وقفت وهي تداري دميعات مندفعة حاولت الخروج إلى أرض الواقع لتعلن للملأ حالات الظلم والاستبداد التي كانت تتعرض لها كل يوم!!؟ كانت حياتها أشبه بالحلم... رفاهية.. حنان.. دفء يشع في أركان المنزل الكبير!! .. فاطمة هي آخر القطاف الذي أثمر بعد لقاء اثنين تعاهدا على الإخلاص والحب وبذل الكثير لحياة طيبة مطمئنة تحمي مراحل عديدة ابتداء من الطفولة إلى الصبا إلى مرحلة هي من أصعب المراحل التي يمر بها الأبناء.. مرحلة المراهقة..؟!! ولكن...!!؟ لم تمهلها الأيام لتتذوق حلاوتها بجانبهما فقد حلّ قضاء الله وانتقل والدها ووالدتها إلى دار الخلود معلنين بذلك أروع صور الوفاء بالعهد والإصرار على الرفقة دون افتراق. فقد رحلا في حادث مروري فجأة بدون موعد! وهذه الحياة نسير فيها لاهثين.. باحثين عن بصيص لأمل.. عن واقع لحلم جميل نحاول تحقيقه ولا نعرف هل نصل يوماً إليه أم نتوقف في لحظة ما في محطة من محطات العمر بتوقف نبضات قلوبنا المتعبة!!. حاولت مجاراة الأمور والسير في طرقاتها المتعرجة.. ولكن لم تدعها ألوان الشقاء بل لازمتها كظلها؟ فقد استقر بها المقام عند أخيها الأكبر وزوجته..!! إلا أن الأخيرة لم يرق لها ذلك فحاولت التنغيص عليها قدر المستطاع لأنها أحست بأن هناك من سرق منها اهتمام زوجها لها.. أما أولادها بعد ما كانت تشكو من ضجيجهم ومشاكساتهم تحولوا إلى أطفال هادئين وكأن مجيئها فرحة كبرى.. عيد أشرقت شمسه واغتبط الصغار بقدومه!! كانت لا تنام حتى تنهي جميع شؤون المنزل.. لأن الخادمة قد اختلقت معها زوجة أخيها مشكلة وأصرت على ترحيلها. ومع ذلك لا يروق لها أي عمل تقوم به «فاطمة»؟؟!!. حتى أتى يوم وأصدرت قرارا بعدم إتمام تعليمها؟!! فهي طالبة جامعية مهذبة هادئة خلوقة دائما ما كانت تترقرق في عينيها دموع.. في كل سكنة من سكنات روحها.. في كل مرة تبحر بها إلى البعيد القريب من أحداث حياتها!!. بكت..أروت وسائدها دموعاً غزيرة.. فحتى أستاذة المادة عنّفتها عند حصولها على درجة ضئيلة.. لم تمهلها.. لم تبحر عبر شطآن عينيها الحوريتين فتصطاد منهما ما يؤرقها.. لم تسأل مجدافيها عما كان يربض عليهما فيعيق تحرك المركب.. بل اكتفت بالتأنيب ولفت نظرها «بإنذار» وصمتت وكأنها بذلك أتمت واجبها ولم تعلم بأنها عملت على إسقاط أروع الأحاسيس في أعماقها.. لم تعلم بأنها كانت معول هدم لكل بقايا أمل لنجاح أمانيها!! صار لها أسبوع.. لم تدعها زوجة أخيها تذهب إلى ذلك المتنفس الوحيد لأوجاعها وضم ما تلاقيه في معترك ساحته إلى تهميشها في المنزل.. حتى أضربت عن الطعام وهزلت!!؟ كان مجيء خالها «عبدالعزيز» منقذا لها وكأنه أحس بشيء يختلج كيانها.. لقد تلمس ذهولها وهي تقدم له القهوة فتملأ الفنجان حتى فاض وتناثرت قطراته حول أناملها. لقد سمع صوت أنين مكتوم بالكاد يتسرب إلى مسامعه ولكنه أنين مذبوح!!؟؟ استفسر عن عدم ذهابها للجامعة «وعرف السبب»!! حاول إقناع أخيها بضمها إلى بناته فرفض الأخير؟؟ حتى توصل إلى حل آخر ينتشلها من براثن الأحزان هو «السكن الجامعي» فوافق بعد تردد. كان ذلك القرار بالنسبة لها بوابة الفرج من تلك القيود. تقاسمت وصديقة لها إحدى غرف السكن وراحت تبحر عبر شطآن عينيها فيروعها ذلك الموج الهائج الذي فاض حتى تعدى جزيرة أهدابها الكثيفة.. اقتربت منها.. تلمست أوجاعها فكانت نفسها المذبوحة تئن بصمت.. تثور بأوجاع داخلية لا يشعر بها من حولها. فقط هي من تعاني الآلام بذهول. تحدثت فاطمة إلى صديقتها تلك وكأنها نكأت جراحات عميقة ففجرت أوراماً من الكدر وبدأت بالنزف. صار عند فاطمة قناعات كثيرة بأن خلف الأسوار كرامات مذبوحة.!! انطلقت نظراتها صوب الأفق.. صوب لا شيء وراحت تسترجع آلامها.