شكَّلت الصناعة السعودية منذ ثلاثنيات القرن الماضي عنصراً رئيساً في سياسات التنمية التي انتهجتها المملكة، إلا أنه ومع إطلاق رؤية المملكة 2030 حظي ملف تطوير القطاع الصناعي بمبادراتٍ نوعية لدعمه والارتقاء به إلى مستويات عالمية، وبقيادةٍ مباشرة من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع - حفظه الله. والأهمية الاستثنائية التي اكتسبها القطاع الصناعي مع عصر الرؤية الزاهر، إنما تعود إلى كونه الحجر الأساس في تحقيق طموحات المملكة لمضاعفة حجم الاقتصاد وتقليل اعتماده على الموارد النفطية؛ وقد شهدنا تسخير ميزانياتٍ ضخمة لدعم مختلف القطاعات الإنتاجية في كل مناطق المملكة، ترافقت مع إنشاء وتوسّع في بناء المدن الصناعية العصرية، والارتقاء بالعديد من الصناعات نحو العالمية، بدءاً من صناعة البتروكيماويات، والتشييد والبناء، والصناعات التحويلية، مروراً بالصناعات الاستهلاكية، وصولاً إلى الصناعات التقنية المبتكرة. وهذا ما انعكس بشكلٍ مباشر زيادة في قيمة الناتج المحلي غير النفطي للمملكة، والتي بلغت 1.8 ترليون ريال عام 2016م، لتسجّل لاحقاً نمواً متسارعاً خلال السنوات الثلاث الماضية، وبنسبة 1.3 % عام 2017م، و2.2 % عام 2018م، ونحو 4 % مع نهاية الربع الرابع من 2019م. أما على المستوى الهيكلي والتشغيلي، فيكفي إجراء مقارنة مختصرة بين الأمس واليوم لنكتشف حجم التطوّر الهائل لقطاع التصنيع الوطني على مدى العقود الثلاثة الماضية؛ حيث ازداد عدد المنشآت الصناعية من 206 عام 1974، إلى 9563 منشأة صناعية قائمة وتحت الإنشاء في نهاية أكتوبر من العام 2020. وتم إنشاء 35 مدينة صناعية تضم 3500 مصنع ويعمل فيها قرابة 500 ألف عامل، فيما تصل مساحة الأراضي المطوّرة داخلها إلى أكثر من 198.8 مليون م2، وبحجم استثمارات يفوق 367 مليار ريال. إستراتيجية صناعية تعزز الصادرات غير النفطية ثمة مؤشرات واعدة تؤكد مضي المملكة قدماً في تعزيز إستراتيجيتها للتطوير الصناعي، لا سيما بعد الإطلاق الفعلي لبرنامج «تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية» الذي يُعَدُّ أحد أكبر برامج تحقيق رؤية المملكة التنموية ويهدف إلى جعلها قوة صناعية رائدة ومنصّة لوجستية عالمية. وقد انبثقت من هذا البرنامج مبادرات عدة لرفع مستوى التنمية الصناعية في المملكة وزيادة الصادرات غير النفطية، من أبرزها «الإستراتيجية الوطنية للتصدير» التي تتولّى تطويرها هيئة تنمية الصادرات السعودية (الصادرات السعودية)، ضمن جهودها في زيادة الصادرات السعودية غير النفطية وتعزيز حضورها في الأسواق العالمية، وتحسين كفاءة بيئة التصدير عن طريق وضع البرامج وتقديم الحوافز للمصدرين. هذا إضافة إلى دور الهيئة في ترويج المنتجات السعودية في الأسواق الدولية، والرفع من جودتها التنافسية وتحقيق وصولها إلى الأسواق العالمية بما يعكس مكانة وجودة المنتج السعودي. وانطلاقاً من موقعها المرجعي في تطوير وتنمية الصادرات غير النفطية، تسهم «الصادرات السعودية» بدورٍ محوري في تحقيق المستهدفات الطموحة لتنويع مصادر الناتج المحلي الإجمالي للدخل الوطني، من خلال تمكين المنتج السعودي من المنافسة محلياً وإقليمياً وعالمياً وتعزيز دوره في رفع نسبة صادرات المملكة غير النفطية من 16 % إلى 50 % من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي بحلول العام 2030. تنويع الصادرات لاقتصاد أكثر استدامة إذا ألقينا نظرةً على تطوّر حجم صادرات المملكة غير النفطية، خلال السنوات العشر الماضية، نلاحظ أنها شهدت تنامياً مستمراً بين عامي 2009 و2014، حيث بلغت قيمتها 217 مليار ريال في عام 2014، ثم انخفضت إلى 178 مليار ريال عام 2016، لتعاود الارتفاع بشكلٍ كبير بين عامي 2017 و2018، حيث بلغت 235 مليار ريال. أما في عام 2019، فقد حقّق إجمالي الصادرات غير النفطية قفزة غير مسبوقة، في مؤشرٍ واضح ومباشر لمستهدفات رؤية المملكة 2030، حيث بلغت عائدات تلك الصادرات نحو 318 مليار ريال شملت صادرات السلع وإعادة التصدير والخدمات. وبلغت قيمة الصادرات السلعية منها 228 مليار ريال، وبلغت صادرات قطاع الخدمات 90 مليار ريال. وعلى مستوى القطاعات، فقد توزّعت الصادرات غير النفطية لتلك الفترة، على قطاع الكيماويات والبوليمرات بحصة تتجاوز 55 % من الصادرات السلعية غير النفطية. ومن ثم استحوذ قطاع المحرّكات وقطع الغيار وقطاع مواد البناء على حصة 9 %، وكل من قطاعيّ الآلات الثقيلة والإلكترونيات والمواد الغذائية على حصة 6 %، وكل من قطاعيّ التعبئة والتغليف والمنتجات الاستهلاكية بنسبة 2 %. 