دفعت البشرية ثمنًا باهظًا لكورونا، فكم من أرواح أزهقت، وكم أشخاص عانوا الأمرَّين على الأسرة البيضاء، واقتصاديات انهارت وبنى صحية تهاوت وممارسات تلاشت، فأين المقابل...؟ ولا أبالغ إذا قلت إن العالم بعد كورونا سيتغير بالكامل عما كان عليه قبله، بل ولادة عهد جديد بعد الثورة الصناعية وما صاحبها من هدير الآلات وضجيج المصانع وانتشار المداخن إلى عصر الثورة الناعمة. فقد أكدت جائحة كورونا أهمية تقييم المخاطر بدقة، واستخدام البيانات العلمية، واتخاذ الاستعدادات المناسبة بناءً على هذا التقييم، وأنه لزام علينا أن نتعلم من الأزمة ونتحرك بسرعة. فقد دخل العالم مرحلة جديدة في التعامل مع كارثة كورونا المستجد؛ سواء باكتشاف دواء أو لقاح أو بالتعايش معه من خلال التباعد الاجتماعي والالتزام بالإجراءات الاحترازية الأخرى. وكنت تمنيت في أكثر من مقال سابق أن تتبنى الأمانة العامة للمخاطر الوطنية ملف التنسيق لتحديد الأطر العامة لعقد ورش عمل لاستخلاص الدروس المستفادة من التجربة المريرة مع كارثة فايروس كورونا المستجد «كوفيد -19» ككارثة أممية من دروس وعبر للرجوع لها عند الحاجة إليها، والأهم كمرجع للجهات التعليمية ولوحدة المخاطر الوطنية والمراكز البحثية المختلفة من خلال مبادرة هذه القطاعات إحدى الجامعات عن قطاع التعليم والبحوث مثلاً، وإحدى المؤسسات الصحفية ذات الإمكانات التقنية العالية عن قطاع الإعلام وهكذا، ليتم رفعها للجهات المختصة لاعتماد مخرجاتها وتوثيقها ووضعها حيز التنفيذ. وأرى أن تقوم وزارة الصحة بهذه المهمة حالياً وحتى بدء المركز الوطني للمخاطر بممارسة مهامه بشكل كامل، لأننا نعيش الفترة الذهبية لعقد هذه الورش لمراجعة وتقييم الأداء ومراجعة الإجراءات منذ بداية الجائحة وتتبع الخطوات ونتائج القرارات وطرق وأساليب تنفيذها، مع التركيز على السلبيات لتلافيها والإيجابيات لتعظيم الفائدة منها على مستوى إدارة القيادة والتحكم بوزارة الصحة، وكل وزارة ومرفق وحكومي وخاص بما فيها وزارة الصحة وبمؤسسات المجتمع المدني والجامعات ووسائل الإعلام الحديث والتقليدي من إذاعة وتلفزيون وصحف ورقية وإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي والقطاع غير الربحي (الخيري) والاستشاريون وأصحاب الخبرة، ولا نغفل أداء وتفاعل المنظمات الأممية معها. وأتمنى أن يكون للمجتمع والإنسان مواطناً أو مقيماً رأي في هذا الموضوع من خلال إنشاء منصة إلكترونية تتيح له إبداء رأيه وملاحظاته، ويمكن من خلالها حتى للمشاركين في إدارة هذه الكارثة من طواقم صحية أو أمنية ومنسوبي الجهات الخدمية الأخرى لإبداء مرئياتهم الشخصية حيال ما حدث لكونهم الخط الأمامي لحماية البلاد والعباد -بإذن الله- من هذا الوباء، وستكون مشاركتهم هي الأهم لإثراء هذا الموضوع لمعايشتهم للحدث والتعامل المباشر معه وملامستهم للواقع لإبداء مرئياتهم وملاحظاتهم بكل شفافية، وهذا ما قد لا تتيحه لهم التقارير والتعاملات الرسمية.