تدخل القارة السمراء عصر العولمة، وهي تضمد جراح الماضي، وتقع في عثرات الحاضر، حاملة العديد من الهموم والالام، فما زال الصراع بين النخب السياسية داخل الدول الافريقية على اشده، ناهيك عن الجفاف والفقر اللذين ينحران في جسد القارة منذ عقود، إضافة إلى الاطماع الخارجية وثقل المديونية على خزانة دول القارة، كل ذلك يثير العديد من التساؤلات حول مصير القارة في حقبة العولمة، فهل خرجت افريقيا من ظلم الاستعمار لتقع في فخ العولمة؟ وما هي الآثار السياسية والاقتصادية والثقافية للعولمة على القارة الافريقية؟ وهل اصبح التعاون العربي الافريقي ضرورة حتمية لمناهضة العولمة..؟ وما هي الحلول الواجبة للخروج بالقارة من هذا المأزق؟ كلها محاور اساسية تناولها مؤتمر «افريقيا والعولمة» الذي عقد مؤخرا بجامعة القاهرة على مدى ثلاثة ايام، حضره العديد من الباحثين والدارسين الافارقة، تحت إشراف الاستاذ الدكتور حمدي عبدالرحمن مدير برنامج الدراسات المصرية الافريقية. آثار سياسية وثقافية في البداية تحدثت الدكتورة نيفين حليم استاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة حول الآثار السياسية للعولمة على القارة الافريقية، حيث ظهر ذلك في اربعة اتجاهات، اولها تهميش القارة الافريقية، حيث تزايدت الاتجاهات نحو تهميش القارة مع بداية التسعينيات، بسبب تراجع مكانة القارة وتصنيف دولها في مرتبة ادنى مما كانت عليه خلال مرحلة القطبية الثنائية، وأصبحت معظم دول القارة الافريقية تنتمي الى العالمين الرابع والخامس وليس العالم الثالث، لانها ليست دولاً صناعية حديثة مثل تلك التي ظهرت في جنوب شرق آسيا او في امريكا اللاتينية. وتجلى الاتجاه الثاني كما ترى د. نيفين في التحول الديمقراطي والمشروطية السياسية في افريقيا، فقد فرضت العولمة على دول القارة الافريقية ضمن منظومة الدول النامية بصفة عامة، ان تنفتح على ما هو خارج حدودها، وان تستورد قيماً ونظما تراها القوى العالمية صالحة للتطبيق عالمياً، فظهرت الجهود والضغوط العالمية لدفع القارة كي تتوافق مع ما يسمى المجتمع الديمقراطي، ومن هذا التوجه، يكون للعولمة تأثيرها على تطور حركة الديمقرطاية في القارة الافريقية من خلال الدور الذي لعبته في الدولة المستعمرة، ثم في اطار الدولة الموروثة، عن النظام الاستعماري إلى جانب الدور المؤثر على حركة الديمقراطية في افريقيا من اجل تفعيل مشاركة المواطن الافريقي في العملية السياسية، ويظهر الاتجاه الثالث في تأثير العولمة على السياسة الافريقية في اعادة تفعيل واحياء التزامات القومية على نطاق واسع بين الجماعات المتعددة ذات الطبيعة المتداخلة، الامر الذي اثر على مفهوم الامن الاقليمي داخل القارة، ويتطلب ذلك وضع تعريف جديد موسع لمفهوم الامن الافريقي يتمشى مع ما تركته البيئة الدولية الجديدة من آثار على القارة، وآخر تلك التأثيرات السياسية كما ترى د. د. نيفين هو اعادة التفكير في مفهوم السيادة الوطنية للدولة الافريقية، وكذلك التكتلات الاقليمية الافريقية المسيطرة على النزاعات والصراعات المحلية والاقليمية في