا هذا الوطن الذي نحبه فالوطن وردتنا البيضاء ودفق المشاعر التي تركض تحت جلودنا لتزهر بالقمح والعطر والأقمار والاحجار الكريمة والعصافير الربيعية، للوطن جاذبية أخرى للأرض كجاذبية الشدو الى حناجر السنابل وجاذبية الارض الى غيمة حبلى بالمطر وجاذبية الفلاح الى همس السواقي، الوطن دبيب الحياة في أجسادنا ورعشة الماء في عيوننا ورقصة الريح في صحرائنا وهديل القطاة في غاباتنا، الوطن زلزالنا الدافىء الذي يقذف بنا على أكتاف النجوم ويجرفنا الى موانىء الغيوم ويعلقنا على صدر سحابة تخضل بالعطاء والأمل والأخضرار. اننا نتنفس الوطن كالفجر حين يتنفس في أحضان حديقة سطعت الشمس فوق أهدابها وضحك العشب فوق جدرانها انه الطائر الذي حط على قلوبنا وغنى. انه النهر الذي يروي ظمأ البيادر انه الوطن الساكب في أعماقنا وهجا يضيء الأمداء وسنبلة تورق في كل الفصول ونجمة صبح تبرق في كل سماء وابتهال صادق ينطلق من حنجرة المآذن تهتف لرب العزة والجلال بالشكر والطاعة، نحب هذا الوطن ارضا وتاريخا وحضارة، نحب هذا الوطن راية خضراء تعانق سيف الحق نحب هذا الوطن بسهوله وجباله وانسانه، نحب هذا الوطن وهو يأخذ مقعده تحت الشمس فهو اشراقة نطل من خلالها على ملحمة صنعتها السواعد المؤمنة والقلوب النقية المرفوعة كأعناق النخيل ورماح الأباة والفاتحين. أتذكر عبدالعزيز رغم انه لم يغادر الذاكرة الوطنية أتذكره كلما لمع سيف في بيداء وأضاء قنديل في عتمة عندما أورق الفرح في عسير وهتفت له أمواج الشواطىء في الساحل الشرقي وكبر المعتمرون في الحجاز وتحولت امة الشتات والخوف الى وحدة الايمان والأمان وبدأت رمال الفيافي الموحشة تعزف أغنيات المجد وتشهد اخضرار الايام وتحولات الزمن الجاف الى ربيع الحياة المزهر وبكاء الريح في الديار والاطلال الى ابتسامة الشفاء على كل الثغور ثغور الحقول والناس والمستقبل. الوطن يذكرنا بذلك الالتحام المبهر مع آفاق الحضارة حتى أطراف أصابعنا بعيداً عن الانهيارات التي انزلقت فيها تجمعات اخرى فحولتها الى عشب يابس على جدران الحضارة وهذا ما لم نقع فيه والحمد لله. لقد سعينا الى ارساء قواعد متينة ذات منطلقات منهجية تركز الثوابت داخل البناء النسيجي للإنسان السعودي مع المواكبة التلقائية والاستجابة لمسيرة التنمية التي تحققت بصورة اعجازية في بلادنا دون الاخلال او التفريط بقيمة من قيمنا العليا وثوابتنا السامية بل سعت التنمية الى اغناء الشخصية السعودية عن طريق الوعي المتزايد بقدرتها على مواكبة التطور الانساني فانطلقنا كأسراب الحمام الابيض نحمل الحب في قلوبنا والايمان في صدورنا نغني للارض الطاهرة اعذب الاناشيد ونحكي لأطفالنا قصة وطن صنع مجده في عمر قياسي من اعمار الشعوب ولكنه الايمان الذي يغسل ترابه منذ فجر الكون. الكون الذي لا يزال يشهد هذه المعجرة منذ عبدالعزيز الموحد الى قائد الأمة ورائد الشعب فهد بن عبدالعزيز حفظه الله أهنئك أيها الوطن.. أهنئك وأنت تمسح دمعة طفل جرحت اديم الارض وتأسو ألم أب دفن مهجته تحت التراب تنثر نوافير الخير والعطاء على كل شبر في هذا الكون وتطلق أصوات المآذن ترطب جفاف الحياة وتطفىء الحرائق في ثياب المطحونين والرازحين تحت أقدام الطامعين وتشرق نوافذك على كل الساحات المنطفئة بفعل الحقد والكره والضغينة فتحولها الى مظلات للمحبة وشرفات للمودة والألفة والرحمة. أهنئك أيها الوطن وأنا ألمحك نبضا في الاوردة وحلما في البال ومعنى في القصيدة وظلا في الهجير وغديراً في الظمأ وفرحاً في البكاء وهدوءاً في الصخب وجمالا في القبح وأمانا في الرعب. نعيم يا وطني أهنئك يا وطني.. وصدق أحكم الحاكمين {إنَّ اللّهّ يٍدّافٌعٍ عّنٌ الّذٌينّ آمّنٍوا} [الحج: 38]