أحسنت جائزة أمين مدني في تاريخ الجزيرة العربية عندما التفتت هذا العام إلى عالم ومؤرخ، ملأ المكتبة علماً، ولكنه ابتعد عن الأضواء الإعلامية، قارب الآن السبعين من عمره الذي قضى زهرته وشيخوخته في خدمة تاريخ الجزيرة العربية، وكان واحداً من الرواد الذين شقوا مسالك البحث لمن جاء بعدهم، فهو حاضر ببحوثه، غائب عن تكريم أهله له. عاتق بن غيث البلادي فتحت بحوثه الدروب لكثير من الباحثين في البحوث الجغرافية وفي الأنساب، وله على رفوف المكتبة ما يزيد عن أربعين كتاباً، ولكن لم يُلتفت إليه ويُكَرَّم من المؤسسات العلمية قبل فوزه هذا العام بجائزة أمين مدني في التاريخ، وهذا التكريم وإن جاء متأخراً لكنه رفع بعض الملام عن عدم تكريم هذا المؤرخ الجغرافي النسَّابة، ومن أسباب ذلك التركيز على من حولهم هالة إعلامية. أول ما عرفته من خلال ما كان يكتبه تحت عنوان «أشهر أودية الحجاز» في مجلة العرب التي أسسها ورعاها علاَّمة الجزيرة العربية الشيخ حمد الجاسر رحمه الله الذي كان رائداً في رعاية باحثي هذه البلاد وتشجيعهم والنشر لهم، ثم قرأت كتابه «نسب حرب» الذي كان له الريادة أيضاً في مجال الأنساب، وتابعه على نهجه كثير ممن جاءوا بعده، ثم تتالت مؤلفاته التي اعتمدت البحث والعمل الميداني وليس النقل عن الآخرين وبخاصة بحوثه الجغرافية والتاريخية مثل (قلب الحجاز) و(على طريق الهجرة) و(رحلات في بلاد العرب) و(الرحلة النجدية)، و(المعالم الجغرافية في السيرة النبوية) و(بين مكة واليمن)، و(على رُبى نجد)، و(أودية مكة)، و(معالم مكة التأريخية والأثرية» و(بين مكة وحضرموت) وغيرها. ومن أهم مؤلفاته «معجم معالم الحجاز» في عشرة أجزاء و(معجم قبائل الحجاز) في مجلد ضمّ القبائل قديماً وحديثاً، ومن أهم كتبه (الأدب الشعبي في الحجاز) الذي عرّف فيه بأنواع الشعر الشعبي وألحانه وأدب المجالس وآداب الزيارة والزواج والعزاء وغيرها من عادات شعبية لم أرَ من وصفها قبله، والأكلات والقضاء والطب البيطري وغيرها من أمور كادت تندثر، ولم يعتمد في ذلك على كتاب سابق، بل وصف ما عرفه، ومن أهم ما فيه اللهجات في إقليم الحجاز، وكذلك كتاباه (طرائف وأمثال شعبية) و(أخلاق البدو). عمل عاتق البلادي عسكرياً في الجيش حتى وصل رتبة مقدم ثم تفرغ للبحث والتأليف ويكاد يكون منقطعاً لذلك، وكان سابقاً يكتب في كثير من الصحف والمجلات ولكنه في سنته الأخيرة انقطع للبحث والنشر، وهو من العسكريين القلائل الذين برزوا ثقافياً. عاتق البلادي باحث أصيل شقّ طريقه كما شقّه الروَّاد لم ينتظر من البحث والدراسة مغنماً سوى خدمة الثقافة، وقد فعلت خيراً جائزة أمين مدني عندما كَرَّمت هذا الرائد الذي يستحق بجدارة هذا التكريم الذي جاء رائداً ريادة من حملت اسمه في البحوث الجغرافية والتاريخية للجزيرة العربية عبر أحقاب التاريخ، فكان تكريم الباحثين بعد موته استمراراً لبحوثه وجهوده الرائدة، وحبذا لو سارت على منوالها بعض مؤسساتنا الثقافية في تكريم الرموز الثقافية في حياتها. للتواصل ص ب 45209 الرياض 11512 الفاكس 4012691.