أفريقيا القارة السمراء التي تعتبر المخزون الكامن والهائل للأمة الإسلامية سواء على الصعيد البشري أو حتى الاقتصادي، وهي الظهير القوي للعالم الإسلامي، والاهتمام بها ليس وليد اللحظة، وليس طفرة في عالم اليوم، وليس مرتبطاً بالظروف، بل هو رباط عضوي صقلته الجغرافية وأسسه التاريخ، فالهجرات الإسلامية الأولى نحو بلاد الأحباش كلنا يعرفها، والفتوح الإسلامية لشمال أفريقيا كلنا لا يجهلها، ومنها اتجهت جنوباً تسبر أعماق الصحراء ليصل نور الإسلام إلى خلفها من مجاهل الأدغال الأفريقية، ونحو الغرب كانت الانطلاقة ونقطة الارتكاز نحو الفتح الكبير الذي أوصل نور الإسلام عبر مضيق جبل طارق إلى أوروبا، ومن ثم عبر البحار، ووصل الإسلام إلى أقاصي الجنوب الأفريقي، ولهذا لا نجد بلداً أفريقياً يخلو من أغلبية أو أقلية مسلمة وهذه نعمة كبرى من الله عز وجل. لقد بقي التواصل قائماً بين أجزاء الجسد الواحد من أركان الأمة التي تعتبر أفريقيا جزءاً لا يتجزء منها، وعندما آلت راية احتضان الإسلام للدولة السعودية - أيدها الله - جعلت خدمة الإسلام والمسلمين من أولى اهتماماتها، وحظيت القارة الأفريقية بنصيب كبير من الدعم والرعاية والاهتمام لأبناء المسلمين في تلك القارة، وبطبيعة الحال فإننا نعلم أن الثقافة هي عماد الحياة المعاصرة والقادمة، ولا غنى لأمة - تسعى في سبيل التطور والتقدم - من أن ترتقي بسلالم المجد والثقافة، ولهذا كان الاهتمام الكبير بعقد الندوات والملتقيات والمؤتمرات وليس من غاية لها إلا الرقي بثقافة أمة هي إشعاع الحضارة في عصرنا وغير عصرنا، ألا وهي الثقافة الإسلامية، ويتوج هذه الملتقيات الملتقى الذي حاز على ثقة الجميع، ونال الدعم من أعلى المستويات، ووصلت أصداؤه إلى كل أصقاع المعموورة، وحمل في طياته كل هموم الأمة، إنه ملتقى خادم الحرمين الشريفين الإسلامي الثقافي السادس الذي - ولأول مرة في تاريخه- سيعقد في جنوب أفريقيا في أقصى جنوب القارة الأفريقية، والعنوان العريض له الذي اتخذته وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد- الجهة المنظمة لهذا الملتقى الدولي - هو باختصار: الدعوة الإسلامية في أفريقيا ومؤسساتها «الخصائص - الواقع - التطوير»، أما العناوين الفرعية فهي بحد ذاتها عناوين أساسية للعمل الإسلامي، فهناك خمسة محاور لهذا الملتقى، الأول حول أسس الدعوة الإسلامية العقائدية والعلمية والعملية، والثاني حول الخصائص المؤثرة في الدعوة في أفريقيا من ناحية الخصائص التاريخية «العمق التاريخي»، والخصائص البيئية والبشرية، والخصائص الدينية والثقافية، والثالث حول مستقبل الدعوة الإسلامية في أفريقيا وتطويره من حيث الإداري والتنظيمي للمؤسسات الدعوية، ومن حيث تطوير الوسائل الدعوية والتعليمية، ومن حيث تطوير الطاقات البشرية. والمحور الرابع حول التنسيق والتعاون بين المؤسسات الإسلامية في أفريقيا من حيث أهميته وآثاره، ومجالاته وأهمية التخصص له، والعقبات والحلول واستعراض بعض التجارب الناجحة، والمحور الخامس حول المؤسسات الخيرية الدعوية العاملة في أفريقيا حيث سيتم- إن شاء الله- استعراض عشرة من النماذج المشرقة. وسيرافق مناشط الملتقى ثلاث ندوات الأولى بعنوان: معوقات العمل الدعوي في أفريقيا وحلولها، والثانية بغرض بحث أثر الدعوة في مكافحة الإرهاب، والثالثة مخصصة للإفتاء. إن من سيلقي هذه البحوث وسيقوم على هذه الندوات - بإذن الله - هم علماء أجلاء أفاضل وباحثون كبار متخصصون في مجالاتهم، وكلهم سيحاول - بإذن الله - تقديم ما فيه خير لعموم الأمة، ويهمنا أن نذكر أن الندوات قد خصصت بالفعل لنقاش القضايا المهمة التي تشغل بال الأمة في حاضرها ومستقبلها مثل قضية الإرهاب وقضية الإفتاء وقضية العمل الدعوي، وكلها قضايا حساسة على درجة كبيرة من الأهمية. الملتقى سيعقد - إن شاء الله - ما بين السادس والتاسع من شهر رجب لهذا العام الهجري في مدينة جوهانسبيرغ في جنوب أفريقيا بدعم سخي كريم من خادم الحرمين الشريفين-متعه الله بالصحة والعافية- وبرعاية من صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن فهد،وبإشراف مباشر من لدن معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الشيخ صالح آل الشيخ. إن انتقاء المكان له كبير الأهمية، فجنوب أفريقيا دولة أفريقية متطورة ومتقدمة خرجت لتوها من ربقة الاستعمار والعبودية وهي دولة كبيرة مساحة وسكاناً ولها وزنها وثقلها في القارة الأفريقية ككل، وفي العالم أجمع، ولها تأثيرها على محيطها القريب والبعيد، وبنفس الوقت هي بلد أقلية مسلمة، أقلية أثبتت وجودها وولاءها لوطنها وشعبها وأخلصت وتفانت بخدمة بلدها، وبطبيعة الحال تمتعت بحقوقها المشروعة فكان الخير للجميع. إننا لا ننسى الظروف والواقع الذي تعيشه أمتنا، ولابد لنا من أن يسهم كل منا في موقعه بإبراز أي منشط يقوي العمل الإسلامي لما فيه خير الأمة جمعاء فالهجمة شرسة والأعداء كثر وأقوياء ولكن الله أكبر وأقوى وأعز {وّلٌلَّهٌ العٌزَّةٍ وّلٌرّسٍولٌهٌ وّلٌلًمٍؤًمٌنٌينّ وّلّكٌنَّ المٍنّافٌقٌينّ لا يّعًلّمٍونّ} والله ولي التوفيق.