الحمد لله القائل: {يّا أّيٍَهّا پَّذٌينّ آمّنٍوا \جًتّنٌبٍوا كّثٌيرْا مٌَنّ پظَّنٌَ إنَّ بّعًضّ پظَّنٌَ إثًمِ وّلا تّجّسَّسٍوا...} [الحجرات: 12] والصلاة والسلام على رسول الهدى القائل: (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث) وبعد: أيها الاخوة: لقد حفظ الإسلام للإنسان دينه وماله وعرضه ودمه وعقله. وهذه الضروريات الخمس، لا أحد ينكر أهميتها وعظم قدرها، والله سبحانه وتعالى خص الإنسان بالعقل، وكلفه بالعبادة، وحد له الحدود، وأرسل له الرسل مبشرين ومنذرين، ولا يخفى على كل مسلم بالغ عاقل ما له من حقوق، وما عليه من واجبات، تجاه ربه ودينه ووطنه وأمته. ولكن من المؤسف حقاً أن هناك فئة من الناس تتجاهل حقوق إخوانهم وأبناء جلدتهم، ومنهم من يتعمد الإساءة للآخرين، والحكم عليهم بالظن والشك والاحتمال. هذه الفئة تلتمس العيب للبرآء، والخطأ للمصيبين، والذنب لمن لا ذنب له، تلفق الاتهامات، وتستغل الزلات، وتستثير المشاعر. ديدنهم التجريح في الخلق، يتهمون ويشكون ويظنون، توقعاتهم خاطئة، فلا يقوم لهم دليل ،لا تثبت لهم حجة. يحبطون أعمالهم بسوء الظن، ولا يفارقهم الهم والحسد والحقد والكراهية وسوء الطوية. أفراد هذه الفئة يظنون بالناس ظن السوء، ويلصقون بالناس ما ليس فيهم، ولا يرون فيمن يكرهون إلا العيوب، لأنهم ينظرون بعين السخط، وقد اتخذوا من الشبهات مطايا، وقد يصل الأمر بهم إلى اتهام النيات، والحكم على المقاصد، والتطاول على السرائر التي لا يعلمها إلا الله اتباعاً للهوى وللأمور الشخصية والتطلعات الذاتية، حتى وان كانت مغلفة بالحرص على المصلحة. وبأسباب هؤلاء تنتشر مقالة السوء وتشيع البلبلة وتكثر الشائعات، والحدس والتخمين والوقوع في في الأعراض، وقتل المعنويات والظلم والعدوان، وهذا أمر تستنكره العقول السليمة!! وليس من الإسلام في شيء. وخير دليل قوله تعالى: {وّالَّذٌينّ يٍؤًذٍونّ پًمٍؤًمٌنٌينّ وّالًمٍؤًمٌنّاتٌ بٌغّيًرٌ مّا \كًتّسّبٍوا فّقّدٌ \حًتّمّلٍوا بٍهًتّانْا وّإثًمْا مٍَبٌينْا} [الأحزاب: 58] وهذا تحذير صريح، وتوجيه رباني، وتحريم لإيذاء المؤمنين والمؤمنات!! ولاشك بأن الظنون السيئة تنشأ عنها المكايد والعداوة والكراهية والأنانية، وتنزع الثقة، وقد تزهق بسببها الأرواح!!.. حيث أن أهل الظن تعتريهم الأمراض النفسية والأوهام، يلزمهم العلاج! وخير علاج الرجوع الى كتاب الله وسنة رسوله، ثم الوفاء لحق الله وحق كل ذي حق، وإذا تحقق ذلك وجد الارتياح النفسي وحسن الظن ونزع الغل، وسادت المحبة والألفة بين أفراد المجتمع. إن لسوء الظن أسباب منها: ضعف الإيمان، وصحبة الأشرار، وسوء البطانة وبعض أصدقاء الاستراحات، والاستماع إلى الوشاية المغرضة الحاقدة، وتتبع الأخطاء والزلات، وعدم معرفة أقدار الرجال، وسوابق فضلهم، والاعتراف بجهودهم وجميل أفعالهم. إن جميع الناس مهما كانت أعمارهم، ومستوياتهم الثقافية والعلمية ومكانتهم الاجتماعية، ومراكزهم الوظيفية، لم يبلغوا درجة الكمال، إذ لم يبلغها سوى الأنبياء والرسل المعصومين عن الخطأ والزلل. يقول سعيد بن المسيب: ليس من عالم ولا شريف ولا ذي فضل إلا وفيه عيب، ولكن من كان فضله أكثر من نقصه ذهب نقصه لفضله، كما أن من غلب عليه نقصانه ذهب فضله. ومن أهم عوامل علاج هذه المشكلة مايلي: أولاً : ينبغي أن يسود المجتمع مهما كان حجمه حسن الظن، والاطمئنان إلى طوية أفراده والثقة بحسن نواياهم، وتغليب جانب الصدق في أقوالهم، والخير في تصرفاتهم، والبعد كل العبد عن هوى النفس، لأنه ما خالط شيئاً إلا أفسده.. فالهوى يخرج العالم من السنة إلى البدعة، ويوقع صاحب الزهد في الرياء والسمعة، ويجر المسؤول إلى الظلم، ويفسد على أهل العقول عقولهم، وعلى أهل التفكير تفكيرهم. ومن الأهمية بمكان أن يحرص كل فرد وكل جماعة وكل مسؤول، على عدم قبول ما يصل إليهم من أخبار، أو تقارير، إلا بعد التثبت والتبيين، خشية الإضرار بالناس في أنفسهم وسائر حقوقهم، فلا يكون المعتمد على مقالة واشٍ، أو خبر مفترٍ يجلب لنفسه نفعاً أو يوقع بغيره ضرراً. ثانياً: الإنسان المسلم بصفة عامة وفي أي مكان وجد، ينبغي أن يكون مصدر خير، ونفع وإحسان لا مصدر كذب وافتراء وإفك، ويحرص أن يكون من خيار الناس وأهل المعروف الذين يلتمسون العذر للمقصر عند تقصيره ويقيلون العثرة، ويقبلون المعذرة، ولا يسيئون الظن بأحد امتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم: (أقيلوا الكرام عثراتهم)، وقوله" (من قال عثرة أقاله الله يوم القيامة)، وقال بعض الحكماء: أعظم المصائب ان تقدر على المعروف ثم لا تصنعه، وقيل: إن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف بالآخرة. ثالثاً: من حق أخيك أن تحمي ظهره وعرضه وتصون كرامته ومعنوياته، ما لم يقدم دليل واضح على ما يستحق عليه المساءلة والمؤاخذة، وإذا لم يقم دليل فلا تبنى الأحكام والقرارات على الأمور الظنية والشك، وإذا كان هناك احتمالان: سوء نية وعكسها أخذ بحسن النية وبالمحمل الحسن، لأنه لا يعلم ما في القلوب إلا الله سبحانه وتعالى!! وختاماً ليكن حظ أخيك منك ثلاثاً: إن لم تنفعه فلا تضره، وإن لم تفرحه فلا تغمه، وإن لم تمدحه فلا تذمه.