كثيراً ما يتساءل اواحد منا عن أسباب انتشار البدع في العالم الإسلامي وسبب تمسك الكثيرين بها رغم بيان العلماء الراسخين لها في كل زمان ومكان. ولعل القاصي والداني يلحظان أن أصحاب البدع بشكل عام ينشطون في بدعهم ويحصل منهم تقديم التضحيات والمبالغة الملحوظة في ابراز بدعهم، وذلك يدعونا للتساؤل حول أسباب انتشار البدع وقلة إحياء السنن عند هؤلاء أو انعدامها، وحول هذا الموضوع المهم يتحدث بعض العلماء والمشايخ عن البدع وأسباب انتشارها والحلول الممكنة للتصدي لها فإلى التحقيق: أسباب ظهور البدع في بداية هذا الموضوع يشير الشيخ سعيد بن ناصر الغامدي أن من الأسباب ما هو سبب قدري أزلي. وهو معنى قوله تعالى {وّلّوً شّاءّ رّبٍَكّ لّجّعّلّ پنَّاسّ أٍمَّةْ وّاحٌدّةْ وّلا يّزّالٍونّ مٍخًتّلٌفٌينّ (118) إلاَّ مّن رَّحٌمّ رّبٍَكّ وّلٌذّلٌكّ خّلّقّهٍمً وّتّمَّتً كّلٌمّةٍ رّبٌَكّ لأّمًلأّنَّ جّهّنَّمّ مٌنّ پًجٌنَّةٌ وّالنَّاسٌ أّجًمّعٌينّ (119)} [هود: 119] فالله تعالى قادر على جعل الناس كلهم أمة واحدة، على إيمان أو كفر، كما قال تعالى {وّلّوً شّاءّ رّبٍَكّ لآمّنّ مّن فٌي الأّرًضٌ كٍلٍَهٍمً جّمٌيعْا (99)} [يونس: 99] ولكنه سبحانه أراد كوناً لحكمة تقتضيها هذه الإرادة أن: «لا يزال في الخُلف بين الناس في أديانهم واعتقاداتهم ومللهم ونحلهم ومذاهبهم وآرائهم» وأما النوع الثاني فيشير فضيلته أنه كسبي ومن أنواعه اتباع الهوى ومن هذا الباب سمي أهل البدع أهل الأهواء، لأنهم قدموا أهواءهم ورجحوا آراءهم، وجعلوها مساوية للنصوص الشرعية، أو أعلى منها بدرجة ودلالة، بل ربما جعلوا عقولهم وأذواقهم هي الأساس والأدلة الشرعية للتعضيد والاستئناس. مؤكداً أن مما يدل على أن اتباع الهوى هو أحد أسباب البدع، أنك تجد من أهل البدع من يرد النصوص الصريحة الصحيحة، لأنها خالفت هواه.. بعد ذلك يشير الشيخ الغامدي لقلة العلم بالشرع المنزل كما قال الإمام أحمد في وصف المبتدعة:«.. عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا عقال الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب، مجمعون على مفارقة الكتاب، يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابة من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبِّهون عليهم، فنعوذ بالله من فتن المضلين». فشعار المبتدعة ترك الآثار، وشعار أهل السنة مثل ما قال محمد بن سيرين رحمه الله : «كانوا يرون أنهم على الطريق ما كانوا على الأثر». ولذلك فإن أهل السنة أتباع الحق والهدى، يسمَّون أهل الحديث تارة، وأهل الأثر تارة. ويواصل فضيلته بذكر أسباب البدع فيذكر اتباع العوائد وهي على أقسام: أ أتباع الآباء والمشايخ، على طريقة أولئك الذين حكى الله عنهم: {إنَّا وّجّدًنّا آبّاءّنّا عّلّى" أٍمَّةُ وّإنَّا عّلّى" آثّارٌهٌم مٍَقًتّدٍونّ (23)} [الزخرف: 23] وهذا هو التقليد المذموم الذي يقود صاحبه إلى الاستئناس بآراء وأقوال الرجال، وطرح الهدى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، التقليد الذي يطرح به الحق، ويعتنق بسببه الباطل. من أمثلة ذلك يشير الغامدي: التغالي في تعظيم الشيوخ، وزعماء المذاهب والطوائف، تعظيماً يجعلهم في منزلة من لا يُسأل عما يقول. أو يفعل، كما تفعل الفرق الضالة، فالشيخ عندهم محل السمع والطاعة المطلقة. وكثير من اتباع المتعبدة يطيع بعض المعظمين عنده في كل ما يأمر به، وإن تضمن تحليل حرام أو تحريم حلال. حتى أن عبارة «من اعترض فقد انطرد» من المسلمات عند المرتدين والسالكين اتباع الصوفية. 