تعتبر زيارة الرئيس مبارك لواشنطن من أهم الزيارات التي قام بها للولايات المتحدةالأمريكية، حيث تأتي في وقت تشهد فيه الساحة العالمية والعربية العديد من القضايا الساخنة والمعقدة بعد التداعيات التي تركتها أحداث 11 سبتمبر على العالم وعلى منطقة الشرق الأوسط، وخصوصاً في ظل وجود حالة من التوتر والقلق تسود المنطقة العربية نتيجة للأوضاع المتفجرة في الأراضي المحتلة واحتمال توجيه ضربة أمريكية للعراق. وحملت الحقيبة المصرية العديد من القضايا والملفات المهمة التي دارت حولها مباحثات الرئيس مبارك مع الرئيس الأمريكي بوش وعدد من المسؤولين الأمريكيين وأعضاء الكونجرس حيث تركزت المباحثات حول ضرورة وضع حد لتدهور الأوضاع في الأراضي الفلسطينية وإحياء عملية السلام في الشرق الأوسط ودعم العلاقات الثنائية بين مصر والولاياتالمتحدة في شتى المجالات بما في ذلك سبل مكافحة الإرهاب الدولي. الملف السياسي تأتي قضية الشرق الأوسط في مقدمة الملف السياسي الذي تناولته مباحثات الرئيس مبارك خلال زيارته في محاولة لتحريك الدور الأمريكي نحو وضع حد للوضع المتدهور في الأراضي المحتلة ووقف أعمال العنف واستئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي وتناولت المباحثات مبادرة سمو الأمير عبدالله ولي العهد السعودي حول إحياء عملية السلام والتي أكد مبارك على أنها مبادرة طيبة وتعبر عن موقف عربي ثابت من السلام مع إسرائيل كما بحث مبارك مع المسؤولين الأمريكيين مسألة رفع الحصار عن الرئيس عرفات والحصول على ضمانات أمريكية لحضوره مؤتمر القمة العربية القادم في بيروت. ويتوقع ان تحقق زيارة مبارك نتائج إيجابية تجاه الموقف الأمريكي من عملية السلام خاصة في ظل وجود موقف عربي قوي زاد من قوته المبادرة السعودية الأخيرة التي أكدت أن العرب هم دعاة سلام في مقابل ممارسات شارون الوحشية والانتهاكات الإسرائيلية المستمرة ضد الشعب الفلسطيني، وبعد ان لاقت هذه المبادرة ترحيباً من الرئيس بوش وأعلن باول أنها مبادرة إيجابية وتأتي في توقيتها مع بدء مساع جديدة من واشنطن لوضع حد لأعمال العنف المتصاعدة في الشرق الأوسط، وهو ما ينبئ بأن واشنطن قد سلمت بأنه حان الوقت لتستمع إلى أبعاد الرؤية العربية حول عملية السلام، وعلى هذا يمكن ان تحقق الزيارة نجاحات فيما يتعلق بدفع الموقف الأمريكي من إقامة الدولة الفلسطينية وزيادة حماس واشنطن لاستئناف المفاوضات بين الجانبين. على الجانب الآخر يرى بعض المراقبين ان نجاح الزيارة في تحقيق نقاط إيجابية فيما يتعلق بعملية السلام يواجه الكثير من الصعوبات ويرى هؤلاء صعوبة في ان ينجح مبارك في إقناع الولاياتالمتحدة والإدارة الأمريكية بالتخلي عن تحيزها لإسرائيل والذي يشجعها على استمرار سياستها القمعية ضد الفلسطينيين، وهو ما يبرز شكوكاً كثيرة حول دور أمريكي إيجابي يمارس ضغوطاً جدية على شارون تجعله يقبل بالمبادرة العربية وينسحب من جميع الأراضي العربية التي احتلت عام 1967 وهو ما لا تتوافرنية إسرائيلية بقبوله مع استمرار الأعمال الوحشية ضد الفلسطينيين كذلك توجد صعوبات كبيرة في اقناع أمريكا بتغيير موقفها من الرئيس عرفات والضغط من أجل رفع الحصار عنه والتخلي أيضا عن الخلط بين الإرهاب والمقاومة الشرعية التي تمارسها منظمات المقاومة الفلسطينية والتي تضعها أمريكا ضمن منظمات