انسحب المجاهدون الشيشان من عاصمتهم غروزني التي دافعوا عنها ببسالة وبطولة طيلة ستة شهور كاملة واجهوا خلالها من آلة الحرب الروسية مالا يصمد بمواجهتها غير المؤمنين بالله، وبعدالة قضيتهم وبأن النصر لابد آت. وكان انسحاب المجاهدين تكتيكيا بموجب خطة وضعها مجلسهم العسكري. وبالرغم من هذا الانسحاب المعلن فإن القوات الروسية التي دخلت غروزني ما زالت تواصل اطلاق النار على الخرائب التي لم تعد تؤوي سوى العاجزين من المدنيين عن الخروج الى أي جهة، وربما فضلوا الاحتماء بتلك الخرائب على التعرض لبرد الشتاء القاتل مع شح الطعام، وانعدام أي تدفئة او متطلبات الوقاية من التعرض للاصابات المرضية. وربما لهذه الأسباب صدر بيان رسمي أمس من منظمة الصليب الأحمر الدولية تعرب فيه عن قلقها البالغ من تردي الاوضاع الانسانية في مدينة غروزني وفي مناطق شيشانية اخرى مع استمرار الحملة العسكرية العدوانية من جانب الروس على ما تبقى من الشيشان عمارا وشعبا. وذكر البيان ان الآلاف من السكان المدنيين قد شُلَّت قدراتهم على الحركة في غروزني بسبب القصف المدفعي والغارات الجوية المكثفة والمتواصلة من القوات الروسية. كما ان البيان ايضا أكد مقتل مئات المدنيين واصابة مئات آخرين! وأعربت اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن مخاوفها من عواقب هذا الوضع اللا انساني بالنسبة لسلامة المدنيين المحاصرين داخل غروزني وغيرها من المناطق التي ما يزال القتال دائرا فيها وتخشى المنظمة الدولية بشكل خاص على مصير 8000 ثمانية آلاف شخص معظمهم من المسنين والنساء والاطفال الذين انهكهم الجوع والمرض والرعب من القتال. ورغم هذا البيان فإن هيئة أركان القوات الروسية تعلن عن مواصلة المعارك في العاصمة الشيشانية غروزني بحجة منع المقاتلين فيها من مغادرتها قبل إلقاء اسلحتهم في حين أكدت مصادر المراقبين والمراسلين الذين يتابعون دقائق حرب الشيشان لحظة بلحظة، أكدوا خروج المجاهدين من غروزني بالفعل ولم يبق فيها سوى المدنيين العاجزين عن الخروج منها بأمان وسلام. وهذا ما يعني ان الخطة الروسية هي القضاء المبرم حتى على هؤلاء المدنيين الذين شاطروا المجاهدين المدافعين عن العاصمة طيلة ستة اشهر مصيرهم بصبر وشجاعة. ان روسيا لا تريد ان يبقى من شعب الشيشان الا من يستسلم لها ويعلن الاذعان لسلطتها ونفوذها، وسيطرتها على بلادهم. وليس من المستبعد ان تلجأ روسيا الى خطة جوزيف ستالين عندما دفع بمئات الآلاف من الروس الى اوكرانيا، وجزيرة القرم، ودول البلطيق للاستيطان هناك بهدف ربط اراضي هذه الدول بروسيا ربطا لا ينفصم اذا أصبح هؤلاء الروس الذين استوطنوا اراضي تلك الدول مواطنين بها لهم نفس حقوق المواطنة مع دورهم المدروس في تعزيز ربط مصير تلك الدول بمصير روسيا. وهذا تحديدا ما رمت اليه القيادة السياسية الروسية في الشيشان عن طريق الآلة العسكرية الضاربة! على ان الحرب الشيشانية لم تنته بعد! فخسارة المجاهدين الشيشان لمعركة غروزني التي دامت ستة اشهر، لا تعني خسارتهم للحرب ضد المعتدي المحتل. وقد حدث ان خسرت روسيا حرب 1994م مع المجاهدين الشيشان، ثم عادت بقوة اكبر لتنتصر عليهم في حرب 1999م، ولكن المجاهدين لم يخسروا سوى معركة لم تنته بعد. وكما قال الرئيس الامريكي كلينتون في رسالة لقادة روسيا التي ابلغتهم اياها وزيرة الخارجية اولبرايت,, فإن روسيا ستدفع ثمنا باهظا لحرب الشيشان .