2 اتباع المذهب والطائفة: وهو أيضاً من التقليد المذموم، الذي قاد إلي بدع كثيرة، إذ إن أكثر فرق المبتدعة تضع لنفسها أصولاً وقواعد بدعية عقلية كالمعتزلة، أو ذوقية كالصوفية، فمن تقيد بهذه الأصول وسار عليها، فهو عندهم المؤمن ومن خالفها فهو الكافر أو الفاسق. بل ربما جعل ذلك المبتدع طائفته من أهل السنة والجماعة، ومن خالفها فهو من أهل البدع، وبذلك تنتشر البدع في اغمار الناس وفي من التبس عليه الحق بالباطل أو اتبع هواه وظنه. واتِّباع المذاهب والطوائف في الحق والباطل، من أكبر المنكرات وأعظم المحرمات، بل هو مسلك اليهود كما قال تعالى {وّكّانٍوا مٌن قّبًلٍ يّسًتّفًتٌحٍونّ عّلّى پَّذٌينّ كّفّرٍوا فّلّمَّا جّاءّهٍم مَّا عّرّفٍوا كّفّرٍوا بٌهٌ فّلّعًنّةٍ پلَّهٌ عّلّى پًكّافٌرٌينّ (89)[البقرة: 89]. فوصف اليهود، أنهم كانوا يعرفون الحق قبل ظهور الناطق به والداعي إليه، فلما جاءهم الناطق به من غير طائفة يهوونها لم ينقادوا له، وأنهم لا يقبلون الحق إلا من الطائفة التي هم منتسبون إليها، مع أنهم لا يتبعون ما لزمهم في اعتقادهم. وهذا يُبتلى به كثير من المنتسبين إلى طائفة معينة في العلم أو الدين من المتفقهة أو الصوفية أو غيرهم، أو إلى رئيس معظَّم عندهم في الدين غير النبي صلى الله عليه وسلم فإنهم لا يقبلون من الدين رأياً ورواية إلا ما جاءت به طائفتهم. 3 اتباع العادة والعرف والشائع: وهذا من أسوأ أنواع التقليد، إذ يظن البعض أن الأمر المبتدع إذا جرت به العادة بين الناس أو أصبح عرفاً عندهم، أو شاع في الناس فإنه لا يقبل المعارضة ولا يتطرق إليه النقض. بل مما يزيد هذا الأمر سوءاً أن يعتقد أن مجرد الاعتياد على الفعل وكونه أصبح شائعاً متعارفاً عليه، يكسبه شرعية تجيز فعله، مع أنه من المعلوم الثابت في الشريعة أن «شيوعة الفعل لا تدل على جوازه» ومع ذلك فإن كثيراً من العامة واشباههم، يعتنقون كثيراً من البدع على أنها سنن بسبب عمومها وشهرتها واستدامة مبتدعيها لفعلها. بل ويحتجون بذلك على كونها سنناً، أو بدعاً حسنة، ويجعلون ذلك الجاري والشائع بين الناس اجمالاً لا تصح مخالفته، ولو كانت مباينته للسنة جلية. الفصاحة والبيان ويواصل فضيلته بذكر بعض أسباب البدع فيشير إلى أخذ بعض أهل السلطة بها أو سكوتهم عنها، وكذلك كون المبتدع من ذوي الفصاحة والبيان، وقد قال عليه الصلاة والسلام:«إن من البيان لسحراً» وهكذا كان حال المعتزلة فما من طبقة من طبقاتهم إلا وفيها فصحاء بلغاء، ومنها يذكر فضيلته احتفاء المبتدعة ببعضهم وتعاونهم فيما بينهم وهذا من الأسباب القوية التي أدت إلى انتشار البدع. ترويج القنوات الفضائية بعد ذلك يدلف الشيخ محمد بن سعد السعيد إمام وخطيب جامع سلطانة الشرقي ليؤكد على الخلل الذي تروجه كثير من المحطات الفضائية من البدع في قالب مشوق جذاب وبأساليب مختلفة تارة تكون بفتوى من لا يجيد الفتوى وليس من أهلها فيلبس على الناس دينهم، وتارة بإبراز الأعياد البدعية مجاراة مع الناس وتمشياً مع أحوالهم ولو كانوا على باطل وذلك مما انتشر عند المسلمين من أعياد شاركوا فيها الكفار وقلدوهم وساروا على منهجهم قال تعالى {وّدٍَوا لّوً تّكًفٍرٍونّ كّمّا كّفّرٍوا فّتّكٍونٍونّ سّوّاءْ (89)} [النساء: 89]. ومن هذه الأعياد «عيد رأس السنة الميلادية عيد الميلاد وعيد الحب وعيد الأم» ومن البدع التي يقع فيها المسلمون وتروج لها المحطات الفضائية وتعنى بها مولد النبي صلى الله عليه وسلم وليلة الإسراء والمعراج وإحياء ليلة النصف من شعبان وصيام نهارها وبعض البدع التي تقع في رجب والاحتفال بهجرة النبي صلى الله عليه وسلم مع بداية شهر محرم من كل سنة مع العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما هاجر في غرة شهر ربيع الأول وكذلك