الإرهاب. وهو الأمر الذي عبرت عنه مستشارة الأمن القومي الأمريكي كوندا ليزارايس في حديثها للتلفزيون المصري قبل زيارة مبارك لواشنطن بقولها ان مغادرة أو عدم مغادرة عرفاترام الله مسألة ليس لها تأثير وان الولاياتالمتحدة مازالت تعتقد ان منظمات مثل حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي وغيرها تندرج تحت تعريف الإرهاب العالمي ولابد ان يفصل عرفات السلطة الفلسطينية عن هذه المنظمات ويعتقل المسؤولين عن الإرهاب. كما تناولت مباحثات مبارك في واشنطن قضية العراق والتي باتت تطرح نفسها بقوة في إطار الزيارة المرتقبة لنائب الرئيس الأمريكي تشيني إلى المنطقة والتي يخمن البعض أنها متعلقة بالعراق في الوقت الذي يتزايد فيه الإحساس بقرب وقوع الضربة الأمريكية للعراق مع تصاعد التصريحات الأمريكية في هذا الاتجاه ويأتي هذا كله مع تأكيد معظم الدول العربية رفضها لضرب العراق من منطلق عدم قبول فكرة تغيير الأنظمة بالقوة. وحمل مبارك تحذيرات لواشنطن بأن ضرب العراق سوف يشعل المنطقة ليس فقط دفاعاً عن الشعب العراقي الذي طحنته الحروب والمعاناة لسنوات طويلة وإنما أيضاً تعاطفاً مع صدام حسين الذي سيحصل على فرصة ذهبية وقتها ليظهر باعتباره متحدياً لأمريكا حليفة إسرائيل ومن الصعب التكهن بنجاح مبارك في التأثير على الموقف الأمريكي تجاه ضرب العراق خاصة في ظل سيطرة الاتجاه المتشدد للصقور الأمريكيين على موقف الادارة الأمريكية من العراق وكذلك احتمال زيادة عناد العراق وعدم التزامه فيما يتعلق بعودة المفتشين الدوليين ولذلك فمن المتوقع ألا يكون هذا الموضوع قد نوقش باستفاضة أو بصورة عملية بين الطرفين. العلاقات الثنائية وتحتل العلاقات الثنائية بين البلدين جانباً كبيراً من محادثات الرئيس مبارك في واشنطن خاصة في ظل وجود بعض السلبيات التي شابت هذه العلاقة بسبب وجود خلافات في السياسة الخارجية للبلدين تجاه قضايا الشرق الأوسط وكذلك وجود صورة سلبية لمصر لدى النخبة السياسية والرأي العام الأمريكي صنعتها وسائل الإعلام الأمريكية بتحريض من اللوبي الصهيوني وقوى الضغط اليهودي داخل الكونجرس والتي تحاول دائماً ربط العلاقة المصرية الأمريكية إيجاباً وسلباً بعلاقة مصر مع إسرائيل وطالبت بتقليص المساعدات العسكرية لمصر وضرورة عودة السفير المصري إلى تل أبيب، وقد ركزت الحملة التي روج لها أنصار اللوبي الصهيوني على تأكيد وجود أزمة في العلاقات الأمريكية المصرية وان مصر لم تساند أمريكا في حملتها هذا الإرهاب ووجهت الحملة انتقادات واسعة للسياسة الإعلامية والتيارات الثقافية في مصر التي تشجع على العداء للغرب وأمريكا. هذه السلبيات وهذه الصورة السلبية جعلت مبارك يواجه تحديا كبيرا في زيارته لواشنطن وفي لقاءاته مع النخبة الإعلامية والسياسية الأمريكية لتصحيح هذه الصورة وإزالة هذه السلبيات التي تشوب العلاقات المصرية الأمريكية وهو أحد الأهداف الأساسية لهذه الزيارة والذي يأتي استكمالا لجهود دبلوماسية عديدة بذلت من أجل التخفيف من حدة الهجوم على مصر. وركزت المباحثات المصرية الأمريكية في إطار العلاقات الثنائية على العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين لدفع عجلة الاقتصاد المصري الذي مني بخسارة فادحة في مجالات عديدة عقب أحداث 11 سبتمبر تجاوزت 3 مليارات دولار وكانت أمريكا