موقف المملكة من القضية الفلسطينية والسلام مع إسرائيل جلي ومعلن قبل ما يقرب من عشرين عاماً، وأعاده إلى الأذهان مرة أخرى سمو وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان حين كان في زيارة لألمانيا قبل شهر في أثناء مؤتمر صحفي عقده مع وزير الخارجية الألماني، وأكد أن المملكة ملتزمة ب»مبادرة السلام العربية» التي أطلقتها في مؤتمر القمة العربية الرابعة عشرة ببيروت، وقدمها ولي العهد -آنذاك- الأمير عبدالله بن عبد العزيز رحمه الله، وحظيت بتأييد عربي واسع، وضمن البيان الختامي للقمة بنود المبادرة الصادر في 28 مارس 2002م الموافق 14 محرم 1423ه وتنص على حل الدولتين، والأرض مقابل السلام، والعودة إلى حدود ما قبل الرابع من حزيران 1967م والانسحاب من الجولان والأراضي المحتلة في جنوبلبنان تنفيذاً لقراري مجلس الأمن 242 و338 والاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة، والإيمان بحق عودة اللاجئين بعد نكسة 67 أو تعويض من لم يرغب في العودة، وضمان حرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية لجميع الأديان بالأماكن المقدسة. وقد كانت بذور المبادرة العربية محاولة سعودية أولى مبكرة قدمها ولي العهد -آنذاك- الأمير فهد بن عبد العزيز -رحمه الله- إلى القمة العربية الثانية عشرة في فاس 7 أغسطس 1981م وثار جدل طويل حولها فتم تأجيل جلساتها إلى أن حدث توافق على استئناف جلسات المؤتمر مرة أخرى على إثر غزو إسرائيل جنوبلبنان؛ فعقد المؤتمر ثانية في 25 نوفمبر 1981م وتم تقديم مبادرة «سلام سعودية» وحظيت بموافقة الأغلبية. وهكذا بذلت المملكة جهودها الكبيرة لتنتقل المبادرة من كونها سعودية في قمة فاس 1981م إلى عربية في قمة بيروت 2002م وتقدم حلولاً شاملة للصراع العربي الإسرائيلي. لم يكن رأي منظمة التحرير الفلسطينية متفاعلاً مع المبادرة السعودية، ولا مع المبادرة العربية، وهو شأن كل الفصائل الفلسطينية المتعددة على اختلاف توجهاتها الأيدلوجية، وما زال الموقف الفلسطيني المتعنت لم يتغير ولم يتبدل إلى اليوم يراوح مكانه منذ نكبة 1948م، ثم نكسة 1967م، ثم أيلول الأسود في الأردن 1970م، ثم صبرا وشاتيلا في لبنان 1982م فإلى أين هم ذاهبون بالشعب الفلسطيني بعد كل هذه الهزائم والانتكاسات والعذابات؟ كيف للشعب الفلسطيني الذي شرد من أرضه ودخل حالة التيه الواسعة وامتهن بؤس الشتات واللجوء إلى دول الجوار أو العيش تحت وطأت المحتل، أو انتظار المجهول تحت تهديد صراعات القيادات التي تتنازع المصالح والمكاسب، أو النار الإسرائيلية التي تصب «القبة الحديدية» على أي مصدر إطلاق عليها من غزة. من المستفيد من بقاء الشعب الفلسطيني تحت رحمة قيادات الفصائل التي تتكسب بقضيته وقد بذلت المملكة وأشقاؤها الخليجيون كل الجهود المضنية لإخراجهم من حالة التيه والشتات والألم وضياع الهوية؟! لماذا يشتمنا كثيرون من الفلسطينيين الجاحدين وكأننا من صنعنا مأساتهم دون أن ينظروا بعقلانية وواقعية إلى ما قدمته المملكة ودول الخليج من مليارات الدولارات وما بذلته من جهود دبلوماسية للوصول إلى حلول سياسية؟!