ومن ذم السلف وكبار التابعين رحمهم الله للمبتدعة ذمهم للقصاص وهم طائفة ابتدأ وجودهم في آخر القرن الأول، في عهد صغار الصحابة رضي الله عنهم، أضحوا يعظون الناس بمواعظ القصص والأخبار الضعيفة و المتلقاة عن بني إسرائيل أرادوا بها تليين القلوب، وكانوا يمزجونها بآيات الوعد والوعيد في القرآن وكذا ما جاء في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وربما استغلوا بعض المناسبات التي يرونها مناسبة في المساجد ويوم الجمعة وعند دفن جنائز الموتى في المقابر والمجامع العامة.. فرتبوا بها مجالس القصص وهذا المسلك وإن كان ظاهره ومقصده حسناً لكنه مضمون ووسيلة لم تكن معروفة لدى الصدر الأول من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكبار أتباعهم على قاعدة «وكم من مريد للحق لم يصبه» وقد قالها ابن مسعود لمتعبدة جامع الكوفة بعد ذكرهم لله عز وجل. والذي رأيته بوضوح من خلال الآثار المجموعة من كبار التابعين بل والصحابة رضي الله عن الجميع الإنكار على هؤلاء القصاص والمذكرين بالقصص والأخبار المتلقاة عن الأمم السابقة لوعظ الناس وتزهيدهم. أقول الإنكار عليهم ومواجهتهم، بل ومكافحتهم ومنعهم من القصص على الناس أو نصب مجالسهم في المساجد إلا من كان قصصه وتذكيره ووعظه مستمداً من أدلة الكتاب والسنة الصحيحة. فلقد منع عبدالله بن عباس رضي الله عنهما وهو فقيه الحرم المكي منع القصاص من القصص في المسجد الحرام إلا عبيد بن عمير الليثي حيث كان وعظه مستمداً من كلام الله وحديث رسوله صلى الله عليه وسلم كما سيأتي طرف من آثاره على جهوده رحمه الله المفردة باسمه. بل كان ابن عباس وعبدالله بن عمر بن الخطاب وغيرهما من الصحابة يجلسون في مجالس وعظ عبيد بن عمير الليثي، وربما تأثروا بوعظه فأخضلت لحاهم بالبكاء. سبب منع السلف والصحابة من القصاص والتحذير منهم هو خوفهم اشغال هؤلاء الناس عن الوعظ والاتعاظ بنصوص الوعد والوعيد في الكتاب والسنة، وإشغالهم بالقصص والأخبار والروايات الضعيفة أو الواهية، وأخبار بني إسرائيل.. ما يصرفهم عن القرآن والسنة، ويعلق قلوبهم وخوفهم ورغبتهم بتكلم الأخبار والقصص والروايات غير الموثوقة، فيعظمونها ويستهينون بكلام الله عز وجل، وصحيح حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فتقل هيبتها وتعظيمها في قلوبهم وأسماعهم! فهذا موقف من مواقف السلف من الفتن وأسبابها وبواعثها، وذمهم وتحذيرهم من القُصَّاص سدّاً لباب الجهل والفتنة والقول في دين الله وعلى الله بلا علم، وفق الله الجميع للعلم النافع والعمل الصالح والله أعلم. (*) المدرس بكلية أصول الدين بالرياض