قد سارعت بعد هذه الأحداث باتخاذ خطوات تنفيذية فورية على الصعيد المالي لدعم الاقتصاد المصري من خلال تقديم معونة إضافية عاجلة وتحويل برنامج مساعدات عام 2002 بالكامل إلى الصورة النقدية وإعفاء المساعدات النقدية لعام 2002 والمتجمدات عن الأعوام السابقة من شرط إتمام الإصلاحات المتفق عليها وتحويل الاستفادة من برنامج الاستيراد السلعي في القطاع الخاص إلى الحكومة ومشاركتها في مؤتمر الدول المانحة الذي عقد مؤخرا في شرم الشيخ وأقر 3.10 مليار دولار على مدار السنوات الثلاث القادمة لدعم الاقتصاد المصري. وتأتي أمريكا في مقدمة شركاء مصر التجاريين وتمثل سوقها أهمية بالغة للاقتصاد المصري فقد بلغ إجمالي قيمة التبادل التجاري بين مصر والولاياتالمتحدةالأمريكية 4.4 مليار دولار خلال الفترة من يناير إلى نوفمبر 2001م وبلغ إجمالي الصادرات خلال هذه الفترة 830 مليون دولار في حين بلغ إجمالي الواردات نحو 6.3 مليار دولار وذلك مقابل 798مليون دولار صادرات مصرية لأمريكا خلال الفترة من يناير إلى نوفمبر 2000 ونحو 3 مليارات دولار واردات مصرية منها خلال الفترة نفسها.وقد أوضحت دراسة مصرية مقارنة ان إجمالي صادرات الغزل والنسيج والملابس لأمريكا بلغت 75.341مليون دولار خلال الفترة من يناير إلى اغسطس 2001م بزيادة قدرها 6.11% عن الفترة نفسها من عام 2000 كما بلغت صادرات الأسمدة والكيماويات 1.43 مليون دولار بزيادة نحو 329% عن الفترة نفسها من عام 2000 وصادرات السجاد وأغطية الأرضيات 8.28مليون دولار بتراجع بلغت نسبته 13% وبلغت صادرات السلع المعدنية والتعدينية 3.23مليون دولار بزيادة 4% وبلغت السلع الزراعية والمنتجات الغذائية نحو 3.13 مليون دولار بزيادة 5.15% على الفترة نفسها من عام 2000 والسلع الاستهلاكية 9.23 مليون دولار بزيادة 3.19%. ومن ناحية أخرى بلغ إجمالي الواردات من الآلات والمعدات والأجهزة خلال الفترة من يناير إلى أغسطس 2001 حوالي 1099مليون دولار بانخفاض نحو 5.17% عن نفس الفترة من عام 2000 ووصلت السلع الزراعية والغذائية 9.624 مليون دولار بانخفاض حوالي 4% عن نفس الفترة من عام 2000 وبلغت الخامات والسلع الوسطية 7.530 مليون دولار بزيادة مقدارها 145% على الفترة نفسها من عام 2000. وفي إطار العلاقات الاقصتادية والتجارية بين مصر والولاياتالمتحدةالأمريكية وسبل دعمها ركزت مباحثات مبارك على أربع قضايا هامة تتمثل في إبرام اتفاق التجارة الحرة بين البلدين والانضمام للمبادرة الأمريكية لدعم الدول الأفريقية AGOA بالإضافة إلى السعي نحو زيادة الصادرات المصرية للولايات المتحدة من خلال زيادة الاعفاءات والحصص الممنوحة لها وكذلك جذب مزيد من الاستثمارات الأمريكية لمصر وأخيراً الدخول مع أمريكا في مجالات تحديث الصناعة الوطنية والارتقاء بمستواها. ولاشك ان نجاح مبارك في تحقيق نتائج طيبة في مباحثاته حول هذه القضايا الأربع سيعطي الاقتصاد المصري دفعة قوية من شريك هام كالولاياتالمتحدة فالمعروف ان توقيع اي اتفاقية تسمح بدخول السلع المصرية إلى أمريكا دون جمارك والتي تتراوح بين 10% و25% ستزيد الفرص التصديرية للمنتجات المصرية فصناعة الملابس على سبيل المثال والتي تحقق صادراتها لأمريكا حوالي 500 مليون دولار سنويا إذا تم اعفاؤها من الرسوم الجمركية يتوقع ان تصل إلى ملياري دولار سنوياً.