الطفيلي هو من يعيش عائلاً على غيره، وقد لا يرى بالعين المجردة، يبدأ الفيلم بثبات زاوية الكاميرا من تحت الأرض كلقطة مستفزة تبعها مشهد محاولة الحصول على النت من أقذر الأماكن الضيقة، وكذلك فتح النافذة العلوية ليسمح للغاز المبيد من أن يغمر القبو حتى كاد يتسبب في اختناق أفراد العائلة، وهذا ما يحمل المشاهد على عدم التعاطف معهم، فهم أصحاء وأقوياء، وكل ما في الأمر أنهم ألفوا العيش بصحبة الحشرات في داخل مكان محصور ووسخ وضيق، وفي الوقت نفسه هم رضوا بواقعهم وعلقوا جل أمانيهم في النجاة بالتشبث بحجر مجهول المصدر أو حصاة عشوائية، قد يكون التعلّق بها ما يبعث في نفوس الكسالى الأمل في النقلة من حياة البؤس صوب حياة الثراء. لقطات الفيلم تصور بشكل دقيق ومن زوايا ذكية ما يجسد الفوارق الطبقية بين الفقراء والأغنياء سواء من زوايا البيت أو الطرقات المفضية إليها، ففي الوقت الذي كان قضاء حاجة المارة، يصل للبيت الفقير، في الوقت نفسه فهناك حراسة مشددة لاختيار من يسمح له بالدخول لبيوت الأغنياء. الجميل في الفيلم أنه لم يتبن المنهجية الحدية في تصنيف الشخصيات فليس هناك شخصيات خيرة بالكامل وأخرى شريرة ينعدم فيها الخير، ولا تستطيع أن تتخذ موقفاً عدائياً من شخص بعينه، فالجميع تحس بتعاطف معهم، إذ يجتمع فيهم الخير والشر معاً سواء الطبقة الغنية جداً من السذاجة والاغترار وتصديق الآخر واعتقاد الخير فيه أو الفقراء بعوزهم وبؤسهم وتطلعهم للخلاص. الأغنياء ومثلهم ميسوري الحال قد يسهل خداعهم، لاسيما إذا لامست وجعاً بداخل نفوسهم كحال سيدة القصر التي احتارت في أمر طفلها الصغير وابنتها المراهقة، وهاتين المشكلتان تحديداً حملتا الشاب على ادعاء أنه مدرس للغة الإنجليزية لابنتهم المراهقة، في حين تظاهرت أخته بأنها مدرسة بارعة في معالجة مشاكل الأطفال النفسية بالرسم وبيع الأوهام والترويج لأكاذيب في حين لا تملك سيدة القصر بعد التلاعب بمشاعرها، سوى التصديق مع التعلّق بها أكثر كحل عاجل لوضع طفلها! وما أكثر المتلاعبين باحتياج الناس من أدعياء المعرفة في أيامنا هذه. الرائحة هي أحد ما يميز الطبقية وأكثر من نجح في تمييز الصلة بين أعضاء الأسرة الفقيرة هو الطفل بقوة حاسة الشم عنده! وعلى الرغم من الفكرة المطروحة في غسل ملابسهم بأنواع مختلفة من الصابون حتى لا يفتضح أمرهم إلا أن تعليق الفتاة كان صائباً حين قالت إن الرائحة يصعب التخلص منها لأنها تأتي من القبو الذي يسكنونه فأي محاولة للتخلص من تبعات الفقر هي محاولة فاشلة، إذ الفقر يبقى وصمة في حس صاحبة مهما تبدل حاله وتحسن وضعه. ظاهرة المطر، نعمة وخير وجمال لدى الأغنياء في حين أن الفقراء لا يجدون حتى ما يقيهم تبعات نزول المطر فهم يغرقون ولا يعثرون حتى على صفيح يحملهم على سطحه، وقس على ذلك أي ظاهرة تخرج عن المألوف، سواء كانت طبيعية أو اقتصادية أو اجتماعية، قد لا يحس بها الأغنياء أو قد لا يتأثرون بها في حين أن الفقراء هم أول من يدفع ضريبة ذلك، الفيضانات وقس عليها سائر الكوارث الطبيعية ويلحق بها الأوبئة، هي لا تكشف العيوب من الأماكن فحسب، بل وتخرج أعمق ما في النفس البشرية، فهناك من يسعى لينجو بنفسه وهناك من يتخذ وضعية تشاؤمية فيسخر لا مبالياً بكل الاهتمامات حين لا يتجاوز اهتمامه شيئاً مما حوله، إذ لا شيء سيخسره ولا شيء يستحق الالتفات صوبه. انتقل الصراع بين أفراد الطبقة الفقيرة نفسها؛ بين طبقة الفقراء المتطفلين على الأغنياء وبين فقير وزوجه من نوع آخر يعش في أسفل قصر الغني ويأكل من فتات قوته وما يرسل إليه بالاختباء وعلى الرغم من سجنه الدائم بقبو القصر إلا أنه قانع وراضي ويرى أن الخروج من قبوه هو نهاية لحياته المحدودة الضيقة المحتجزة!. ينتهي الفيلم بصورة درامية مفاجئة، يكن المحرك فيها هو ذلك الجرح الغائر في داخل النفس وسببه رائحة الطبقية. نال الفيلم الكوري الجنوبي Parasite، 4 جوائز صنع بها تاريخ جديد للسينما الكورية، حيث نال جائزة أفضل فيلم وفاز مخرجه بونج جون هو بجائزة أفضل مخرج وأفضل سيناريو وأفضل فيلم أجنبي غير ناطق بالإنجليزية، والمفاجأة الكبرى كانت في نيل الفيلم جائزة أفضل فيلم ونال جائزة السعفة الذهبية من مهرجان كان.