الاستغفار كلمة خفيفة على اللسان، لا تكلف مالاً، ولا ثقل في حملها، ولكن نفعها كثير، ومكانها كبير، في ميزان أعمال العبد عند ربه. ولهذه الكلمة منزلة عظيمة، حيث جاء الحث على الاستغفار، وبأن الجزاء والمردود على المستغفر، مع ذلك الحث، في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بل إن الرسول الكريم كان القدوة في كثرة الاستغفار حيث روى الصحابة أنه يعد له في المجلس الواحد أكثر من سبعين مرة، مع انه عليه الصلاة والسلام في مجالسه كلها، يشغل وقته بتعليم اصحابه، والاجابة على اسئلتهم، وتعليم من يدخل الاسلام مجدداً، والدعوة إلى دين الله، وتدبير أمور المسلمين.. إلا أنه لا يتساهل في أمر الاستغفار والإكثار منه، وهو الذي قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.. والاستغفار هو طلب المغفرة من الذنب الذي وقع فيه الانسان، ولا يغفر الذنوب إلا الله، يقول سبحانه «والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم، ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم، ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون» (آل عمران 135). والله سبحانه يحب من عباده الاستغفار، ويثيبهم عليه، وجاء في حديث قدسي ، اذا أكثر العبد الاستغفار يقول جل وعلا لملائكته «علم عبدي أن له رباً يغفر الذنوب، أشهدكم أني قد غفرت له». ولذا يجب على العبد، بعد الاستغفار الحرص على الإقلاع عن الذنب، وعدم الإصرار عليه، بل يتحول عنه وينساه حتى يكون استغفاره بصدق، وصادراً من القلب، بعد إحساسه وشعوره بعظم هذا الذنب الذي اقترفه، وبفداحة المعصية التي اقدم عليها، ليقف بذله أمام خالقه، معترفاً بذنبه، منكسراً بجنابه، بعد أن أقض مضجعه الذنب، ونغصت المعصية عيشه. وما ذلك إلا أن اقتراف الذنب، واي ذنب: صغر أم كبر، فيه سوء ادب مع الله، ومخالفة للفطرة التي فطر الله الناس عليها، ويجب عدم التهاون بالذنب لصغره، أو تبلد الذهن في استمراء المعاصي، لان رسول الله صلى الله عليه وسلم حذر من محقرات الذنوب.. وهي الصغيرة التي قد يحتقرها الانسان.. فهذا يونس عليه السلام، عاقبه الله، بأن ابتلعه الحوت، وذهب به في اليم، عندما ذهب مغاضبا، لان قومه لم يستجيبوا لدعوته: «فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين» (الانبياء 87). فاستجاب الله دعوته واستغفاره، وكشف الله ما به من ضر، وأسلم قومه. قال بعض العلماء : افضل الاستغفار، استغفار نبي الله يونس ذا النون، صاحب النون وهو الحوت وقد وردت مادة «غفر» ومشتقاتها في كتاب الله اكثر من 230 مرة، مما يبرهن على أهمية الاستغفار، ووجوب ملازمته في كل وقت، حيث اكرم الله المستغفرين، بأن الله لا يعذب امة محمد صلى الله عليه وسلم وهو فيهم ولا امته وهم يستغفرون يقول سبحانه :«وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم، وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون» (الأنفال 33). والله سبحانه وتعالى من اسمائه الحسنى: الغفور الرحيم، فهو غافر الذنب، وهو الذي يقبل التوبة من عباده، ويعفو عن السيئات، وقد كتب على نفسه الرحمة.. فما تقرب إليه عبده شبراً الا تقرب منه ذراعاً، فهو قريب من عباده مجيب لدعائهم، ولكن يجب ألا يسوف العبد، ويسيء الفهم، في الاستفادة من هذه المنحة الربانية الكريمة، وسعة حلم الله علينا، بما يقوله البعض: ما دمنا مؤمنين، فسنعمل كذا وكذا، فإن الله غفور رحيم. إن مثل هذا القول يدل على الإصرار على الذنب، ثم ماذا يدري هذا القائل، هل العمر فيه فسحة تتيح له تحقيق التوبة، والاستغفار من ذنبه، أم يعاجله الاجل وهو متلبس بخطاياه، غارق في ملذاته، لاه عن مولاه الذي لا يغفر الذنوب سواه، والذي يبسط يده بالليل لمسيء النهار، وبالنهار لمسيء الليل، وهذا من رحمته لعباده. إن مثل هذا القول يعتبر من موت القلوب، والاصرار بعلم، وسابق معرفة.. فالله سبحانه يغفر للذين يعملون السوء بجهالة، ويغفر للذين لم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون، ولذا