نعاني كثيراً من خطاب الكراهية، ومن تبعات الصراع مع قوى الماضي المهزوم أمام العقل، والذي تم إعادته في خطابات مختلفة، تتغير بتغير الزمان والمكان، ويأتي في مقدمتها الموقف العدواني من النقد والثقافة والفكر الإنساني، وقد جاء هذا الموقف المتطرف متأخراً في عصر سقوط الحضارة، وما زال يحاول أن يسقطها مرة أخرى على الرغم من المحاولات لإخراج الأمة من مخلفات الجهل والتطرف. لا تحتاج أخي المسلم إلى جهد فكري، فما عليك إلا أن تتابع الخطاب المتطرف، وكيف يمزق أي محاولة للخروج من الأحادية التي تقدم خطاباً سلطوياً هدفه السيطرة على العقول، وكأن الماضي ديباجة متكاملة من التعامل الإنساني المثالي، ولا يختلف اثنان في أن الإرث الإسلامي في بدايته كان يضع أسساً موضوعية للتعامل مع المشكلات الإنسانية الطارئة، فوضع حلولاً للرق، وتكريس مرجعية الأخلاق في عدم السيطرة، والحث على الدعوة بالموعظة الحسنة، واحترام المجتمع بكل اختلافاته، وظهر ذلك في مجتمع المدينة الأول بوضوح، وتم تطبيقه في دستور المدينة. لكن الموضوع خرج عن السيطرة بعد خطبة الوداع المثالية، فقد اشتعلت الفتن القتالية والفكرية بين الأتباع في فترات لاحقة، وقد ظهرت بوضوح عندما تحول سلاح التكفير ليكون أحد أعمدة الخطاب الديني، لتخرج الطائفية بكل أشرارها لتطرد العقل من العمل العربي الإسلامي إلى أن سقطت الحضارة العربية بسبب هجوم متواصل على العلماء والفلاسفة والمفكرين، لنهبط خلال قرون إلى الدرك الأسفل في حضارة الإنسان عبر التاريخ. ما زالوا يعملون بجهد لاختطاف عقول الناس، فحربهم ضد المثقفين والمفكرين، وضد التقدم الموضوعي لم ولن تتوقف، على الرغم من خسارتهم السياسية بسبب الدخول في معتركها من باب الإقصاء والتفكير والإرهاب، وزرع بذور الفتنة والفوضى بين الناس، فهذا كافر، وذلك زنديق علماني، والآخر ليبرالي مستغرب، بينما كان الاختلاف نسقاً موروثاً، فالعصور الذهبية في تاريخ المسلمين كانت تزدحم بالمفكرين والأئمة والعلماء والفلاسفة، وكانوا يعيشون في سلام، وكانت من ثمارها ذلك التوهج الحضاري العلمي. حرية التفكير والنقد منارة لا يشاهدها إلا أصحاب الوعي المتقدم، لذلك هم يحرصون على السيطرة على العقول من خلال الترهيب وتوزيع صكوك الإبعاد عن دائرة الإسلام.. نحن نمر بمرحلة صعبة، ويلزمها تشجيع العقول على البحث العلمي في مختلف المجالات، وتدريس الأجيال كيف تبحث عن المعلومة والحقيقة العلمية، بدلاً من تلقيها بدون وعي بما تحمل من ألغام ومتفجرات كادت أن تعصف بالمجتمعات العربية. الحل يكمن في القانون، وفي حماية حرية التعبير، وذلك لئلا نعود إلى الخلف، وإلى مصادرة أساليب التفكير، ويظهر موقفهم المتطرف في أحكامهم المتطرفة ضد الذين يحاولون إخراج المجتمع إلى حيث النور، ولو رجعنا إلى الماضي لأدركنا أن معظم علماء الأمة الذين أسهموا في وضع الأسس لثورة العلم الحالية، قد تعرضوا للتكفير والزندقة والإبعاد، فهل نسمح لهم أن يفعلوا ذلك مرة أخرى، ونحن مقبلون على أهم مرحلة في تاريخ الأمة، وهي الانتقال من مجتمع رعوي إلى منتج ويشارك في بناء الحضارة الإنسانية. لذلك علينا أن نحذر من الخطاب المؤدلج ضد إطلاق حريات الناس وحرية التفكير، فالناس سيظلون مسلمين، وسيبقى الإسلام ديناً عظيماً بدون حراسة تلك الطبقة التي تنشر الرعب والتخويف بين العوام، وقد نحتاج أكثر مما مضى إلى وضع قوانين ضد التكفير والإقصاء، وإلا عدنا إلى عصور الجهالة والتشرذم السابق. لقد خسرنا شيئاً من تاريخ المجد بسبب انتصار العقل العامي على العقل النخبوي، لتنهار حضارة العقل في الإسلام، ولتبدأ حضارة التكايا، والخرافة والأساطير، وتحول الخطاب الديني عند البعض إلى تكفيري وإقصائي، كان من نتائجه داعش والقاعدة، وغيرهم مما لا يتورعون عن إطلاق حملات الكراهية لكل محاولة نقد أو مراجعة لبعض الموروث الذي لا يتناسب مع متطلبات العصر، وهل يعقل أن يكون الرق واغتصاب النساء وسبيهم محل مرجعيات حقوق الإنسان واتفاقية التعامل مع الأسرى.. نحتاج إلى وقفة لتأمل هذه الأبعاد قبل فوات الأوان.