ما يحصل عند بعض الفرق من المآتم والحزن وضرب الخدود وشق الجيوب وإسالة الدماء وذلك في العاشر من محرم ومن البدع التشاؤم بشهر صفر وتأجيل الزواج فيه وعدم السفر فيه قال عليه الصلاة والسلام: «لا عدوى ولا طيرة ولا صفر» وغير ذلك من البدع التي تقوم المحطات الفضائية بإحياء ذكراها والدعوة إليها بنشر البرامج التي تعنى بها على شكل فتوى، ومقابلات ولقاءات مباشرة، وأناشيد يزعمون أنها إسلامية وقد تحتوي على شركيات وبدع وخزعبلات ما أنزل الله بها من سلطان. ويحذر الشيخ السعيد في ختام حديثه من هذه القنوات قائلاً: فعلى المسلم أن يكون على حذر من خطر هذه المحطات الفضائية خصوصاً ما يتصل بالعقيدة والشرع المطهر، لأننا نحن المسلمين لا نستقي ديننا من منابع المحطات الفضائية وما شابهها، لكن نستقي ديننا وتشريعنا من الكتاب والسنة وأقوال العلماء الراسخين في العلم، ولو عرف من يقوم بإدارة غالب هذه المحطات الفضائية من أناس هدفهم المادة والشهرة وصرف المسلمين عن منهج الحق وإغراق الناس في حياة اللهو والشهوات والملذات، لو تبين للمرء هذه الحقيقة المرة لما سمح لنفسه ولا لأسرته بالجلوس عند هذه الشاشات الفضائية ولما أدخلها بيته فليحذر من أن يموت يوم يموت وهو غاش لنفسه ولرعيته من زوجة وأولاد. وسائل محاربة البدع والخرافات وحول أبرز الوسائل لمحاربة هذه البدع فيشارك الشيخ محمد بن حسن الدريعي عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام ليوضح النقاط التالية: 1 ان نأخذ علمنا من صريح القرآن وصحيح السنة فإن ذلك هو المنهج الذي ندبنا اليه ربنا بقوله: {وّأّنَّ هّذّا صٌرّاطٌي مٍسًتّقٌيمْا فّاتَّبٌعٍوهٍ وّلا تّتَّبٌعٍوا پسٍَبٍلّ (153)} [الأنعام: 153] أي طرق المنحرفين وقد نبه عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أي حين «خطَّ خطَّاً مستقيماً وخطَّ عن يمينه خطوطاً متعرجة وخطَّ عن يساره مثلها وقال عن الخط المستقيم هذا سبيل الله أي دينه وصراطه وطريقه الصحيح وأما الخطوط عن يساره ويمينه فقال وهذه سبل وعلى كل سبيل شيطان يدعو إليه» فعلينا أن نتقي الله ونحذر سبل الضالين ونأخذ سبل {پَّذٌينّ أّنًعّمّ پلَّهٍ عّلّيًهٌم مٌَنّ پنَّبٌيٌَينّ وّالصٌَدٌَيقٌينّ وّالشٍَهّدّاءٌ وّالصَّالٌحٌينّ وّحّسٍنّ أٍوًلّئٌكّ رّفٌيقْا } [النساء: 69] 2 أن يسود بين المسلمين واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بوساطة العلماء المحققين وأن تهيأ أمامهم الفرص وأن يعلن أنهم أصحاب الكلمة النافذة في المجتمع وأن تخرس ألسنة المبتدعين والمخرفين وأن توقف نشاطاتهم سواء كانت نشاطات كتابية أو قولية أو سلوكية وبهذا نستطيع أن نقول ان عقيدة التوحيد منصورة في المجتمع الإسلامي إذا ما أطيح بتلك الطوائف والمبتدعات التي لا تمت إلى الدين والحقيقة بصلة.. 3 أن تُسَخَّر وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية للكشف عن هذه الحقائق وبيانها للناس فلا بد أن تتبنّى وسائل الإعلام في بلاد المسلمين الكشف عن هذه الحقائق {لٌَيّهًلٌكّ مّنً هّلّكّ عّنً بّيٌَنّةُ وّيّحًيّى" مّنً حّيَّ عّنً بّيٌَنّةُ} [الأنفال: 42] 4 أن يقوم المعلمون والمعلمات أثناء تلقينهم وتعليمهم للطلاب والطالبات بتوجيه ناشئة المسلمين إلى الحذر من البدع وعليهم أن يتقوا الله في أبنائهم وبناتهم وأن يعرفوا حقائق الدين. فإن ثمة من يعبث بأمر الدين ويحاول تنقيصه في نفوس المسلمين تارة بأن النبي لم يكمله وجاء من يكمله من أدعياء العلم والفقه في الدين وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد جاء بدين منحصر في طقوس العبادات وفي شعائر التعبد ولا مساس له بالحياة.