سيلقي الدكتور صالح بكر الطيار ورقته ضمن جلسات ندوة مساء اليوم تحت عنوان «الاسلام والحضارة: صراع أم حوار» وفيها يتحدث عن واقع التفاعل الحضاري وآفاق المستقبل فيقول: في كتيب صدر في بداية التسعينيات بعنوان «تغيير العالم، جدلية السقوط والصعود والوسطية» أكد الأستاذ السيد يسين مستشار مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، على سقوط الشمولية كنظام سياسي مرة واحدة وللأبد، وأن العالم يشهد نهاية حضارة عالمية تنهار، وبداية حضارة عالمية جديدة في طور التشكل، شعارها وحدة الجنس البشري. بيد أنه يراجع رأيه في كتابه «العالمية والعولمة» الصادر في العام الماضي، ويعترف بأنه كان متفائلا أكثر مما ينبغي، ذلك ان التعمق في قراءة الملامح الراهنة للنظام العالمي المتغير، توضح لنا على حد قوله أننا بصدد معارك كبرى ايديولوجية وسياسة وثقافية واقتصادية، من الصعب التنبؤ الآن بنتائجها النهائية؛ لأن المسألة تتوقف على قدرة الشعوب على مواجهة العملية الكبرى التي تقودها الولاياتالمتحدةالأمريكية تحت شعار العولمة، لاعادة انتاج نظام الهيمنة من جديد.لذلك، فهو في تصوره لسيناريوهات المستقبل يتوقع ان الصراع سوف يستمر داخل المجتمعات العربية الاسلامية، ويتساءل: كيف ونحن منقسمون يمكننا ان نجابه تحديات الحوار مع الحضارة الغربية في ظل العولمة الجديدة؟بيد أنه بحكم تسليمه بسيطرة الغرب على معظم مناطق الكون، ونجاح الحضارة الغربية في ان تجعل من نفسها مرجعا كونيا، يرى انه من الضروري أن تكون هناك مجالات للحوار بين الحضارة الاسلامية والحضارة الغربية، ويبني هذه الضرورة على حقيقة تاريخ الأخذ والعطاء بين الحضارتين، فالحضارة الغربية كما يقول:«زعمت أنها مشتقة من الحضارة اليونانية والرومانية، وأغفلت تأثرها البالغ بالحضارة الاسلامية»، ومن هنا يتعين علينا ان نعيد الأمور الى نصابها وأن ننظر اليها على أنها حضارة عالمية أخذت منا وأعطت، وبالتالي ليس علينا حرج لو أخذنا منها، لأنه سبق أن أعطيناها. ويحدد مجالين ممكنين للحوار بين الحضارتين: المجال الأول: هو الخاص بالمعرفة الانسانية ودور العقل الذي كرسته الحداثة الأوروبية، ويقول في هذا الصدد: إن الغرب يمر اليوم بحكم التحول من الحداثة الى ما بعد الحداثة باجراء عملية مراجعة معرفية عرفها تاريخه.. هذه المراجعة تعني أن هناك مجالا واسعا للحوار حول موقع العقلانية في فضاء الفكر الانساني.. والانفتاح أمام مصادر أخرى بجانبها. أما المجال الثاني للحوار، فهو المتعلق بالانسان والتنظيم السياسي والاجتماعي، وأفكار الليبرالية بكل مكوناتها، كالحرية والديمقراطية والمجتمع المدني،فعندنا من يرفعون مبدأ الشورى في مقابل الديمقراطية، وآخرون يريدون ان يضعوا قيوداً على الحرية التي تمارس بشكل مطلق في الغرب، مما يشكل تحدياً للأعراف والتقاليد والقيم الاسلامية.إلا أننا لو تتبعنا الحوار الدائر داخل معسكر أنصار الشورى نجد ان هناك تقدما ملحوظا فيما يتعلق بفكرة الديمقراطية واجراءاتها، كما نلاحظ ذلك في كتابات عدد من العلماء المسلمين مثل الشيخ القرضاوي الذي دخل السيد يسين في حوار طويل معه في هذا الصدد على صفحات الجرائد والكتب، ومثل الدكتور توفيق الشاوي الذي أسهم في الحواربكتاب بالغ الأهمية، عنوانه «فقه الشورى والاستشارة». هكذا يتضح لنا أن الحوار مع الغرب ينبغي أن يتساوق مع الحوار في الداخل، الذي يفترض ان تشترك فيه جميع الأطراف على قدم المساواة وبشرعية كاملة، خاصة أن الأزمة التي نعيشها داخل مجتمعاتنا العربية الاسلامية في العقود الأخيرة، أزمة مركبة تتساوق فيها أزمة النهضة العربية الاسلامية الحديثة الأولى التي أعلنت اخفاقها بنكسة «1967م»، ووقعت على وثيقة فشلها بنشوب حرب الخليج الثانية، وتتزامن مع الأزمة العالمية الشاملة، والسبب في تفجر هذه الأزمة على المستوى العالمي هو عجز الأطر الفكرية والسياسية والاقتصادية التي طورتها المجتمعات الغربية أثناء حقبة الحداثة الماضية، عن الرد على متطلبات الثورة التقنية والمعلوماتية التي فجرتها عولمة ما بعد الحداثة. فعلى المستوى العالمي، لم يحصل في أي حقبة أخرى من التاريخ الانساني أن تطورت حركة التشاور والمفاوضات الجماعية بين الدول الكبرى لتنظيم العلاقات الدولية من وجهة نظر المصالح التي تحرك كلا منها كما هو حاصل اليوم، وقد أصبحت هيئة الدول السبع أو الثماني، باجتماعاتها الدورية والأهمية الحاسمة للقرارات التي تصدر عن اجتماعاتها بمثابة هيئة أركان حرب حقيقية للسياسة الاقتصادية على الصعيد العالمي. ويقال الأمر نفسه عن منظمة التجارة الدولية والدور التنظيمي العالمي الذي يلعبه النظام التمويلي الدولي وعلى رأسه صندوق النقد الدولي الذي تسيطر عليه الدول الصناعية والذي أصبح اليوم هو المركز الرئيسي لبلورة السياسات الاقتصادية، ومن ورائها السياسات الاجتماعية، للغالبية العظمى من الدول النامية إن لم يكن لجميعها من دون استثناء. والضحية الأولى للثورة التقنية والعلمية، وللأزمة العالمية المرتبطة بها، ليست البلدان الغربية الغنية ولكن المجتمعات الفقيرة التي لم تستطع ان تسيطر بعد على عملية التنمية، لا في نموذجها الصناعي القديم ولا في نموذجها التقني الراهن. ولا يمكن ضمان المستقبل ووقف التراجع والتهميش العام للعالم العربي والمجتمعات العربية الاسلامية إلا إذا نجحنا في بلورة الأطر الديمقراطية التي تسمح بالتشاور والتعايش بين جميع القوى الموجودة من أجل تأسيس قواعد التضامن والاجماع الوطني الذي يشكل أساس التضامن والتعاون الاقليمي بين البلدان العربية الاسلامية كحلقة وسيطة لتحقيق التشاور الاسلامي الأوسع والمساهمة المؤثرة في تحديد معالم الحضارة العالمية الجديدة.