كان يتجول بمحاذاة البحر بين أغصان الشجر ..يلازمه صمتاً قاتل ..وذكرى حب قديم كان يعتقد أنه قد فارق الحياة وهو في أوج طيشه وعنفوانه .. ليطفو على سطح ذاكرته مجدداً.. ويتسلل قلبه ليبحث عن مفتاحه المفقود بين غياهيب الماضي العتيقة ... فهو الآن يعشق من جديد بقلب عليل .. وبروحاً قد داهمها المشيب، وجسداً قد ظهرت تضاريسه الوعرة .. ليخفق قلبه من جديد بعد عمر طويل ...ليجدها بعد سنين عجاف وعمر مديد ..ليراها تنتظر إشارة عبور المارة في ذلك الشارع المبلل بالمطر ممسكة بمظلتها ذات اللون الأبيض كنقاء ذلك اليوم ولطفه.. تخطو بخطوات متسارعة كي تعبر الشارع قبل اندفاع المركبات وضجيجها ... ليخلع نظارته العتيقة ليتأكد مما رآه بعينين جاحضتين، ليركض غير آبه بتجاعيد الزمن إلى الجهة الأخرى من ذلك الشارع الصامت،، وكأنه توقف العالم عن الضجيج .. معلناً ربط أحزمة المواجهة العنيفة بين شيخوخة الحب وتعطش أصحابها.. ليركض دون شعور أو استرجاع للنفس، ليصل للردفة الأخرى حيث يوجد حبه الذي أشرق فجأة بعد أعوام من الفراق، ليذهب هذا الحب ضحية أقاويل مشكوك بها، لينتشر خبر موتها بمرض معدي لتبتئس حياته وتسود أيامه من بعدها .. ليشاهدها أثناء ركضه تواصل عبورها بكل هدوء لاتعلم مايجري حولها عابرة الرصيف المزدحم بالمارة لتستوقفها إحدى العروض على واجهة محل تجاري للأزهار البرية .. لتعبر بروعة أزهارها بابتسامة لطيفة.. وعينان لامعتان قد غادرها بريق الصغر وروعة الشباب ...لتكمل بعدها مسيرها بين غزارة المطر، وقساوة البرد ... لتنتهي آخيراً مشاهد المسرحية بكل فصولها وأجزائها، وتعلن الأرض استئنافها لقضية التقاء الشمس بالقمر بعد تعاقبهما المستمر دون نقطة التقاء، ليواجهها وجها لوجه بعبرات حانقة في أسفل صدره .. ليضع عينيه التي أذبلها الفراق وأضناها الحنين .. بعينيها البائستين من حياة بلا مرسى، ليهمس لها بصوت مبحوح: أهذه أنتِ ؟ وهي واقفة بلا حراك وكأن جسدها قد شل وروحها قد صلبت، لتذرف دموعها العليلة بمرض الفقدان، قائلةً: أهذا أنت؟ ليقاطعها بقلب مكسور ومظهر رث،، مازال الوقت أمامنا والحياة تنتظرنا، لا أريد أن أضيع وقتي بالكلام والتبرير والعتاب المجهد، ولا بسؤالك أين كنت طوال هذه السنين... فحبنا لم يشيخ كما شاخ مظهرنا، فالحب يصنع المعجزات ويجعل من الثلوج أنهار ومن الصخور رمال .. فالحب لا يلتزم بتاريخ ولا عمر ولا حتى بأعوام مضت،، بل ما زال في أوجه وباكورته .. فشيخوخة الجسد لا تعني شيخوخة الحب ..!! فدعينا نودع المشيب بلحظات اللقاء ... ونبحر بحبنا العتيق بين أمواج الحياة المتلاطمة...!! لتعلن موافقتها بابتسامة مؤثرة وروح متجددة .. ليمسك بيدها عابرين الطريق دون شعور أو اكتراث بهدير المركبات من حولهم ..! ** **