القارة حيث إن مبدأ قدسية الحدود الافريقية وسلامة اقاليمها الذي اقرته منظمة الوحدة الافريقية منذ نشأتها عام 1963، قد توارى شيئاً فشيئاً مع تزايد عمليات الاممالمتحدة لحفظ السلام في القارة، ومع تزايد الاتجاه نحو التكتل اقليميا بين دول المنطقة الواحدة وهو ما اثر على السيادة الوطنية لتلك الدول. وعن التأثير الثقافي للعولمة على القارة الافريقية.. كانت مداخلة الدكتورة هويدا عدلي استاذ السياسة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية حيث ترى ان للعولمة اثراً كبيراً في تفجير الصراعات الاثنية والقبلية داخل القارة، الامر الذي كشف عن تعقد ازمة الهوية داخل المجتمعات الافريقية متعددة الاثنيات خاصة بعد هبوب رياح العولمة، وبالتحديد العولمة الاقتصادية، التي بدأت ارهاصاتها تحت مسميات تطبيق برامج الاصلاح الاقتصادي، والتكيف الهيكلي ثم فتح الحدود للاستثمارات والسلع وغيره من محاولات ادماج اقتصاديات القارة في النظام الرأسمالي العالمي. الأمر الذي قلل من دور الدولة وانحصر دورها في الحفاظ على القانون والنظام، وتيسير دخول رؤوس الاموال الاجنبية وإدارة برامج التخفيف من الفقر، وتركت الادوار الثقافية وتدعيم الهويات الثقافية، مما فجر ازمة الهوية واثر بطريقة مباشرة على العملية الثقافية داخل القارة. أفريقيا الخاسر الأكبر وتناول الدكتور محمد عبدالشفيع استاذ الاقتصاد بمعهد التخطيط القومي الآثار الاقتصادية للعولمة على القارة الافريقية، حيث اشارت الدلائل خلال فترة الثمانينيات والتسعينيات الى العزلة والتهميش للقارة حيث يمكن وصفها بأنها الخاسر الاكبر «في عصر العولمة» مقارنة بدول امريكا اللاتينية وآسيا، وبرهن د. عبدالشفيع من خلال مجموعة من البيانات على انحدار الاقتصاد الافريقي، فقد حققت افريقيا اقل معدلات النمو الاقتصادي، من بين مختلف مناطق العالم (نحو 3% في اواخر التسعينيات) برغم التحسن المحقق اخيراً، وبرغم ان افريقيا تستوعب 12% من اجمالي سكان العالم فإنها لا تحوز اكثر من 3،3% من الناتج المحلي الاجمالي المجمع على الصعيد العالمي، 8،1% من الصادرات العالمية من السلع والخدمات عام 1998، هذا بجانب قلة الحجم الكلي للتدفقات الداخلة للاستثمار الاجنبي على المستوى العالمي حيث لم يتجاوز نصيب افريقيا سوى 15 بليوناً بحصة نسبية تبلغ قرابة 4%، علاوة على افريقيا لم تسهم الا ب5% من القيمة المضافة للصناعة التحويلية للبلاد النامية، وبالتالي ادى ذلك إلى تفكك هيكل الناتج المحلي الاجمالي، نتيجة لضعف القطاع الصناعي، مما ادى إلى الاعتماد الزائد على تدفقات المعونة الغذائية والاستثمارات الصناعية والخدمة الاجنبية والقروض المتراكمة بفرض ادائه عجلة الاقتصاد الراكد نسبياً، اضافة للانخفاض التام في مستويات المعيشة الاجتماعية. وعلى العكس من ذلك يرى احمد حجاج الامين العام للجمعية الافريقية، والامين العام المساعد السابق لمنظمة الوحدة الافريقية، ان العولمة ليست شراً خالصاً، ومن الضروري التعايش معها بشتى الطرق، فتحرير التجارة بين الدول الافريقية قد يؤدي إلى زيادة التبادل التجاري