يتسابق أبناء الوطن على فعل الخيرات، والمسارعة إليها، انطلاقاً من تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف الذي يحث على التكافل والتعاون في شتى مناحي الحياة. وفي حفلات التكريم، وزيارة المرضى هناك عادات يرى البعض ضرورة تغييرها، واستبدالها بأخرى ذات أثر تنفع الإنسان في دنياه وآخرته، وهو ما طرحته «الجزيرة» سابقاً من أهمية تقديم أسهم وقفية للمكرمين بدلاً من الدروع، وتقديم صدقات للجمعيات وأسهم وقفية للمرضى بدلاً من الورود والشكولاتة، ورصدت «الجزيرة» ما سطره كوكبة من شرائح المجتمع في شتى القطاعات، وكانت على النحو التالي: دعوة للتغيير المثمر يقول الدكتور صالح بن حسين العايد الأمين العام لمجلس الشؤون الإسلامية الأسبق إن من إيجابيات حظر التجوال أني اشتغلت في ترتيب مكتبتي، ومما هالني وأتعبني كثرة الدروع التقديرية التي وجدتها في مكتبتي، وكلّ درع أَجِدُ له مناسبة عزيزة، ولكنّه يحتاج إلى حيّز، والدروع بمجموعها تحتاج إلى مكتبة خاصة، ولذلك كان وما زال يخطر في بالي سؤال: ما فائدة هذه الدروع؟، ثم يتبعه سؤال آخر: ما مصير هذه الدروع بعد عمر طويل؟ ويأتي السؤال الأكبر قبل ذينك السؤالين: كم كلّفتْ تلك الدروع من المال؟، وهذا السؤال الأخير يبعث في النفس الأسى حين أجد أكثر تلك الدروع جاءت من جهات خيرية هي نفسها أشدُّ حاجة لثمنها!، ولذلك خطرت لي فكرة أدعو إلى تطبيقها فوراً وبإلحاح: إنّه إذا كان لا مناص من تكريم شخص فلا يكن ذلك بدرع، بل يكون بسهم في وقف من الأوقاف؛ فذلك تكريم نافع مثمر -بإذن الله- ممتد نفعه حتى ما بعد الموت. ماذا لو كان لي بدل تلك المئات من الدروع التكريمية التي ضاق بها بيتي، كان لي بدلها مئات الأسهم في أوقاف، أليس هذا أنفع لي وللعمل الخيري؟، وأسأل الله أن تجد آذاناً واعية تفعل ما هو أنفع للمُكَرَّمِ وللمُكَرِّمِ وللعمل الخيريّ في بلادنا وبلاد المسلمين. الأسهم الوقفية وتشير الأستاذة حصة بنت عبدالرحمن المقرن مساعدة مدير إدارة تقنية المعلومات في تعليم الرياض، إلى أن الأسهم الوقفية تعتبر رسالة سامية لمشاركة الأجر والثواب مع الآخرين، وهي تعبير صادق وحقيقي لمشاعر الإخاء والوفاء كما يراها البعض، وقد شهدنا -مؤخراً- اعتماد الكثير من الأفراد عليها كهدايا تقدم في المناسبات والمحافل المختلفة؛ فهل يا ترى لها قيمة في نفوس المهدى إليهم؟ وهل تُغني حقاً عن غيرها من الهدايا؟ وللنظر في هذا الموضوع، ستتم مناقشته من زاويتين: الأولى من حيث مناسبتها وتأثيرها، والأخرى ما الآلية المناسبة في ذلك؟ فمن حيث مناسبتها يتفق الأغلب أن لها أثراً أبقى من الهدايا العينية المادية التي سرعان ما تفقد بريقها، مصداقاً لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له)، كما يفضل البعض الجمع بينها وبين بعض الهدايا الأخرى كالورود والحلوى وغيره. أما من حيث الآلية المتبعة فيجب على الشخص الذي يتجه نحو مثل هذه الهدايا أن يتحرى وبدقة الجمعيات الخيرية المعتمدة والمسجلة والتي تقدم تلك الأسهم الوقفية، كما عليه أن يختار شكل ونوع الأسهم ومدى الحاجة لها، مع تقديم ضمانات لوصولها لمستحقيها، وتظل هذه الأسهم الوقفية باباً للبر والإحسان ومدعاة للفخر بمدى التراحم والعطاء في ديننا الإسلامي العظيم. آليات التكريم ويبيّن الدكتور خالد بن عبدالقادر الحارثي المستشار الاجتماعي أن التكريم بمعناه الإنساني هو شكر وعرفان ووفاء للمكرم، نظير ما قدمه من عمل، ولكن تختلف آليات التكريم حسب العادات المتبعة في المجتمع، وعندما يكون المكرم على قيد الحياة فذلك أفضل وأبلغ معنوياً