يُعد كتَّاب الرأي في أي مجال لسان حال أهل المجال وصوتهم المسموع، بل ينظر لهم من أهل المجال ومن المؤسسات المعنية بهذا المجال على أنهم (قادة الفكر) و(صنَّاع الرأي) ويعتبرون (مستشارين بالمجان) للمؤسسة الحكومية والوزارة المعنية بشأن هذا المجال، وفي مجال الفنون التشكيلية التعاطي مع كتّاب الرأي والنقاد مختلف تماماً سواء من المؤسسة الثقافية والفنية المعنية بالشأن التشكيلي أم من الفنانين أنفسهم وهو ما جعل الكتابة الأسبوعية في المجال التشكيلي أكثر تسرباً وهرباً عن غيرها من المجالات فلم تعد تتجاوز -المقالات والمواضيع التشكيلية في الصحف المحلية أسبوعياً - أصابع اليد الواحدة، ولم تعد الكتابة في الشأن التشكيلي تغري أبناءها للكتابة فيها على الرغم من وجود عدد من الكتاب والنقاد من أبناء الحقل التشكيلي كممارسين وأكاديميين ومتخصصين إلا أن التصدي للكتابة منهم أصبح غير مجد لهم فمن قضى أكثر من أربعين عاماً في الكتابة يرى بعد هذا العمر أن لا صدى لصوته ولا أذن صاغية تسمع لمطالباته فآثر الرحيل والبقاء على شيء من النبض من خلال بعض نزف المشاعر وعزف الحرف في بوح تغريداته بتويتر، وآخر يرى أن الفجوة زادت بين الأكاديمي المتخصص في الفنون وبين الكتابة للشأن التشكيلي فأقتصر جهده داخل حدود حرمه الجامعي، وأمام هذا الفراغ وقلة الاهتمام بالكتابة والنقد في الفنون التشكيلية ظهرت بعض الطفرات غير المتزنة فهذا مهتم بالأدب والقصة والشأن الأدبي أصبح ينظر للفنون التشكيلية بلغة استعلائية لا ترى في الساحة التشكيلية المحلية من يستطيع أن يقدم مثل ما يصف ويرصف من مصطلحات وعبارات فضفاضة تصلح لأن تكون لبوساً لكل موقف يراه، وآخرون محللون رياضيون ومهتمون بالفن والطرب وجدوه ميدان فارغ ليحاضروا على التشكيليين في معارضهم ويدبجوا بعبارات الثناء والتطبيل في مواقع التواصل وصلت إلى إطلاق الألقاب بين مؤسس مدرسة ومستشار فني وأفضل لوحة في المملكة في تستطيح للفكر واستهتار بعقول أهل المجال، في مقابل ردة فعل تتباين بين رمادية أحادية ورضاء واستحسان من البعض وافتتان وتبجيل من البعض الآخر من أهل المجال، حتى أصبح المبدع في المجال التشكيلي يحضر معارض الفن والمناسبات التشكيلية غريباً ونكرة أمام هالة من استضافوا منظمي الفعاليات فهذا فيلسوف وآخر ناقد فني وثالث الموسوعي وهم لا يمتون لأبجديات الفنون التشكيلية بصلة. إن عزوف المختصين عن الكتابة في الشأن التشكيلي الناتج عن قلة دعم المؤسسة الثقافية لهم، وعدم إيمان بعضهم ببعض من مبدأ زامر الحي لا يطرب، جعل كثيراً من الطحالب والطفيليات تتسلق وتقفز على أسوار الفنون التشكيلية بجهالة بعد أن تقازمت جدرانهم وأضحت أقل مناعة واضعف حصانة، فالفن إحساس وفكر وتقنية ولون تحدوها ثقافة عريضة ويبنيها وعي وينميها ويطورها نقد شفاف لا يجامل وهو ما تفتقر إليه الساحة التشكيلية المحلية الآن فالعشوائية والتخبط أصبحت ميزة تسعى لتسطيح المنجز ونشر قلة الوعي على يد كثير من الأدعياء في صمت مميت ممن يملكون ملكة النقد والكتابة وغياب مريب للمؤسسة الثقافية وانعدام دعم للنقد والكتابة وهو ما ترك المجال للأدعياء لممارسة حب الظهور والتظليل على حساب منجز فني يستحق أن يستمر بوعي ودعم لجميع أوجهه التنظيرية الكتابية والإنتاجية الفنية.