لا أحد ينكر أن ويليام شكسبير يقف على هرم الأدب الغربي وبخاصة اللغة الانجليزية، فقد قدم كنوزا أدبية لا تقدر بثمن تصل إلى الدرجة التي تجعل النقاد يعتبرونه أحد أهم العناصر الأساسية التي ساهمت في تطور اللغة الانجليزية، وهو قريب الشبه بشاعر العربية أبي الطيب المتنبي من حيث شهرته التي بلغت الآفاق. لكن كل هذا الترف الأدبي الذي وصل إليه شكسبير يكاد يكون مزيفاً فلا أحد يستطيع أن يجزم أن شكسبير هذا هو من كتب كل هذه الأعمال الخالدة. شاعرنا المتنبي أيضاً تعرض للكثير من الأزمات المفتعلة والوشاية والتزييف لكن ذلك كله كان في حياته الشخصية ولم يمتد لحسن الحظ إلى منجزه الأدبي الذي يقف شامخاً بين أيدينا، إذ يكفي أن نذكر مثالاً لمثل هذا الهجوم الذي تعرض له المتنبي من أحد المبرزين في الأدب العربي الحديث وهو طه حسين إذ وصمه باللقيط الذي لا أصل له، لكنه لم يستطع أن يدلل على أقواله هذه التي فندها محمود شاكر في كتابه عن المتنبي والذي حصل بسببه على جائزة الملك فيصل العالمية للأدب. أما شكسبير فقد شكك الكثيرون في شخصيته التي كانت موضع جدل بين النقاد والأدباء وداخل أروقة أقسام اللغة الانجليزية في كل جامعات العالم، وقد امتد هذا الجدل لمدة تزيد عن القرنين، حيث رأى البعض أن المؤلف ما هو إلا فرانسيس بيكون، والبعض الآخر رأى أنه كريستوفر مارلو، فيما رأى آخرون أن ادوارد دي فري أو الايرل Earl السابع عشر لأكسفورد هو الكاتب الحقيقي. أصحاب نظرية مارلو بدؤوا هذا الشهر بعرض فيلم وثائقي عنوانه «ضجة صاخبة حول شيء ما» والذي استورد الكثير من أفكاره من كتاب هوفمان الذي نذر حياته لأكثر من ثلاثين سنة وهو يحاول أن يثبت أن مارلو هو صاحب أعمال شكسبير إلى الدرجة التي أخذ فيها الاذن بنبش جثة رئيس الجهاز السري للملكة اليزابيث الأولى الذي ساعد مارلو في الحصول على عمل، وقد ترك هوفمان الذي توفي في أواخر الثمانينيات نصف ثروته والتي تبلغ أكثر من مليون دولار لمن يثبت أن مارلو هو المؤلف الحقيقي. لكن، اتضح مع بداية عام 2000 أن أصحاب نظرية أكسفورد هم الأقرب إلى الوصول إلى الحقيقة فشكسبير الذي جاء من ستراتفورد لم يكتب هذه الأعمال الخالدة وإنما صاحبها هو ادوارد دي فيري، ذلك الارستقراطي الذي تتطابق حياته الشخصية مع هذه الأعمال الأدبية وبخاصة في مسرحية هاملت التي يمثلها هو شخصياً، كما يرى بعض النقاد مع الاختلافات البسيطة التي يتطلبها العمل الأدبي. ليس الأمر يقف عند هذا الحد بل ان لوحة ظهرت مؤخراً يعتقد أنها رسمت لشكسبير عام 1603 أثارت جدلاً واسعاً بين النقاد حيث اكتشف بعضهم أنها لا تطابق الملامح التي عرفوها عن شكسبير من لوحتين أصليتين له وتمثال نصفي نحته مارتن دروشورت موضوع فوق قبره. لكن في الطرف الآخر، فإن هناك من يرى أن شكسبير الذي نعرفه من بلدة ستراتفورد هو المؤلف الحقيقي لأن عشر مسرحيات لشكسبير كتبت بعد عام 1604 الذي مات فيه دي فيري الذي يعرف أيضاً بأكسفورد، لكن هذا الرأي يرفضه أصحاب نظرية أكسفورد لأنه لا يوجد اثبات أو دليل واضح يبين أن هذه المسرحيات كتبت بعد هذا التاريخ. أصحاب نظرية أكسفورد يدعون أنهم اقتربوا من الحقيقة إذ كشفت دراسة دكتوراة نوقشت في أبريل عام 2000 أن أكسفورد هو الكاتب الحقيقي، وتعتبر هذه الدراسة من أهم ألأحداث في تاريخ البحث عن الكاتب الحقيقي للأعمال التي عرفها الناس على أنها لشكسبير، وهي موضوع حديثنا الأسبوع القادم. إذن، كل شيء عن شكسبير الذي عرفه العالم والذي دأبت أقسام اللغة الانجليزية على تدريسه في الجامعات خاطئ ومزيف. شخصيته وخلفيته الاجتماعية وسلوكه تجاه الناس وجيرانه وأحاديثه المسجلة وحبه للمال، كل ذلك يتناقض مع الشخصيات التي يقدمها في أعماله المسرحية والشعرية مما يثبت أنه لا يمكن أن يكون هو المؤلف الحقيقي، ولو قبل الجميع بما يقوله أصحاب نظرية ستراتفورد من أن هذه الأعمال الخالدة جاءت بحثاً عن المال فإن هذا يعني أن أعظم كاتب أدبي في عالم اللغة الانجليزية هدفه المال فقط وهي نتيجة تنسف بالأدب وتحط من قدر أي كاتب آخر، بل تنسف أيضاً الانسان بشكل عام.