اكد فضيلة الشيخ عبدالله الغميجان اهمية الوقت في حياة المسلم، مستشهداً بالعديد من الآيات القرآنية والاحاديث النبوية التي توجب على المرء المسلم استغلال وقته في طاعة الله، وصلاح امره في دنياه وأخراه. ونبه فضيلته الى اهمية استثمار المرء المسلم بما يعود عليه وعلى المجتمع المسلم الذي يعيش فيه بالنفع والفائدة، ذاكراً بعض الامور والاعمال التي يمكن ان يستفيد منها المرء المسلم في اوقات فراغه. جاء ذلك في مستهل الحديث العابر الذي اجرته «الجزيرة» مع فضيلته وتركز في مجمله على الوقت وواجب الاستفادة منه في حياة المسلم والمسلمة، حيث بدأ فضيلته حديثه قائلاً: إن للوقت اهميته البالغة في حياتنا ومما يؤكد ذلك ان الله اقسم به في كتابه وببعض اجزائه كالفجر والضحى والليل، وفي ذلك ارشاد للعباد للاستفادة منه فيما يعود عليهم بالنفع في امور دينهم ودنياهم. * يعاب أحيانا على الفرد المسلم عدم تنظيمه لوقته واعماله وأدائه لواجباته تجاه ربه، ما نصحكم له في هذا الجانب؟ - اذا كان الله - جل وعلا - شرع لنا من العبادات ما يقربنا اليه زلفى وجعل لها اوقاتها المحددة فإننا مأمورون ايضاً بعمارة الارض والضرب فيها ابتغاء الرزق وغيره من المصالح الدنيوية التي تعين على تنظيم شؤون الحياة ورقيها وازدهارها، وكل ذلك يحتاج الى جد واجتهاد وهمم عالية تعي ان عامل الزمن عنصر مهم في تحقيق ذلك، ولذلك جاء في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - انه قال: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ»، ذلك ان المسؤوليات والاعمال كثيرة متجددة والوقت محصور، والعاقل هو الذي يرتب اوقاته وينظمها ويجدول اعماله وفق الاولى فالاولى مع توازن بين حقوق الخالق وحقوق الخلق، بين مصالح الدنيا ومصالح الآخرة، وحسن تنظيم الوقت والاستفادة منه طريق النجاح والسعادة في الدارين. * ما هي ابرز صور التعامل السلبي مع الوقت؟ - كثير من الناس تراه في غفلة من امره كأنما هو في غيبوبة، يتعاقب عليه الليل والنهار دون شعور بمسيره نحو نهايته الحتمية، حيث يعيش بلا هدف واضح اشبه ما يكون بالانعام تأكل وتشرب لتذبح او تموت. وصدق الله اذ يقول: {..وّالَّذٌينّ كّفّرٍوا يّتّمّتَّعٍونّ وّيّأًكٍلٍونّ كّمّّا تّأًكٍلٍ الأّنًعّامٍ وّالنَّارٍ مّثًوْى لَّهٍمً } وحياة المسلم لا يقبل ولا يعقل ان تكون كذلك. وحياة كثير من الناس اليوم اقرب إلى العبث والفوضى بل هي كذلك، فانظر الى اوقاتهم كيف قلبوها بما يخالف الفطرة ويناقض السنن الكونية فمن المعلوم ان الله - جل وعلا - جعل الليل للسكن والراحة والنوم ليستعيد الجسم والعقل نشاطه وحيويته وجعل النهار للكد والعمل وطلب المعاش، والله حين جعل ذلك كذلك فلأنه خالق الانسان ومسخر الليل والنهار وهو اعلم بما يصلح العباد في حالهم ومآلهم فحينما يقوم الناس بجعل حياتهم وبرامجهم تسير في الاتجاه المعاكس بأن يحيوا الليل - طبعاً بغير الطاعة - ويناموا النهار فلابد ان يكون لذلك اثره السلبي في عقولهم ونفسياتهم وأبدانهم، بل وسلوكهم وقد سمعت احدهم يقول لمخدومه بعد استيقاظه قبيل المغرب: «صباح الخير» ومثل هذا الفعل مما يشوه الحياة ويفسد العيش. * كثير من النساء يملن الى حب التسوق والاسراف في ذلك، غير عابئات بواجباتهن الاسرية والمنزلية، كيف تعالجون هذا الواقع؟ - لا ريب ان من صور العبث بالوقت الاسراف في التسوق حتى ان بعض الناس - خاصة النساء - أدمنوا على الذهاب للسوق بشكل شبه يومي وكأنه ليست عليهن التزامات اسرية او تربوية، ومثلها ادمان بعض الرجال الاجتماعات في الاستراحات والمقاهي بعيداً عن الاهل والاولاد وما يصحب ذلك من تفلت فيهم وضياع في كثير منهم وفشل في دراستهم تؤدي بهم الى الانحراف. ومن صورة العبث بالوقت الاسراف في اقامة الحفلات وضياع الاوقات في حضورها حيث لم تعد مقتصرة على الزواجات التي تمتد الى الفجر فهناك حفلات التخرج والشبكة والميلاد والولادة والعودة من السفر والخروج من المستشفى مما يجتمع فيها ضياع الاوقات والاموال مع حرمة بعضها من اصله. * كيف يمكن للإنسان المسلم ان يستثمر وقته فيما ينفع؟ - وسائل ذلك كثيرة وهي تحتاج الى استشعار بأهمية الوقت وخطورته ومن ثم يأتي التنظيم للوقت ثم الحزم مع النفس في استثمار دقائقه وساعاته وعدم التراخي في ذلك، والنفس ان تركت وما تريد ادخلت صاحبها في نفق الفوضى والعبثية، وإن قومها وعسفها استقامت وانعسفت له، وفي البداية ربما شعر البعض بالملل والاضطراب لكن مع الثبات الجد سيشعر بأن المتعة وجدت الى قلبه سبيلاً. ومن اعظم وسائل استثماره القراءة الجادة في الكتب النافعة في فروع المعرفة الشرعية والادبية والتاريخية ونحوها كل وفق ميوله وقدراته ومواهبه، وان كان الانسان مطالباً بالالمام بالحد الادنى من العلم الشرعي الذي يصحح به عبادته. والقراءة لها اسلوبها وطريقتها ومنهجيتها حتى تكون الاستفادة منها طيبة بحيث يبدأ الانسان بالكتب الصغيرة المبسطة ويرتقي بنفسه في كتب كل فن من الفنون ويدون ما يشكل عليه ليسأل عنه اهل العلم. والقراءة الجادة لها فوائد عظيمة من توسيع المدارك ورفع الجهل ومعرفة السنن الالهية والوقوف على تجارب السابقين واحوالهم وإكساب المعلومات الثقافية وصقل المهارات اللغوية وبناء الشخصية وتقوية القدرات الانشائية، وما يضفيه ذلك من شعور بالثقة والسعادة وانشراح الصدر والطمأنينة، وما يثمره من توجيه النوازع نحو الخير واكساب المهارات والقدرات اللازمة ليكون عنصراً منتجاً في مجتمعه. ومما يجدر ذكره في هذا المقام والاشادة به ما وفق الله إليه بعض الاخوة من اقامة عدد من الدروس والدورات الشرعية المركزة في عدد من مناطق المملكة في اجازة الصيف منها الذي نفذ ومنها ماهو في الطريق اليه واقبال الناس عليها وتفاعلهم معها وكذلك حلقات تحفيظ القرآن الكريم في المساجد والدور النسائية ولا ريب ان هذه من اعظم ما يعين المسلم على حفظ وقته وتنظيمه. وهناك مجموعة اشرطة لطالب العلم لمعالي الشيخ صالح آل الشيخ - حفظه الله - وهي مهمة لطالب العلم ومفيدة للغاية. ومن الوسائل النافعة في ذلك الاستفادة من الوقت في السيارة من خلال الاستماع الى الدروس العلمية كشرح القواعد الاربع والاصول الثلاثة وكتاب التوحيد ولمعة الاعتقاد وشرح الاربعين النووية واصول الايمان ونحوها من شروح ائمتنا وعلمائنا رحم الله الاموات وبارك في الاحياء. وما على الانسان الا ان يزور أحد محلات التسجيلات الاسلامية لاختيار مجموعة مناسبة لمستواه العلمي، ومع مرور الايام سيجد نفسه قد استمع الى عدد كبير من الاشرطة والدروس واستفاد فوائد عظيمة، وفيها مزية اخرى تتمثل في انها تذهب الشعور بالضجر من ازدحام الطريق وطول الانتظار عند الاشارات، وتضفي عليه الشعور بالهدوء والحلم، ولا ريب ان لذلك اثره في قيادته والتزامه بأنظمة المرور وحسن تعامله مع مرتادي الطريق واعطائه حقه وهذه كلها امور مرغوبة. ونحن ندرك ان الناس لا يمكن ان يكونوا جميعاً طلاب علم ولكننا نقول بأن القراءة حق مشروع للجميع وينبغي لكل احد ان يعود نفسه عليها فهي مفتاح لكثير من الامور المفيدة. ونحن مع ذلك ندعوه الى الاستفادة من وقته في تنمية مهاراته وصقل مواهبه سواء من خلال المراكز الصيفية او المعاهد الفنية والمهنية او اللغوية او من خلال البيع والشراء او العمل المؤقت او المسائي. المهم ان يكون عنصراً فاعلاً في مجتمعه جاداً في خدمة دينه وبلده، والوطن بأمس الحاجة لكل طاقات أبنائه وجهودهم، وانه لأمر محزن ومؤسف ان يكون الوطن والاهل يرقبون برّك ونفعك فيفاجأون بك عنصر هدم ومصدر ازعاج وعبئاً ثقيلاً. وبالجملة متى ما ادرك الانسان قيمة وقته واهميته وان امامه حياة باقية وان هذه الحياة مقدمة ومزرعة لها وانه مسؤول عن وقته كيف امضاه وفيم شغله ومعني بعمارة الارض ونفع البشرية وجد من الوسائل ما يسعد بتذكره ويشغل به وقته، المهم الا يترك نفسه نهباً للفراغ القاتل او الاشتغال الفاشل، ومن المأثور عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قوله: «اني لأمقت الرجل أن أراه سبهللاً لا في عمل الدنيا ولا في عمل الآخرة».