له، لأنه يلامس التقدير والاحترام ويرى مكانته في وسطه الذي أفنى فيه شبابه عطاءً وإخلاصاً حتى ترجل عن صهوة جواده بصفحة بيضاء استحق عليها التكريم. وقد أختلف مع من ينادي باستبدال لمسات وبروتوكول التكريم المتبع كتقديم باقة ورد أو هدايا منوعة للمكرم في حضور جمع من المعارف بأسهم وقفية باسمه، لما لهذه اللحظات من شعور منتظر مفعم بالفخر والاعتزاز والتقدير لذاته وجهده وإخلاصه وتفانيه، ولكن لا يمنع من تنوع الهدايا حينها، لتكون من بينها الأسهم الوقفية، فتوضع في ظرف أو مشروع خيري باسمه كحفر بئر أو غيره من الأعمال الإنسانية والخيرية. وليتنا إذا تعذر إقامة التكريم أن نتدارك بشكل جماعي أو فردي ونعبر عن محبتنا وتقديرنا لمن فقدانهم في أوساطنا العملية أو الاجتماعية أو الأسرية بتقديم أسهم وقفية لهم كصدقة جارية لهم، راجياً من المؤسسات والجمعيات الوقفية أن تساهم ببرامجها في المناسبات الاجتماعية والعملية، بحضور مندوب عنها يوثق المساهمة لمن تعذر عليه المشاركة بإهداء في الحفل، فيكون تقديمه سهماً وقفياً وأكثر فرصة مميزة تشعره بالوفاء تجاه المكرم والمشاركة في الأجر. ويشير الدكتور خالد الحارثي إلى ما يقوم به هو وزملاؤه وأصدقاؤه تجاه بعضهم البعض عن رحيل عزيز، وفي مناسبتين قدمنا دعوة لمندوب المؤسسة الوقفية ومنحناها خمسة فقط لتقديم عرض برامجهم، ثم ترك للحضور فرصة المساهمة وكان السهم (100 ريال). ثقافة الوقف وترى الدكتورة نوف بنت عبدالعزيز الغامدي الباحثة في الشؤون الاقتصادية، وعضو مجموعة الB20، إن تقديم الأسهم الوقفية للمكرمين والمرضى كهدايا له أثر جميل ويؤكد تعميق الترابط الاجتماعي والإنساني، كما أنه يعد من الأساليب المبتكرة لتعزيز الوقف وتسويقه وتعظيم أثره، ولكن في تصوري قد يكون الدمج بين الهدايا العينية والأسهم الوقفية له أثر جميل بطبيعة البشر هم يفرحون بالملموس العاجل، ولا يمنع الجمع بينهما، أن تهدي المكرم أو المريض سهماً، وأن تهديه مبلغاً من المال أو هدية، لكن تظل الهدية الملموسة أفضل، خصوصاً للأطفال وصغار السن، كما أن تقديم الأسهم الوقفية كهدايا يساهم في نشر ثقافة الوقف وتأصيل مفهومها لدى المجتمع وتعزيز الترابط الاجتماعي، مما سينعكس على الأوقاف واستدامتها من خلال مشاركة شرائح المجتمع حسب إمكاناتها، فنحن نتحدث هنا عن أثر اجتماعي واقتصادي وثقافي مستدام. إحياء سنة الوقف ويؤكد الأستاذ هشام بن عبدالكريم المشيقح أمين مجلس إدارة جامعة المستقبل أن كثيراً من المسلمين يتمنى أن تكون له صدقة جارية أو وقف خيري ينتفع به بعد موته، مصداقاً للحديث الشريف: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له»، لكن إمكانات الكثيرين المتواضعة تحول دون هذا العمل الذي يحتاج مبالغ كبيرة لوقفها على مشروع خيري معين، وتيسيراً لهذا الأمر أمام الراغبين في الوقف الخيري أطلقت بعض الجمعيات الخيرية فكرة الأسهم الوقفية وبمبالغ متيسرة لدى الجميع تبدأ من 100 ريال فأكثر، فمشروع الأسهم الوقفية يعمل على إحياء سنة الوقف، وإتاحة الفرصة لذوي الدخل المحدود للمشاركة، ويهدف إلى تنشيط دور الوقف التنموي كخطوة أولى على طريق تجديد آلية العمل الوقفي وتحديثها من خلال استثماره بطريقة مثلى. لذا تأتي فكرة استبدال الدروع للمكرمين والورد للمرضى بأسهم وقفية تساعد على تنمية الوقف، وتساهم على بقاء الأوقاف واستمراريتها، والأهم أنها تأتي متوافقة مع الشريعة الإسلامية من أكثر من جانب، ومنها: (الخروج من الإسراف وربما الإثم بهدر الأموال في الورود التي تذبل وفي الشكولاتة التي لا يأكلها المريض، وإنما