مرت عقود على جزيرة العرب قلَّ فيها أمن الناس على معايشهم ودينهم وممتلكاتهم، وانتشر حينها قطاع الطرق، حتى إن طرق القادمين للحج لم تسلم أحياناً من عصابات تطالبهم بالإتاوات والأعطيات مقابل مرورهم بسلام أو ضمان إيصالهم لمنطقة محددة دون أذى، وكل هذا بسب الخلل الحاصل على المستوى الأمني تلك العقود الماضية، إلى أن قيض الله سبحانه جلالة الفارس الفذ الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل الذي هبَّ لاستعادة حكم آبائه ونشر الأمن والطمأنينة والرخاء بعد توحيد البلاد تحت راية وقيادة واحدة، تلتزم بكلمة التوحيد قولاً وعملاً وتطبيقاً في كل شؤونها، وسار أبناؤه الملوك على خطاه ونهجه إلى عهدنا الزاهر الميمون - بإذن الله - عهد سلمان العزم والحزم وسمو ولي عهده أيدهم الله. المؤسس يرسي قواعد الأمن بعد ما تمكن الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود من بسط سلطاته وإعلان توحيد البلاد تحت مسمى واحد وراية وقيادة واحدة؛ كان نشر الإسلام الصحيح ومحاربة البدع والضلالات التي انتشرت وتمكنت من عقول الناس أهم اهدافه، وكان ضبط الأمن وتوفير الأمان وتحقيق الاستقرار وازالة الخوف والفزع والرعب والسلب والنهب الذي كانت تتعرض له قوافل الحجيج أبرز أولوياته، فأعلن تطبيق أحكام الشريعة وتحقيق الأمن للمجتمع الإسلامي، وقضى على عصابات اللصوص وقطاع الطرق وتمكن من بسط الأمن في جميع أرجاء المملكة حتى صار الأمن بها مضرباً للأمثال، وكان الملك عبدالعزيز- يرحمه الله- أول حاكم مسلم يدعو إلى التضامن الإسلامي ويضعه موضع التطبيق، إذ دعا إلى أول مؤتمر إسلامي عام في تاريخ الإسلام في عام 1345ه وحضرته وفود الدول الإسلامية وصار جمع العالم الإسلامي على كلمة واحدة والعمل الدائم على وحدة كلمة المسلمين من أهم ثوابت المملكة إلى يومنا الحاضر. ركائز الأمن برؤية المؤسس يقول المؤرخون والدارسون لسيرة الملك عبد العزيز وطريقته في الحكم والإدارة؛ إنه - رحمه الله - أدرك أن الأمن والاستقرار صنوان ودونهما لا يمكن أن تقوم دولة أو يتحقق رخاء ونمو، ومن ثم فكان شغله الشاغل تحقيق الأمن في البلاد، ولم يشغله عن ذلك خوض الحروب وتجهيز الجيوش لإخماد الفتن، وقد وضع لتحقيق أهدافه سياسة قوية وواضحة تقوم على ثلاث ركائز رئيسة، هي: تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية بجميع شؤون الحياة بالبلاد، وتحقيق التنمية الشاملة، وتوفير سبل الحياة الكريمة لجميع المواطنين بمختلف فئاتهم، وإصدار الأنظمة والتعليمات وإقرارها من أجل توطين دعائم الأمن والنظام وفرض هيبة الدولة. وأشارت المدونات والبحوث والدراسات إلى أن تطبيق الشريعة الإسلامية في أنحاء البلاد قاد الناس بفضل الله إلى جمع الكلمة وتوحيد الأمة تحت راية واحدة هي «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، كما أن الملك عبدالعزيز -يرحمه الله- دعا إلى عدد من الإصلاحات التي أدت إلى توحيد البلاد وتوطيد الأمن فيها، ومن تلك الأعمال الإصلاحية تحضير البادية وتوطينهم، وتوفير المعدات الزراعية، وحفر الآبار الارتوازية، وإحكام ربط القبائل بشيوخها، وجعل أفرادها متضامنين في المسؤولية، ومنع الصراعات فيما بينهم، وتوعيتهم وتعليمهم أمور دينهم، وتتبع أخبار الجرائم، وسرعة إحالة القضايا إلى المحاكم الشرعية للبت فيها، وتنفيذ الأحكام الشرعية وإشهارها بين الناس، كما أن الحكومة بتوجيه من الملك عبدالعزيز-رحمه الله- أقرت العديد من الأنظمة والتعليمات التي رسخت دعائم النظام والأمن في البلاد، واعتمدت في ذلك على عدد من الوسائل والإجراءات، مثل إنشاء الأجهزة الأمنية المتخصصة لتنفيذ الأنظمة والتعليمات التي تهدف إلى إقرار الأمن والنظام وحماية الأرواح والممتلكات ومنع الجرائم ومكافحتها، والاجتهاد في اختيار الرجال الأكفاء الذين تتوفر فيهم الخبرة والاستقامة وقوة الشخصية للإشراف على الأجهزة