لاشك ان المخطوطات العربية الاسلامية وغيرها لاتقدر بثمن، كما ان القيمة المعنوية لها كإرث حضاري إنساني لا يختلف فيه اثنان، ومع ذلك نجد ان القيمة المادية لتلك المخطوطات تتباين بين المراكز كما تتباين بين الاشخاص، لذلك اقول ان المخطوط ينظر اليه من جوانب كثيرة تتراوح بين المهتمين فهناك من ينظر على الفحوى المادي والمعنوي للمخطوط اي ما يحتويه ذلك المخطوط من معلومات، وهناك من ينظر الى الشكل المادي للمخطوط من حيث حالته وشكل ومدى سلامته من عوادي الزمن. وهناك من ينظر الى طرق اخراجه وتجليده، وهناك من ينظر الى تلك التعليقات والحواشي على المخطوط، فضلاً عن ان هناك من ينظر الى التملكات والوقفيات وما تحمله أغلفة المخطوطات وصفحات العنوان من نصوص تملك أو وقف، لذلك تختلف القيمة المالية «المادية» للمخطوط بناءً على تلك الأهمية. لذلك تباين المقيّمون لتلك المخطوطات، وأوقع هذا التباين تجار المخطوطات في مأزق مالي، حيث نجد ان مركزا من المراكز يقدر قيمة مخطوطة بمبلغ عشرة آلاف والآخر بألف ريال، وهذا تباين واضح جعل كثيرا من تجار المخطوطات وملاكها يركنون الى عدم المجازفة في بيع المخطوط عند اول سعر، مما خلق نوعا من الاشكالية التي تطلبت من المسؤولين عن المراكز دَرَج تجار المخطوطات الى عرض ما يملكونه على اكثر من مركز، منتظرين اعلى سعر لبيعه عليه، ومن هذا الباب كان على المراكز العلمية المهتمة بحفظ المخطوطات وضع آلية واشخاص مؤهلين لذلك، إذ علمنا ان مواضيع تلك المخطوطات متعددة، فمنها ما يتعلق بالقرآن وعلومه ومنها ما يتعلق بالحديث ومصطلحه ورجاله، وهناك ما يتعلق بالفقه بجميع مذاهبه، وبالادب واللغة وغيرها من مواضيع، لذا يجب من يعهد اليه تقييم تلك المخطوطات ان يكون شاملاً ملماً بتلك العلوم، لا ان يكون جاهلاً بعيداً عن مثل تلك الفنون، فمخطوطات الفقه المالكي على سبيل المثال اذا عرضت على احد المراكز العلمية في المملكة فإن الاهتمام بها قد لايكون بقدر تلك المخطوطة الحنبلية التي تعرض عليها، لأن من يتبع المذهب الحنبلي قد يدرك اهمية كتب المذهب وايها النادر والمهم والذي لم يطبع بعد، اما اذا كان ذلك الكتاب متعلقا بالمذهب المالكي فقد لايدرك ابعاد ذلك المطلعون على ذلك الكتاب، وقس على ذلك سواء في كتب المذهب او غيرها من العلوم. لهذا يفضل ان يكون في تلك المراكز العلمية المعنية بالمخطوطات مجموعة من العاملين والمهتمين بتلك الموضوعات، او ان يكون هناك فتح مجال للتعاون مع مهتمين عندهم سعة اطلاع او متخصصين في ذلك العلم الذي تتعلق به تلك المخطوطة، لأن الملاحظ في كثير من المراكز ان التقييم دائما ما يعتمد على اشياء لا تتجاوز تلك التقديرات وهي البعد المادي للمخطوط او ما يعرف بالوضع الاكتناهي او التركيز فقط على تاريخ نسخ المخطوط اي البعد التاريخي للمخطوطة بعيداً عن اي اعتبارات اخرى. واذا علمنا ان الندرة تقاس لاشياء كثيرة، البعد التاريخي والحالة الصحية «ان صح التعبير» للمخطوط هما جزءان منها. اما الاشياء التي يجب ان تلاحظ على المخطوطة وتعد مهمة هي: 1 نسخة المؤلف: وهي النسخة التي كتبها المؤلف او نسخها بيده، وهذه النسخة كثيرا ما تحفل بالاضافات والحذف والتهميش او الزيادة والنقصان، وترجع اهمية هذه النسخة التي تعرف بالمسودة الى انها تكشف عن ذاتية المؤلف وطريقته في الكتابة، وخطه وتعليقاته، لهذا تعد هذه النسخة من النسخ التي يتسابق عليها الملاك وتجار المخطوطات فضلا عن المراكز العلمية. 2 النسخة التي اذن المؤلف لأحد بكتابتها: ويشار الى ذلك في مقدمة النسخة، وتكون النسخة مطابقة لمبيضة المؤلف وتجاز من المؤلف نفسه او على نسخته وهذا يشار اليه دائما في اخر المخطوط. 3 القراءة على المؤلف: يشار الى ذلك في النسخة بقوله قرأت على فلان او قرأتها على المؤلف، وغالباً ما تكون هذه القراءات على المؤلف في حضرة الدرس وامام الناس، وهذه الطريقة رافقت الوراقين منذ مجالس الإملاء، والغرض من عمل الوراق هنا هو الحصول على احد امرين: الأول: هو الحصول على الترخيص من المؤلف. والثاني: هو الحصول على اجازة النشر بناءً على موافقة المؤلف. وقد يجد بعض الناس حرجاً في ذلك عندما يجد نسختين عليهما تلك الاجازة، ومرد ذلك الى ان تلك القراءات على المؤلف عملية ليست سهلة كما يتبادر الى الذهن بل هي عملية تستغرق وقتاً طويلاً لإتمامها. 4 النسخ المجازة من المؤلف: وهي النسخ التي بعد اتمام نسخها يكتب في مقدمتها «سماعاً عنه» او سمعها كاملة مؤلفها او مصنفها، وكل هذه العبارات لابد من ادراكها من قبل واضع التقييم المادي للمخطوط، لانه لو جهل هذا فقد يفقد تراثاً اسلامياً عربياً مهماً بناء على جهله لمثل هذه الاشياء. وكل ما سبق ليس هو ما يدعو الى اهمية المخطوط بل هي اضاءات احببت ان ارشد اليها نفسي وغيري من القائمين على تلك المراكز المهتمة بحفظ المخطوطات داخل المملكة وخارجها.