تقوم اللجنة الوطنية لرعاية السجناء والمفرج عنهم وأسرهم بدور ريادي في تأصيل ثقافة التراحم، والرعاية المجتمعية، وتفريج كرب السجناء وأسرهم، بعد أن فقدوا معيلهم، وأصبحوا في أمسّ الحاجة للمساعدة المالية والرعاية الاجتماعية حماية لهم من الضياع، وإكرامًا لإنسانيتهم، وتلبية لاحتياجاتهم الأساسية. تعمل «تراحم» على محورين رئيسين، الأول مرتبط بالسجناء خلال فترة محكوميتهم، وبعد انتهائها؛ إذ تسعى جاهده إلى أن تتحول فترة السجن إلى فترة إصلاح شاملة لجوانب الحياة المختلفة، منها الدينية والصحية والتعليمية والتدريبية والاجتماعية، بما يضمن إعادة التأهيل، واكتساب المهارات والشهادات العلمية التي تمكّنهم من الانخراط في المجتمع بعد خروجهم، وتجعلهم قادرين على كسب رزقهم، والالتحاق بالوظائف المختلفة. التدريب والتأهيل والتوظيف من أهم مخرجات «تراحم» للسجناء، التي تساعدهم على التحوُّل والانضباطية، والانخراط المجتمعي، والعمل الذي يضمن تحسين مساراتهم المستقبلية. ويرتبط الجانب الثاني بأُسر السجناء الذين لا حول لهم ولا قوة. فمن الظلم أن تفقد أُسر السجناء مستقبلها، أو أن يتعرض أحد أفرادها للانحراف لغياب ولي الأمر. فإصلاح السجين يجب أن لا يقود إلى إلحاق الضرر بالأسرة، وإن كان بطريقة غير مقصودة، وهو أمر تسعى «تراحم» لتجنبه، ومعالجة ما قد ينتج من غياب ولي الأمر القسري. العناية بأسر السجناء أحد أهم الأهداف المباركة التي يمكن من خلالها حماية المجتمع بأسره، وليس عائلة السجين. مد يد العون والمساعدة لأسر السجناء وأبنائهم، واحتواؤهم، والمحافظة عليهم من الانحراف، من أعمال الخير والتكافل الاجتماعي التي يحتاج إليها المجتمع بمكوناته، ويحث عليها ديننا الحنيف. وتجنّد الدولة كامل طاقاتها لتحقيق ذلك الهدف من خلال مؤسسات المجتمع المدني، وفي مقدمها «تراحم»، التي تقوم فلسفتها على خدمة المجتمع، وشريحة مهمة تستحق الرعاية والإصلاح؛ يدفعها إلى ذلك التزامها بالمسؤولية المجتمعية، مستمدة قوتها من الدعم والتحفيز الحكومي الذي يعزز مساهماتها المجتمعية وفق منظومة رسمية أمنة، وضامنة لتحقيق الأهداف الإنسانية، وإيصال المساعدات لمستحقيها بشفافية مطلقة، ورقابة مؤسسية، وكفاءة، تدعمها خبرات إدارية، وتشرف عليها قيادات عليا؛ ما يجعلها الأكثر كفاءة وموثوقية واستحقاقًا للدعم والتمكين. تحقيق الاستدامة من أهم برامج التحول التي تعمل على تنفيذها «تراحم» من خلال استراتيجيتها الجديدة، والتحول نحو التنموية، المتماهية مع رؤية المملكة 2030. لم يعد العمل التقليدي المرتبط بتقديم المعونات والدعم كافيًا وفق الرؤية الجديدة لمؤسسات المجتمع المدني؛ إذ تتطلب المتغيرات التنموية التركيز على ملفات وقضايا تنموية محققة للاستدامة، وهو ما تسعى اللجنة لتنفيذه تحقيقًا للأهداف التنموية التي ستنعكس على السجناء وأسرهم، والمجتمع بشكل عام. الشراكة مع القطاعات الحكومية كافة يمكن أن تعزز إمكانيات تراحم، وتزيد في فاعليتها ودورها في المجتمع. الاستدامة المالية أحد أهم البرامج التي تعمل على تحقيقها، وهو أمر لا يمكن الاستغناء عنه. الاعتماد على التبرعات قد لا يحقق الاستدامة المنشودة؛ لذا أحسب أن تنويع مصادر الدخل، من خلال التوسع في الأوقاف والاستثمارات الآمنة والاشتراكات المستدامة، والشراكات مع المؤسسات المالية، يمكن أن تخلق قاعدة الاستدامة المالية. نجحت «تراحم» خلال العام الماضي في خدمة ما يقرب من 31600 مستفيد، ما بين سجناء، وأسرهم، والمفرج عنهم. ومن المتوقع أن ينمو عدد المستفيدين بشكل أكبر، خاصة مع وجود الدعم الحكومي والمجتمعي الذي تحظى به اللجنة. قال -صلى الله عليه وسلم-: «الراحمون يرحمهم الرحمن. ارحموا مَن في الأرض يرحمكم مَن في السماء». ومن أعظم الرحمات تلك التي توجَّه لأسر السجناء المحتاجين للدعم والرعاية، وللسجناء أنفسهم، الذين أصبحوا أكثر حاجة للرعاية وإعادة التأهيل والتوجيه والتوظيف بعد انقطاعهم عن العالم الخارجي.