الأمنية، واستعمال جميع الوسائل والمعدات المستخدمة لمكافحة الجريمة والكشف عنها. جهود ملكية لتعزيز الأمن كان واضحاً وجلياً الأثر الإيجابي الطيب للإجراءات والأنظمة التي اتخذها جلالة المك سعود بن عبد العزيز - رحمه الله - خلال فترة حكمه لتوطيد الأمن من جوانبه المتعددة شملت الاقتصاد والسياسة والتجارة والتنظيمات الإدارية والنقدية والجمركية وخلافها، مما انعكس على رفاهية المواطن واستقرار أحوال الأمة، كما اتخذ جلالته إجراءات مالية وإدارية ساهمت كثيراً في استقرار الأوضاع في المملكة وخاصة المالية، وفي عهد جلالة الملك فيصل - طيب الله ثراه - صدرت عدة أنظمة منها: نظام مجلس الوزراء الذي حل محله نظام مجلس الوزراء ذو الرقم أ / 91 وتاريخ 27-8-1412ه، ونظام الموظفين العام الذي حل محله نظام الخدمة المدنية، والأنظمة المالية ونظام المقاطعات ونظام البلديات ونظام التأديب، وارتكز الأمن الوطني منذ تأسيس المملكة على ضرورة حماية استقلال البلاد وحماية سيادتها الإقليمية، وذلك في ضوء تكامل أمنها مع أمن البلدان العربية المحيطة بها واستقلالها، وترتب على ذلك في عهد الملك فيصل تطوران بالغان: الأول أن قضية فلسطين أصبحت القضية الأولى على حد تعبير الملك نفسه، الثانية حقيقة الخطر الإسرائيلي على المنطقة بأسرها. وسعى المغفور له بإذن الله جلالة الملك خالد بعد توليه الحكم إلى تثبيت ركائز الأمن كأساس للتنمية، ففي عهده أمر بتشكيل لجنة حكومية لوضع النظام الأساسي للحكم ونظام مجلس الشورى ونظام المقاطعات تمهيدا لإقرارها، ووجه بتطوير نظام القضاء والرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وديوان المظالم والديوان العام للخدمة المدنية، وأحدث نظاماً جديداً لمجلس الخدمة المدنية ومجلس القوى العاملة ومجلس الخدمة العسكرية. وحينما تولى خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - رحمه الله - وزارة الداخلية في الثالث من شهر جمادى الآخرة 1382ه (31-10-1962م) أعاد تنظيمها وفق أسس عصرية تتناسب مع ما وصلت إليه المملكة من تطور حتى ذلك الحين، وعلى أن يكون العِلْم هو سبيل هذا التنظيم فأنشأ كلية قوى الأمن الداخلي (كلية الملك فهد الأمنية) لتأهيل الشباب السعودي على المستوى الجامعي في العلوم التي تقتضيها نشاطات وزارة الداخلية ومسئولياتها، كما أنشأ معهد ضباط الصف والجنود، معهد المرور، ومعهد قيادة السيارات والميكانيكا ومعهد اللغات، ومعهد التربية البدنية، وميدان الرماية الدولي، ومعاهد أخرى متخصصة وفق حاجات ونشاطات وزارة الداخلية، مع تطوير الوكالات والأسلحة التابعة للوزارة، بحيث تعمل هذه الجهات متعاونة للحفاظ على مزيد من الأمن والاستقرار بالمملكة. واصلت حكومة المملكة جهودها لترسيخ الأمن، ومن أبرزها ما قامت به الأجهزة الأمنية بتوجيهات كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز - طيب الله ثراه - من نشاط ملحوظ في التصدي لذوي الفكر الضال والفئة المنحرفة من الإرهابيين، وشهدت الساحة الأمنية نجاحات متتالية وتحركات استباقية لإفشال كل المخططات الإرهابية واستئصال جذور الفئة المنحرفة وتجفيف منابع الإرهاب، وإدراكاً منه - رحمه الله - بأهمية حماية جبهتنا الداخلية بكوادرنا الوطنية المؤهلة، وإعطاء الفرصة لهم للإسهام في هذا الشرف، ولحاجة الجهاز الأمني للدعم والمساندة بما يُعزز من قدراته لحفظ الأمن والاستقرار؛ فقد أمر في 14 من شهر ربيع الآخر عام 1432ه بإحداث (60) ألف وظيفة عسكرية لوزارة الداخلية. الريادة بمكافحة الإرهاب وتضطلع المملكة العربية السعودية - وما زالت - بدور رئيس في الحفاظ على الأمن والاستقرار بالمنطقة مواصلة تصديها لظاهرة الإرهاب حيث كانت هي من أوائل الدول التي عانت منه، فقد فقدت أعداداً من أبنائها شهداء في العمليات الإرهابية لكنها تمكنت بفضل الله ثم بفضل القيادة الحكيمة والجهود الأمنية المكثفة من