لأهمية الشأن الأثري في الدول العربية، وبخاصة دول مجلس التعاون الخليجي فقد أدركت دول المجلس أهمية إنشاء جمعية للتاريخ والآثار في دول التعاون لارتباط التاريخ والتراث، واعتبار كل منهما وجها لعملة واحدة. لذلك حرصت «الجزيرة» على لقاء الدكتور أحمد بن عمر الزيلعي رئيس مجلس إدارة الجمعية خلال زيارته للقاهرة أخيراً والذي يشغل في الوقت نفسه استاذ الآثار بجامعة الملك سعود، كلية الآداب، واستعرض خلاله النشاط الأثري في المملكة ونشأة الجمعية التي تشكلت منذ أربع سنوات تقريباً، إلا ان نشاطها الفعلي كان في نوفمبر 2000. واستعرض د. الزيلعي التعاون الأثري بين الجمعية والدول العربية، وبينها وبين المؤسسات الدولية، مؤكداً ان الجمعية حريصة على مد جسور التعاون المشترك مع جميع المؤسسات ذات الشأن التاريخي والأثري.. وإليكم نص الحوار الذي أجري معه: * كيف ترصدون المشهد الأثري في المملكة العربية السعودية، خاصة وان هناك نهضة أثرية يلمسها المتخصصون، وتنعكس بالطبع على التعاون العربي المشترك؟ أؤكد ان هناك نشاطا أثريا كبيرا في المملكة يسير بشكل طبيعي، وفي نمو متزايد وهذا يرجع إلى الاهتمام بالشأن الأثري من جميع الجهات، فهناك جهتان تعملان في البحث الأثري هما: وزارة المعارف، وخاصة وكالة الآثار والمتاحف التابعة للوزارة، وهذه هي الجهة المسؤولة عن الآثار ولها جهودها المتمثلة في المسح الأثري الذي قامت به المملكة وأدى إلى اكتشاف آلاف المواقع الأثرية في طول البلاد وعرضها. كما تمثلت جهود هذه الجهة في تسجيل المواقع ووضع دراسات بشأنها، وقامت بترميم بعض الآثار مثل قصر «إبراهيم» وعاصمة آل سعود القديمة، والقصر المشهور في مدينة الرياض. أما الجهة الثانية التي تعنى بالآثار فهي جامعة الملك سعود التي تقوم بتدريب عدد من أعضاء هيئة التدريس لإعداد وإجراء مسح شامل لمختلف المناطق الأثرية في المملكة، وقد وضعوا أصابعهم على مواقع مهمة تنتظر معاونة الباحثين. وتمثَّل نشاط الجامعة في إجراء حفريتين احداهما حفرية «الفاو» وهذه معروفة ومشهورة تجاوزت 20 عاما من العمل والإنتاج، وأخرجت العديد من الأسرار الأثرية التي ستظهر نتائجها في مجلدات يجري إعدادها في الجامعة حالياً، وسيكون لها صدى واسع في أوساط الدارسين والمهتمين. أما الموقع الثاني فهو «الربدة»، ويقع بالقرب من المدينةالمنورة وهو موقع إسلامي عثر فيه على نتائج طيبة ستظهر أيضاً في مجلدات، لتلقي الضوء على هذا الموقع، وخاصة في جوانبه الإسلامية. * وعلى خلفية هذا النشاط.. كيف تقيِّم العلاقة الأثرية بين المملكة والدول العربية، وعلى مستوى التعاون العربي المشترك؟ لا شك ان المملكة حريصة على التعاون مع جميع الدول العربية في النشاط الأثري، وهو ما يظهر في المشاركة السعودية المتواصلة في اجتماعات الأثريين والمؤرخين العرب في القاهرة. أما بين الدول العربية فإن التعاون المشترك مازال في اطار جهود فردية ولم يرق إلى تعاون فاعل، وأرى انه عندما يحدث تبادل للبعثات الأثرية بين الدول العربية، بحيث تذهب من دولة إلى أخرى للتنقيب عن الآثار والترميم أيضاً، فإننا يمكن عندها ان نقول ان هناك تعاونا مشتركا بين الدول العربية في مجال الآثار. ومن الضروري ان نكون صرحاء مع أنفسنا في ان التعاون المشترك بين الدول العربية ليس بالمستوى المطلوب، بالرغم من الاجتماعات، وتنظيم الندوات والمؤتمرات، ولكنه جهد قليل لا يتناسب مع الدور المطلوب من عالمنا العربي. المشهد الأثري بدول التعاون * أين تضع دور جمعية التاريخ والآثار في دول مجلس التعاون في النهوض بالمشهد الأثري بدول الخليج، ومن ثم التعاون مع الدول العربية؟ الجمعية تستهدف رصد تاريخ المنطقة وحضارتها وتراثها وتتخذ من الرياض مقراً لها في دارة الملك عبدالعزيز، ولذلك فهي تحظى برعاية سامية من الدارة، وبدعمها المعنوي والمالي، وهي تأسست منذ أكثر من أربع سنوات، وتضم في عضويتها نخبة من المتخصصين في الآثار والتاريخ، وكذلك من الباحثين والاخصائيين الأثريين في هيئات ومديريات الآثار بدول مجلس التعاون الخليجي. والجمعية تعمل على حماية الآثار ورعايتها ونشاطها يقتصر فقط داخل دول مجلس التعاون وإبراز الوعي بقيمة التراث والحفاظ عليه والتنقيب عن الآثار، وهناك تشجيع من جانب حكومات دول مجلس التعاون في هذا الشأن، كما ان الجمعية نشأت رغبة من المتخصصين والأكاديميين في الآثار والتاريخ من أبناء دول مجلس التعاون للنظر في تاريخنا وتراثنا. أما عن دور الجمعية في تفعيل التعاون الأثري بين الدول العربية، فإنه من أبرز أهدافنا في الجمعية التعاون مع الجمعيات المحلية واتحاد المؤرخين العرب، وفي الأمانة العامة للجمعية أمين للعلاقات الخارجية يختص بهذا الجانب، فنحن أعضاء مؤسسون في اتحاد المؤرخين العرب، مما يعكس حرصا منا على مد جسور التعاون المشترك مع الدول العربية. الأثري والمؤرخ * الجمعية تعنى بشؤون التاريخ والآثار فما هو تحديدك للعلاقة بين المؤرخ والأثري؟ لا أرى وجود إشكالية بين الطرفين ومن وجهة نظري أرى ان المهمة واحدة بين الطرفين لأن المحصلة واحدة فالأثري ينقب ويبحث في الأرض ويستخرج كنوزها ويدرسها ويحدد الطبقات وعمر الأثر، ثم يكتب المؤرخ ويدوِّن هذه المكتشفات ويؤرخ عن نفس الإنسان الذي كتب عنه الأثري فالمحصلة النهائية واحدة، وان اختلفت المصادر وتباينت أدوات البحث. وأؤكد ان الآثار منجزات إنسانية ويجب ألا ندخلها في دائرة الجدل والاشكالية، فالآثار التي خلَّفها غير العرب للعرب هي ذات قيمة تاريخية ولا أجد مبرراً لكي يكون لنا موقف منها، فالآثار الفرعونية التي خلفها المصري القديم هي ميزة للمصريين مثل «الاهرام» فهي تراث لمصر وللعرب. * في ظل الجدل الدائر حول علاقة الحضارات ببعضها.. كيف تنظرون إلى منطوق الحضارات وضوابطها، وتحديدك للفارق بين الحضارتين العربية والغربية؟ لقد ترجم العرب كثيراً من علم الأقدمين وبدؤوا من حيث انتهى الأقدمون، كما فعل الغربيون الدور نفسه، عندما ترجموا ما خلفه المسلمون، وبدؤوا من حيث انتهى المسلمون، ونحن الآن لم نستمر من حيث انتهى قدماؤنا ولم نبدأ من حيث انتهى إليه الغربيون. ويجب ان نأخذ من حضارة الآخرين ما يتفق وتقاليدنا وعاداتنا العربية الراسخة بشكل لا يؤثر على الانتماء الوطني، ان الحضارة ترتبط في عيون الأثريين بالكتابة، وهي غير الاستيطان فالإنسان استوطن الأرض منذ ملايين السنين، ولكنه لم يكن متحضرا ولكن عندما بدأ يتحرك في البناء والتفكير ظهرت الحضارة وانجز الكثير في الميادين المختلفة. توحيد المصطلح الأثري * في إطار الجهود المبذولة من جانب المؤسسات الأثرية بالعالم العربي، كيف تنظرون إلى أحد أهداف هذه المؤسسات الذي يستهدف توحيد المصطلح الأثري في العالم العربي؟ اعتقد انه من الضروري نقل المخترعات الغربية بأسمائها أو ان نعربها تعريب العوام لتخرج بأسلوب سهل على المتلقين، وتصبح دارجة على الألسنة، أما ان نقول ونختلف حول تعريب «الكمبيوتر» على سبيل المثال ونقول: هل هو حاسب أم حاسوب، أو نقول للفاكس ناسوخ، فهذه كلها لا تؤكد على تطور اللغة عند تعريبها، فترجماتنا للمصطلح لا تسبق المخترعات وانما العكس ينبغي ان يحدث. وأتصور اننا لن نستطيع اثراء لغتنا، ونحن نبحث عن كلمة داخل اللغة لنسكن اختراعا داخلها، لا يستخدمه الناس ويلقون به على الأرض، ثم يستخدمون المصطلح الأصلي. وأرى هنا في الاشتقاق من المصطلح، كما يفعل الاخوان في دول شمال افريقيا، عندما ترجموا «التلفزيون» إلى تلفاز، واشتقوا منه تلفزة او متلفزة، فأصبح حال الكلمة قريبا من اللفظ الأجنبي، وفي الوقت نفسه يؤدي الغرض والمفهوم ويمكن ان ينطبق ذلك على المصطلح الأثري وترجمته بهدف إثراء المكتبة الأثرية في العالم العربي بالمصطلحات الحديثة التي تصدر في بلاد الغرب. الغزو الثقافي * هل يعني كلامكم هذا بأن الغزو الثقافي يمكن ان يكون وارداً كما يدور بداخل مؤسساتنا الفكرية بالعالم العربي؟ لا أرى ان هناك وسائل يمكن ان تغزو العقل، فهل المقصود بالغزو «الكمبيوتر» مثلا واستخداماته، ولذلك انا لا أعرف شيئاً اسمه الغزو الثقافي، فهل تأتي الثقافة لنا على مدافع ودبابات من صواريخ «كروز» مثلاً. لذلك أرى ان العقل الملم، ما دام واعيا لتحديات واقعه، ويدرك اتجاهاته الفكرية المستنيرة المستمدة من أصولنا وتاريخنا، فإننا سنكون محصنين ضد أي ثقافة أخرى. وأرى كذلك ان الغزو لا يأتي إلا من مكان بعيد ونحن لا ندري، وهو ما يمكن للثقافة العربية والإسلامية ان تقف سداً منيعاً أمام الوافدين إلينا.