2020.. عام التطورات الصناعية شهد العام 2020م انخفاضاً ملاحظاً في حجم الصادرات غير النفطية، بسبب التداعيات السلبية التي نتجت عن جائحة فيروس «كورونا المستجد»، والتي عطلّت حركة الصادرات في شتّى دول العالم، وألقت بظلالها السلبية على سلاسل الإمداد والتجارة البينية. ففي الربع الأول من العام الجاري، تراجعت قيمة الصادرات غير النفطية بنسبة 16 %، مقارنة بالفترة نفسها من العام 2019. وفي الربع الثاني من العام 2020، انخفضت بنسبة 24 %، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي. لكن، ومع بدء عودة الحياة التدريجية إلى الأسواق العالمية، عادت الصادرات غير النفطية في شهر يونيو من العام الجاري، لتسجل أعلى ارتفاع لها منذ يناير 2020م، حيث بلغت 16.6 مليار ريال، وبارتفاع بلغت نسبته 32 % عن شهر مايو من العام 2020. وجاءت هذه العودة السريعة لنمو الصادرات السعودية، في ظل سلسلة مبادراتٍ اتخذتها قيادة المملكة الرشيدة بهدف استيعاب تداعيات الواقع الجديد، كان أبرزها اعتماد حكومة المملكة حزم تحفيزية وسياسة مالية مرنة تمّ من خلالها ضخ نحو 214 مليار ريال توزّعت على أكثر من 140 مبادرة في مختلف القطاعات. وقد كان للقطاع الصناعي حصة وازنة من هذه الحزم. ففي أكتوبر من العام 2019 وقبل ظهور الجائحة، أطلقت مبادرة تحمل الدولة للمقابل المالي عن العمالة الوافدة في المنشآت الصناعية، وبدأت نتائجها الإيجابية بالظهور تباعاً على القطاع الصناعي، وخاصة من ناحية نمو حجم الاستثمارات في القطاع للتراخيص الجديدة التي ناهزت 116 %، ونمو التراخيص الصناعية الجديدة بنسبة 95 % ما بين سبتمر 2019م وسبتمر 2020م مقارنةً مع الفترة نفسها بين عامي 2017م و2018م. وفي سياقٍ موازٍ، اعتمد الصندوق الصناعي قروضاً بقيمة 6.2 مليارات ريال، وصرف منها 2.6 مليار ريال، في حين بلغ إجمالي عدد المشاريع المستفيدة أكثر من 145 مشروعاً منذ بداية العام الجاري وحتى نهاية الربع الثالث. كما أعاد الصندوق هيكلة قروض الشركات في أول شهرين من الجائحة، بقيمة تجاوزت 4.5 مليارات ريال. «صنع في السعودية».. الصناعة السعودية إلى العالم وفي خطوة إستراتيجية لدعم الصناعة الوطنية، أعلنت هيئة تنمية الصادرات السعودية أخيراً عن إطلاق برنامج «صنع في السعودية» خلال الربع الأول من العام 2021م، والذي يهدف إلى خلق هوية وطنية موحدة اللمنتجات والخدمات السعودية تضمن جودتها وتميزها، وتمنحها الموثوقية، وتسهم في ترويجها في الأسواق الإقليمية والعالمية. ويهدف البرنامج أيضاً، إلى زيادة نسبة الاستهلاك المحلي للمنتج الوطني، عبر رفع مستوى ولاء المواطن تجاه المنتجات المصنّعة محلياً. من ناحية أخرى، يسهم البرنامج في جعل القطاع الصناعي الخيار المفضّل للاستثمار في المملكة، عبر رفع ثقة المستثمرين بهذا القطاع وتذليل العقبات أمامهم، وتوفير المحفّزات اللازمة لجذب الاسثمارات المباشرة إليه. ويمثل برنامج «صنع في السعودية» أحد أبرز المبادرات التنفيذية لبرنامج «تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية»، وعاملاً حاسماً في تحقيق أهدافه الإستراتيجية المتمثّلة بتوسيع القاعدة الاقتصادية وتنويع مصادر الدخل بما يرفع تنافسية الاقتصاد السعودي ويفتح للصادرات السعودية آفاقاً أشمل نحو العالمية.من الواضح أن خطوات المملكة لتحقيق اقتصاد ما بعد النفط أصبحت أكثر تسارعاً ووضوحاً، مؤكدةً التزامها المطلق بشعار مجموعة العشرين التي تترأسها المملكة للعام الجاري «اغتنام فرص القرن الحادي والعشرين للجميع» عبر توفير ممكنات اقتصادية لحياةٍ أفضل للأفراد والمجتمعات؛ وهو ما يبدو جلياً من خلال تركيز المملكة على تعزيز ممكناتها الاقتصادية غير النفطية بقيادة القاطرة الصناعية، ما سيعزّز مكانتها كمحرك رئيس للتجارة الدولية ومحور ربط بين قارات العالم. صادرات الخدمات: - منذ العام 2015، ارتفعت صادرات الخدمات بنسبة 63 %. - عام 2019م، شكلت صادرات الخدمات نسبة 28 % من إجمالي الصادرات غير النفطية بقيمة إجمالية بلغت 88 مليار ريال. - ارتفعت عام 2019م بنسبة 19 % مقارنة بالعام الماضي. - بلغت حصة خدمات السفر والنقل أكثر من 70 % من صافي صادرات المملكة ذات الصلة بالخدمات في عام 2019.