إحباط العديد من المخططات الإرهابية للفئة الضالة، واستشعرت قيادة المملكة أهمية تضافر الجهود الدولية لمواجهة الإرهاب فنظمت (أول مؤتمر دولي لمكافحة الإرهاب) ودعمت الجهود الإقليمية والدولية لمواجهة الجماعات الإرهابية إدراكاً منها أن الإرهاب لا يعرف حدوداً ويشمل بضرره كافة الأوطان والشعوب. كما أن للمملكة إسهاماتها الواضحة والملموسة في الساحة الدولية عبر الدفاع عن مبادئ الأمن والسلام والعدل وصيانة حقوق الإنسان ونبذ العنف والتمييز العنصري وعملها الدؤوب لمكافحة الإرهاب والجريمة طبقا لما جاء به الدين الإسلامي الحنيف الذي اتخذت منه المملكة منهجاً في سياساتها الداخلية والخارجية، بالإضافة إلى جهودها في تعزيز دور المنظمات العالمية والدعوة إلى تحقيق التعاون الدولي في سبيل النهوض بالمجتمعات النامية ومساعدتها على الحصول على متطلباتها الأساسية لتحقيق نمائها واستقرارها، وينعكس ذلك في الإعلان عن تبرع المملكة بمبلغ (100) مليون دولار لدعم المركز الدولي لمكافحة الإرهاب وتفعيله تحت مظلة الأممالمتحدة، مناشدة كل الأمم الأخرى المشاركة بدعم المركز لتحقيق هذا الهدف الجليل مكافحة الإرهاب والقضاء عليه. الحوار بين أتباع الأديان والثقافات وأثمرت جهود خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - رحمه الله - في مجال تنشيط (الحوار بين أتباع الأديان والثقافات)، ودعوته بأكثر من مناسبة إلى تعزيز الحوار بين الحضارات والثقافات المختلفة، وإلى ضرورة تعميق المعرفة بالآخر وبتاريخه وقيمه وتأسيس علاقات على قاعدة الاحترام المتبادل والاعتراف بالتنوع الثقافي والحضاري بانعقاد (المؤتمر العالمي للحوار) بالعاصمة الإسبانية مدريد في يوليو 2008م، ليؤسس بذلك منتدى عالميا للحوار بدأت ملامحه تتشكل من خلال تأسيس لجنة المتابعة لحوار أتباع الأديان وعقدت أول اجتماع لها بالعاصمة النمساوية فيينا لمتابعة سبل تنفيذ مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للحوار بين أتباع الأديان والثقافات والحضارات التي أطلقها في افتتاح المؤتمر العالمي للحوار، بالإضافة إلى إطلاقه الجائزة العالمية للترجمة، إيماناً منه بأن النهضة العلمية والفكرية والحضارية إنما تقوم على حركة الترجمة المتبادلة بين اللغات بصفتها ناقلاً أميناً لعلوم وخبرات وتجارب الأمم والشعوب، والارتقاء بالوعي الثقافي وترسيخ الروابط العلمية بين المجتمعات الإنسانية كافة. الملك سلمان يأمر بعاصفة الحزم ووجه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز فجر الخميس - 5 جمادى الآخرة 1436 ه - 26 مارس 2015م ببدء عملية (عاصفة الحزم) ضمن تحالف خليجي لحماية الشرعية في اليمن تلبية لنداء الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لحماية البلاد من المتمردين الحوثيين الذين أصبحوا على وشك الاستيلاء على مدينة عدن، وأعلنت الدول الخليجية (حينها) دعم الشرعية اليمنية؛ وجاء في بيان من الدول الخليجية: (قررت دولنا الاستجابة لطلب فخامة الرئيس عبد ربه منصور هادي رئيس الجمهورية اليمنية لحماية اليمن وشعبه العزيز من عدوان الميليشيات الحوثية التي كانت ولا تزال أداة في يد قوى خارجية لم تكف عن العبث بأمن واستقرار اليمن الشقيق). وأشار البيان إلى أن الدول الخليجية المشاركة في التحالف تابعت بألم كبير وقلق بالغ تطورات الأحداث الخطيرة بالجمهورية اليمنية التي زعزعت أمن اليمن واستقراره جراء الانقلاب الذي نفذته الميليشيات الحوثية على الشرعية، كما أصبحت تشكل تهديداً كبيراً لأمن المنطقة واستقرارها وتهديداً للسلم والأمن الدولي، وأن هذه الدول قد سارعت لبذل كافة الجهود للوقوف إلى جانب الشعب اليمني الشقيق في محاولاته لاسترجاع أمنه واستقراره من خلال البناء على العملية السياسية التي أطلقتها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ولحماية المنطقة من تداعيات هذا الانقلاب.