هواجس تدور في الفكر.. وخواطر ترهق العقل.. وهموم كالجبال الراسيات فوق قلب تملكته الأفكار واعتصرته الآلام.. أبداً عقولنا لا تفتأ تفكر في كل شيء.. وهي لا تقدر على شيء.. نفكر في ماضينا ونضيق ذرعاً بحاضرنا ونخاف من قادمنا.. هذه هي حياتنا.. نحمل هماً لكل شيء.. نفكر في كل لحظة: ماذا سيحدث غداً؟ أصبحت أيامنا سلسلة من الأفكار القلقة افتقدنا الاحساس بالأمان الذي بات في هذا الزمان نادراً.. وفي غمرة انشغالنا بأنفسنا والتفكير فيما جرى ويجري وما سوف يجري ننسى اننا لا نملك لأنفسنا نفعاً ولا ضراً.. وان هناك قلماً جرى بالأقدار وكتب كل صغيرة وكبيرة مقدورة على الخلائق.. نسينا ان الصحف جفت!.. وان ليس لنا إلا ما كتب علينا.. نسينا اننا ضعفاء واننا عاجزون أمام مقدرة الله سبحانه.. ليتنا ندرك هذه الحقيقة التي نعرفها ولكننا ننساها أو نتناساها.. ما أعمق الشعور بالإيمان الذي يرسخ هذه الحقيقة في قلوبنا المتعبة من هموم الدنيا.. أي راحة نُحسها عندما نفكر بأن الله هو مالك كل شيء وهو المتصرف بشؤون العباد.. العالم بما ينفعهم وما يضرهم، ولا عجب في ذلك فهو خالقهم.. فأنى يظلمهم أو يحملهم ما لا يطيقون؟. ان قلباً عرف ان الله ربه وخالقه ورازقه لجدير بصاحبه ان ينام مطمئناً.. مادام انه متعلق به سبحانه يرجو ثوابه ويخشى عقابه ويعمل ليوم لقائه.. يضع الدنيا وراءه والآخرة أمامه.. ويعطي نفسه الفرصة ليتمتع بنضارة الحياة قبل ان تريه وجهها الكالح.. فالأيام دول، يوم لك ويوم عليك.. فحرِّي بنا ان لا نضيع فرصتنا وان لا نهدر أوقاتنا بالتحسر على ماضينا ونندب حاضرنا فكما في الدنيا الألم هناك الأمل.. وما أجمله حينما يكون نابعاً من الإيمان بالله وحسن الظن به سبحانه. سلوى الذكريات تجترك الذكريات كثيراً.. سعيدة كانت أم حزينة.. لأنه دائماً في الذكرى شيء من السلوى.. ففيها من السعادة الشيء الكثير.. فكل ماض سعيد في الغالب مقارنة بالواقع الذي تؤلمنا وخزاته ولا نشعر بجمال أزهاره لأننا لا نرى من الدنيا غير قسوتها وأيامها الكالحة السواد. ريح الولد عندما تغوص في أعماق البهجة والفرح أثناء مداعبتك لأطفالك وتأنس بأحاديثهم البريئة ولعبهم الذي يشعل في قلبك جذوة الانس وذكرى الأمس تذكر والديك.. عندما كانا يفعلان بك ما تفعله انت مع أولادك.. تحزن لحزنهم وتأسى عند مرضهم وتفرح لفرحهم وتشقى حتى لا ينقصهم شيء فيغتموا.. فما أجمل ان ترفع يديك عند ذلك وتدعو لوالديك بالرحمة والرضوان أحياء كانوا أم أمواتا.. فالدعاء لهما بالخير مطلوب منك على الدوام. تقول إحدى الأمهات من شغف حبها لولدها: يا حبذا ريح الولد ريح الخزامى في البلد أهكذا كل ولد أم لم يلد قبلي أحد؟! عالم وحمّال رأى الفقيه بكر المزني حمالاً عليه حمله وهو يقول: الحمد لله استغفر لله قال: فانتظرته حتى وضع ما على ظهره وقلت له: أما تحسن غير هذا؟ قال: بلى أحسن خيراً كثيراً واقرأ كتاب الله، غير ان العبد بين نعمة وذنب، فأحمد الله على نعمه السابقة واستغفر لذنوبي، فقلت: الحمّال أفقه من بكر.