يجب على كل فرد أن يبادر بالتوبة والاستغفار، كلما ألم بخطئه، وأن يتقي الله في السر والعلن، فلا ذنب مع الاستغفار، ولا توبة مع الإصرار يقول سبحانه «إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة، ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم، وكان الله عليماً حكيماً، وليست التوبة للذين يعملون السيئات، حتى إذا حضراحدهم الموت قال: إني تبت الآن، ولا الذين يموتون وهم كفار، فأولئك اعتدنا لهم عذاباً أليماً» (النساء 1718). والاستغفار نوع من الدعاء، ومناجاة الله سبحانه، يتوسل به العبد إلى خالقه ليغفر ذنبه، ويقيل عثرته، حتى ما بينه وبين خالقه سبحانه، بالقول والفعل، والعزم على عدم العودة والندم، على ما فات. والدعاء مخ العبادة، أو هو العبادة، كما ورد بذلك الأمر وحسن التوجيه، من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والاستغفار يجب أن يكون مصاحباً للمسلم في كل وقت، وأفضله واقربه من الله ما كان في السحر، وما كان اثناء الصلاة وخاصة في السجود.. وهو من واجبات الصلاة في الجلسة بين السجدتين، و من السنة المؤكدة بعد السلام من الصلاة ثلاث مرات، قبل الذكر. وقد ذكر العلماء فوائد كثيرة تعود على الإنسان في عاجل امره وآجله من الاستغفار.. مؤكدة هذه الفوائد بالنص الكريم من القرآن، ومن السنة المطهرة.. وهي نصوص كثيرة. وقد حدثني أحد المشايخ، بفائدة عاجلة، هي من فهم العلماء لهذه النصوص، قال : في اوائل عهد الملك عبدالعزيز رحمه الله بعدما استقرت الدولة، كان يرسل إلى مصر من يتعالج، وفي عام من الاعوام ارسل الملك على حسابه، احد طلاب العلم لعلاج عينيه في القاهرة، وكان سفير الملك فيها ذلك الوقت الشيخ فوزان السابق رحم الله الجميع. وكان فوزان رجلاً كريماً، شهماً جواداً ، يكرم كل من جاء للسفارة، وخاصة ضيوف الملك عبدالعزيز، ويتبسط معهم، وفي إحدى الجلسات ، تطرق الحديث إلى الاولاد، فسأل الضيف الشيخ عما عنده من الولد، فقال: ان الله أعطاني الجاه والمال، وطول العمر، ولكن لم يقدر الله لي اولاداً، رغم انني تزوجت عدة مرات.. والحمد لله على ذلك. فقال الضيف: يا شيخ فوزان، انت طالب علم ولا يخفى عليك ما قال الله، وما قال رسوله صلى الله عليه وسلم يقول الله سبحانه في سورة نوح، على لسان نبي الله نوح لقومه :«فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً، يرسل السماء عليكم مدرارا، ويمددكم بأموال وبنين، ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً» (نوح 1012) فهذه خمس جزاءات لمن داوم على الاستغفار. ويقول صلى الله عليه وسلم :«من لزم الاستغفار، جعل الله له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب» وهذه ثلاث فوائد من هذا الحديث، تضاف إلى الخمس في الآية الكريمة، ليصبح عندك ثماني فوائد.. فالزم الاستغفار يا شيخ فوزان، وأكثر منه، وأصدق في النية، تجد أمر الله وامر رسوله حقاً. فما كان من الشيخ فوزان رحم الله الجميع إلا ان أخذ بهذه النصيحة، وكان عمره قد قارب التسعين، فرزقه الله ابنه الوحيد محمداً رحمه الله الذي توفي منذ أكثر من عام، ولما بلغ الخبر الملك عبدالعزيز: ابرق اليه يقول: فوزان السابق القاهرة ، بلغنا انه جاءكم ولد، سبحان محيي العظام وهي رميم والاستغفار من صفة الواعين المطبقين من امة محمد صلى الله عليه وسلم، حيث تتحقق لهم نتائج طيبة، ويخصهم الله بخصال حميدة، هي من الله فضل وعليهم نعمة وكرامة. وقد عقد ابن الاثير في كتابه جامع الاصول في أحاديث الرسول» فرعاً من كتاب الدعاء وفصلاً هما : الفصل الثاني: في الاستغفار والتسبيح، وفرعاً خصه بالاستغفار، وذكر في ذلك احاديث ترغب في الاستغفار، وأحاديث تحقق مصالح عاجلة، وآجلة، لمن يلزم الاستغفار، ومن ذلك: حديث ابي بكر الصديق رضي الله عنه الذي رواه الترمذي وابو داود، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«ما أصر من استغفر، ولو عاد في اليوم سبعين مرة» ورواية الترمذي :«ولو فعله في اليوم سبعين مرة». وروى البخاري والترمذي عن ابي هريرة رضي الله عنه في قوله تعالى :«واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات» (محمد: 19) ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم سبعين مرة» ورواية الترمذي «إني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة». وروى البخاري والترمذي والنسائي عن شداد بن أوس رضي الله عنه : ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«ألا ادلك على سيد الاستغفار؟ قال: بلى: قال: «سيد الاستغفار: ان يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وانا على عهدك ووعدك ما استطعت، اعوذ بك من شر ما صنعت، وأبوء لك بنعمتك علي، وأبوء لك بذنبي، فاغفر لي ذنوبي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، من قالها من النهار، مؤمناً بها فمات من يومه قبل أن يمسي، فهو من أهل الجنة». وفي رواية الترمذي في آخر الحديث: «لا يقولها أحدكم حين يمسي، فيأتي عليه قدر قبل أن يصبح، إلا وجبت له الجنة، ولا يقولها حين يصبح، فيأتي عليه قدر قبل أن يمسي، إلا وجبت له الجنة». وقد وضع البخاري هذا الحديث، في الدعوات باب أفضل الاستغفار، والترمذي في باب ما يقوله اذا اصبح، والنسائي في الاستعاذة، باب الاستعاذة من شر ما صنع. وأما حديث بلال بن يسار بن زيد الذي رواه الترمذي وأبو داود، أن زيداً مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :«من قال: أستغفر الله الذي لا إلا إلا هو الحي القيوم، وأتوب اليه، غفر له وإن كان فر من الزحف». أما الحديث الاخير الذي نورده من احاديث فضل الاستغفار، التي اهتم بها المحدثون والعلماء، لما فيها من ترغيب في الاستغفار، وحث عليه، وفتح باب واسع للخطائين المذنبين، لأن الخطأ من سمة البشر، والله يحب من عباده عندما يخطئون، أن يرجعوا إليه ويستغفروه، ويكثروا الدعاء والاستغفار، فهو سبحانه الغفار لجميع الذنوب، كما قال جل وعلا :«وإني لغفار لمن تاب وآمن، وعمل صالحاً ثم اهتدى » (طه 82). ذلك الحديث هو ما جاء عن اسماء بن الحكم الفزاري رحمه الله قال : سمعت علي بن ابي طالب رضي الله عنه يقول :«كنت اذا سمعت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم نفعني الله بما شاء أن ينفعني منه، واذا حدثني رجل استحلفته، فاذا حلف لي صدقته، وإنه حدثني ابو بكر وصدق ابو بكر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :ما من رجل يذنب ذنباً، ثم يقوم فيتطهر فيحسن الطهور ثم يقوم فيصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر له ثم قرأ «والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم، ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم، ومن يغفر الذنوب إلا الله» (آل عمران 135). والاستغفار يأتي بعبارات كثيرة، منها ما هو من مادة غفر، ومنها التوبة والندم والدعاء، وكلها تؤدي المعنى، براحة النفس، واطمئنان القلب، والرابطة الوجدانية مع الله سبحانه وتعالى. وقد خص الله المسلمين في الاستغفار، انهم يناجون ربهم بدون واسطة، بالدعاء والاستغفار، فيجدون في ذلك راحة وهدوءاً، راحة بإزالة الكربات، واجابة الدعوات، وهدوءاً في القلب بالاطمئنان وزوال الهموم التي طرأت على الانسان من جراء اسرافه على نفسه، وهذا بعكس بعض الديانات، التي يجعلون بينهم وبين الله وسائط من المخلوقات يطلبون منها غفران الذنوب وإزالة الهم والغم . وما عملوا ان هذا المخلوق لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً، فكيف يعمله للآخرين، ولذا نشأت المشكلات عندهم، وتضاعفت الرزايا والمؤثرات النفسية والقلق.. فقد جاء في احدى المجلات، توضيح عما يعانيه بعض البشر على وجه الارض، ممن وقعوا في مشكلات نفسية واجتماعية أفسدت عليهم ما هم فيه من رغد العيش، ورفاهية الحياة، لأنهم لا يعرفون الاستغفار، ولا يناجون الله به لغفلتهم.. يقول ذلك الكاتب: دعني آخذك معي ايها القارئ الكريم في جولة قصيرة