ما أجمل الحروف إذا اصطفت وكوّنت جملاً مفيدة.. (جمل مفيدة)! كثيراً ما نسمعها في مرحلة الدراسة وفي مادة العربي خاصة عندما نكون تلك الجمل إما للإعراب وإما الاستدلال بأمثلة تخص الدرس نفسه وكثيراً ما نستفيد من تلك الجمل.. ولكن للأسف سرعان ما تنتهي فور انتهاء الامتحانات والسنة الدراسية.. ليس كذلك فحسب إنما يعلنها الجميع بصوت واحد عزوفاً عنها وعن القراءة.. بجميع أنواعها وذلك بحجة قضاء عام كامل مليء بالقراءة والجهد.. نعم هذا صحيح وفق الله الجميع ولكن هل هو طريق للهجران؟ تلك القراءة التي تنمّي المعرفة عند الإنسان والتي تغذّي العقل تشتكي وتتساءل أين أصحابها عنها! وذلك الكتاب الذي يئنّ حزناً على فقدان الأيادي لمسكه وتقليب صفحاته.. وها هي المكتبة المليئة بالكتب تفتقر لدورها وتتساءل ما الذي جرى لماذا هجرني أصحابي؟ أين الذين كانوا يتطلعون متلهفين إلى ما أحتويه من كتب متنوعة تخص جميع المجالات والأعمار والتخصصات يا ترى هل المقروء أصبح الآن يهدده المرئي والمسموع..؟ القلة القليلة من تجدهم يحرصون على القراءة ومعرفتهم لأهميتها والقلة منهم من يحرصون على تحبيب القراءة والاطلاع في نفوس أبنائهم باقتناء أفضل الكتب المسلية والمفيدة في نفس الوقت.. يا ترى هل التطور التكنولوجي مسؤول عن عزوف بعض الناس عن القراءة أم مشاغلهم أم هي مشاكلهم؟ بدأت القراءة تتلاشى لدى الناس منذ زمن بعيد منذ ظهور الراديو لأنه ينقل الأخبار المسموعة بشكل سريع للناس ويوفر لهم عناء القراءة وتقليل الوقت الذي يقضيه فيه هذا مما قلل قيمة الكتاب. وقد ظهر بعده (المرئي) وهو التلفزيون الذي يبث أكثر برامجه للترفيه والتسلية ويهمل الجانب الآخر مثل تكثيف برامج الدين والثقافة والفكر إن الفكر هو لب الثقافة والدين سندها ودعامة أسسها. هناك كتّاب كثيرون بارزون ممن يهتمون بالفكر والثقافة التي تنمي العقل وتوسع مداركه، يؤلفون الكتب العديدة والقيمة.. وأهم الكتب هي التاريخ الذي دائماً نأخذ منه المفيد من أحداثه ومتغيراته والذي يعتبر امتدادا للعراقة والأصالة والحضارة وأهمها التاريخ الإسلامي. ولكن تبدل حال اليوم من حال إلى حال.. اسأل الناس اليوم عن هؤلاء الكتاب قليل من يعرفهم ويقرأ لهم. وعندما تسأل عن أخبار فنان مثلاً أو ممثل عن آخر عمل لديه للأسف يجيبك في الحال.. إذن هناك تأثير واضح من المرئي الذي أصبح يجذب الناس إليه بطريقة مباشرة بسبب القنوات الفضائية وما تبثه للمشاهد من ترفيه وتسلية أحياناً تكون بدون فائدة.. الآن نحن نعيش عالم التكنولوجيا وشبكة الإنترنت أصبح القارىء يتصفح أي شيء يحتاجه دون اللجوء للكتب أو البحث فيها. فقد تغير زمننا عن زمن مضى في السابق يقولون الكتاب هو الصديق الوحيد للإنسان أما الآن...؟ يا للعجب العجاب رغم كل التغيرات والتطورات تعجب لما تراه في العالم الغربي تجد الكتاب لا يفارقهم أبداً، تجد الواحد منهم كتابه لا يفارقه أبداً حتى عند سفره يضع كتابه في حقيبته يقرأ طوال فترة سفره إلى أن يصل البلدة التي قصدها حتى أطفالهم عودوهم على قراءة القصص والتصفح للصور الملونة والتعرف عليها بطريقة عملية. إذن لماذا نحن عندما دخلت علينا التقنيات الحديثة هجرنا صديقنا الحميم الذي دائماً وأبداً نجد عنده ما نريد معرفته وما نود أن نعرفه في جميع مجالاتنا. حب القراءة لا يمكن فرضه على الناس ولكن لو نخصص شيئاً بسيطاً من وقتنا لنغذي عقولنا ونوسع مداركنا لنفتح آفاقاً جديدة في مجتمعنا لنعلم ونفيد ونستفيد. إن القراءة لا تتوقف عند انتهاء مرحلة من الدراسة أو عمر معين، بل للجميع هناك صفة تكون مكتسبة عند القراءة هي تحسين ألفاظنا وأسلوبنا في الحوار تلقائياً.. تلك الثقافة التي نكتسبها هي الحضارة الحقيقية التي نطور بها مجتمعنا وبديننا الحنيف. والمحافظة على لغتنا العربية التي هي أيضاً أصبحت مهجورة منذ زمن بعيد. قال تعالى: {اقًرّأً وّرّبٍَكّ الأّكًرّمٍ، الذٌي عّلَّمّ بٌالًقّلّمٌ، عّلَّمّ الإنسّانّ مّا لّمً يّعًلّمً } الآية. ديننا الإسلامي هو أول من حث على القراءة والتعلم والتزود بالعلوم والمعارف.. يتمنى ذلك الصديق الوفي أن يرجع له أصحابه بقناعة بعد هجران دام طويلاً. وأن يستغل وقت فراغ أصحابه بالفائدة العظيمة جداً وأن يخدم من يريد الثقافة ومن يريد التسلية ومن يريد العديد من مقتنياته المتنوعة وخير الكتب القرآن الكريم الذي حفظه الله وتكفل بحفظه في اللوح الملحفوظ وسنة المصطفى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم. تحياتي لكم.. أن تقضوا أجمل الأوقات مع صديقكم المخلص الكتاب في حلكم وترحالكم.