تهدى مجاملة فقط)، كما أن التهادي بسندات الأوقاف فيها الأجر والثواب العظيم الذي لا يعلمه إلا الله، وتوجد الألفة والمحبة بين المُهدي والمهدى إليه، وبذلك نحقق أعظم أنواع المحبة والإخوة. صناديق استثمارية وترى الأستاذة سوزانا بنت محمد الدوسري الصحافية المتخصصة في الشأن السياسي بوزارة الإعلام، أن فكرة الأسهم الوقفية بسيطة جداً ولكن أثرها عظيم، وتتمثل في نقل القدرة على الوقف إلى عموم المسلمين عبر المساهمة في وقف خيري بشراء سهم أو عدة أسهم حسب القدرة، وحسب الفئات المحددة في مشروع معين ينفق ريعه على أوجه الخير المحددة، وفقاً للسهم وحسب رغبة المساهم، والأسهم الوقفية ليست أسهماً يتم تداولها في البورصات، ولكنها تحدد نصيب صاحبها في مشروع وقفي معين، وعلى الرغم من أن فكرة الأسهم الوقفية انطلقت في دول خليجية رسمياً في نهاية العقد الماضي، في (1999 في سلطنة عمان، وفي الكويت، و2001 في الإمارات)، إلا أن من الجميل أن يتم إهداء أسهم بدلاً من الدروع، فأثرها يكون عظيماً وباقياً، سواء للموظفين أو للمرضى، كما أقترح أن تتم عن طريق صناديق استثمارية وقفية بالشراكة مع عدة بنوك مثل ما عندنا الآن بدلات مثل: السكن، والمواصلات، أيضاً تضاف الأسهم فيها. فكرة تحتاج إلى وقت ويؤكد الأستاذ عليثه الحربي رجل الأعمال على وجاهة الفكرة، ولكن تحتاج إلى وقت حتى يكون هناك قبول لدى الكثير، ونعلم بأن هناك أموالاً تهدر ببعض التكريمات والهدايا التي قد لا يستفيد منها الشخص وهي جميلة، وليس لدينا اعتراض عليها كالدروع وخلافه، ولكن إذا أضيف لها أو استبدلت بسندات خيرية كوقف كحفر آبار، أو قسيمة شراء بمبلغ بسيط لمن وضعه المادي ضعيف وبدون جرح مشاعر الشخص، فهذا أفضل بكثير، ونطمح بتفعيل مثل تلك الأفكار التي تعود على الشخص والمجتمع بالنفع بالدنيا والآخرة. لغة الشكر والتقدير وتشدد الأستاذة شوقية بنت محمد الأنصاري الخبيرة التربوية على أن لغة التقدير أصبحت حتمية وتتخذ بروتوكولات منظمة لمن يستحقها من أصحاب العطاء الذين سعوا بالأرض يزرعون العلم والدعم بسخاء، ومنجزاتهم تلاحق خطاهم لتحكي قصة إنسان هذه الأرض الطاهرة الكريمة. وفي الحقيقة إن كلمة شكر في شهادة أو درع لا تفي عظيم ما صنعوا، حتى أنها باتت لا تعني لصاحبها الكثير -سوى التوثيق- أمام مواصلة الإنجاز في خدمة البشرية، واليوم باتت لغة الشكر والتقدير تتخذ صوراً ومنحنيات في جوهرها الداخلي الإنساني الذي يشكل نقطة التقاء بين الطرفين لتحقيق أهدافهم النبيلة الإنسانية، فأصبحنا نشاهد التقدير في تقديم أسهم وقفية وتبرعات بجمعيات ومنظمات خيرية ودولية ليس من باب السمعة والرياء أو التقليل من شأن المحتفى به، بل لأن قيمة العمل الإنساني لا يقدّره سوى الإحسان لله، يقول تعالى: {هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}، فقد ينشغل المرء مع صنائع معروفه بالمجتمع، وتأتيه صورة التقدير في منحة وقفية خيرية ليؤمن وقتها بأن الجزاء من جنس العمل، ولا بد عند تقديم مثل هذه المكافآت من مخاطبة رسمية بين الجهة المانحة (الرئيس المباشر للمحتفى به) والجهة الخيرية، وتقديم شهادة موثقة للشخص المعني، تفيد بالمنحة الخيرية، ليستكمل بعدها بقية التنظيمات المشروعة، وهي بذلك تمثل نقلة جديدة في لغة التقدير، لعلها تساهم في تقليل الإسراف المالي الذي التصق بالدروع والورود وباقات الشكولاتة الفاخرة وغراس بعض النقود بها ترفاً، وبذلك تتجدّد صور البرّ والإحسان التي انفرد بها ديننا عن باقي الأديان، يقول تعالى: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ}.