في الدول الاسكندنافية: «دول شمال غرب اوروبا» وتشمل : السويد والنرويج والدنمارك وبلجيكا وما جاورها، حيث إن شعوب هذه الدول تتنعم من رغد من العيش وبحبوحة منه، وقد سخرت لها المخترعات الحديثة المريحة، اما حرية الجنس، فحدث عنها ولا حرج، فالجنس مباح للجميع، ولكن المحير في هذا السؤال، هو :هل ان شعوب تلك الدول سعداء؟!. ثم وضع الكاتب الاجابة بقوله لانه يتحدث عن خبرة عندما زار تلك البلاد: الجواب هو : كلا.. بل هم تعساء اشد التعاسة، بدليل ان نسبة الانتحار في تلك الدول، قد بلغت ارقاماً متقدمة، من الإحصاءات العالمية، ولو نظرنا إلى مشكلة تلك الشعوب، بالمنظار الاسلامي، لوجدنا أن ما يقلق نفوسهم ويقض مضاجعهم، هو ذلك الضياع الروحي الواسع، حيث إن علاقتهم مع الله مقطوعة وبعد ذلك فهم محرومون من الاستغفار والدعاء وهو علاجهم الوحيد.ا.ه إن المشكلة الكبيرة في العالم اليوم، هي اتساع دائرة الأمراض النفسية، ويعاني منها كثيراً الاطباء النفسانيون انفسهم، واكثرهم في بلاد الغرب من اليهود، وقد وقفوا جميعاً في بلاد الغرب عاجزين عن معالجة كثير من حالات الامراض النفسية والعصبية، التي افرزتها المدنية الحديثة، ولم يجدوا الا نصح المرضى الذهاب لدور العبادة عندهم، حيث تهدأ النفوس نسبياً، وقد جاءت بنتائج لا بأس بها، فما بالك بديننا الاسلامي في سماحته ومخاطبته العقول، وطمأنته القلوب، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا أهمه امر يقول: يا بلال أرحنا بالصلاة»، والصلاة فيها الدعاء والاستغفار ومناجاة الله سبحانه، فاللهم اجعلنا من المستغفرين التائبين، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: توبوا إلى الله، فإني أتوب إليه وأستغفره في اليوم مائة مرة». نجا من الموت حدث التنوخي عن رجل اسمه سارخ قال: خرجت الى موضع في طرف البرية، يقال له: كرخ راذويه، أريد اعمال سقي الفرات، فبلغني أن رجلاً يقطع الطريق وحده وحذَّرت منه. فلما خرجت من القرية، رأيت رجلاً تدل فراسته على شدته ونجدته، وفي يده عصا غليظة فجسرني على الطريق، فترافقنا حتى انتهينا إلى سقاية في البرية، فخرج علينا اللص متحزماً متسلحاً، فصاح بنا.. فطرح رفيقي كارة كانت على ظهره، واخذ عصاه وبادر الى اللص، فلما داخله اللص ليضربه، ضرب بعصاه يد اللص، فعطل اللص الضربة، ثم ضرب العصا فقطعها، ثم ضرب بسيفه رجل الرجل فأقعده، ثم وشحه بالسيف، حتى قتله وحمل عليَّ ليقتلني .. فقلت له ما حاربتك، ولا امتنعت عليك من أخذ ثيابي فلأي شيء تقتلني؟ فقال: استكتف.. فاستكتفت.. فكتَّفني بتكتي وهي ما تربط به السراويل ثم حمل الثياب وانصرف فبقيت متحيراً، مشفياً على التلف، بالعطش والشمس والوحوش، فما زلت أتمطى في التكة حتى قطعتها.. ثم قمت أمشي، إلى ان جنني الليل.. فرأيت في الصحراء.. على بعد ضوء نار خفياً فقدرته في قرية فقصدته، فإذا هو يخرج من قبة في الصحراء، فقربت منها، واطلعت فإذا اللص جالس في القبة، يشرب نبيذاً ومعه امرأة. فلما بصر بي صاح، وتناول سيفه وخرج الي، فما زلت اناشده الله، وأحلف له انني ما علمت انه هو، ولا قصدته عمداً، وانما رأيت النار فقصدتها، فلم يعبأ بقولي، وحلفته المرأة ألا يقتلني بحضرتها، فجذبني إلى نهر جاف، قريب من القبة، وطرحني تحته، وجرد سيفه ليقتلني. فسمع صوت الاسد قريباً منه، فارتعدت يده، وسكت وأخذ يسكتني، فأنست بالسبع وزدت في الصياح، فما شعرت إلا والسبع قد تناوله من على صدري، وهرول به في الصحراء. فقمت واخذت السيف، وجئت الى القبة، فلم تشك المرأة انني هو، فقالت: قتلته؟ فقلت لها: الله عز وجل قتله.. لا أنا.. وقصصت عليها القصة، وسألتها عن شأنها، فقالت: أنا امرأة من اهل القرية الفلانية، أسرني هذا الرجل، وخبأني في هذا الموضع، وهو يتردد علي في كل ليلة. فأرهبتها فدلتني على دفائن له في الصحراء، فأخذتها وحملت المرأة، وبلغت القرية، وسلمتها إلى اهلها. وفزت بمال عظيم اغناني عن مقصدي، وعدت إلى بلدي (الفرج بعد الشدة : 4:248250)