بين الدول، خاصة في ظل وجود تجارة غير مرئية تسمى في عرف الاقتصاديين بالتجارة غير الرسمية، ويقوم بهما تجار افارقة بعيداً عن رقابة الحكومات. وفي ظل تحرير التجارة قد يزيد ذلك من حجم تلك التجارة، كما ان ذلك سيؤدي إلى تحسين موقف الدول الافريقية نسبياً تجاه التكتلات الاقتصادية خارج القارة، ويؤكد حجاج ان هذا الامر يزيد من التنسيق بين التجمعات الاقتصادية الافريقية المختلفة. وقد تم ذلك بالفعل داخل الكوميسا (التي انشأت داخلها سوقا مشتركة لبعض اعضائها، وكذلك الايكواس في غرب افريقيا، والسادك في الجنوب الافريقي، ولكي تستفيد افريقيا من العولمة كما يرى حجاج يجب ان تزيد من استثماراتها، في القوى البشرية اي الإنفاق على النواحي الاجتماعية مثل التعليم والصحة، وخاصة تدريب عمالها على مزيد من استيعاب التكنولوجيا واستيعاب صناعة المعلوماتية الحديثة وتحديث صناعاتها الناشئة كي يمكن أن تنافس ولو جزئياً صناعات العالم المتقدم، بدلاً من ان تكون أفريقيا مجرد سوق مستوردة فقط. الحل العربي وحول المخرج الافريقي من فخ العولمة تحدث الدكتور يوسف الصواني استاذ السياسة بجامعة الفاتح بالجمهورية الليبية الذي أكد على فكرة الفضاء العربي الافريقي كحل امثل لمناهضة العولمة، والتخفيف من الآثار السلبية لها وللرأسمالية المتوحشة، حيث يمكن أن تتكاتف مصالح الدول العربية والافريقية في اتجاه واحد، في جعل العولمة لا تتجه فقط لخدمة احتياجات التراكم الرأسمالي بل ان يتم توجيهها لتأخذ ابعاداً اكثر نسبية، وعن طريق هذا التعاون فقد يزيد من حجم السوق ويؤدي إلى اعطاء دور اكثر بروزاً للدول الافريقية والعربية في ادارة اقتصادها وتمكينها من السلطة الحقيقية على مواردها وحماية الاقتصاد الوطني من مواجهة الشركات العملاقة، وان من شأن ذلك أن يعطيها مركزاً تفاوضياً اقوى خاصة عندما يتعلق الامر بمنظمة التجارة العالمية ومؤسسات التمويل العالمي او مع التكتلات الاخرى. ويرد د. الصوان ان الفضاء العربي الافريقي قد يلعب دوراً بارزاً في عمليات التنمية وزيادة الاشباع للحاجات المحلية التي يتم تجاهلها تماماً من قوى العولمة، والتقليل أو الحد من الآثار السلبية لسياسات التوجه الكامل للتصدير او يقوم بانهائها تماماً. واستكمالاً لفكرة التعاون العربي الافريقي، كانت مداخلة الدكتور عبدالله الاشعل استاذ العلوم السياسية بالخارجية المصرية، فقد هاجم الغياب العربي اقتصاديا وسياسيا داخل القارة السوداء، في ظل التسلل الاسرائيلي لدول القارة، التي اصبحت بموجبه تتمتع اسرائيل بالاولوية السياسية لدى زعماء القارة الافريقية، واكد د. الاشعل على اهمية وضع استراتيجيات عربية جديدة لتنشيط التعاون العربي الافريقي خاصة بعد احداث سبتمبر، وتزايد اتجاهات الدول الغربية نحو دعم التعاون الافريقي من جديد، واقترح الدكتور عبدالله صيغة التعاون الثنائي بين الدول الافريقية والعربية كل دولة على حدة، وان يتم ذلك في اطار الجامعة العربية والاتحاد الافريقي، ومحاولة البحث عن صيغة عربية افريقية جديدة، قد تضيف بعدا اساسيا جديدا في ظل الاجواء الراهنة.