جميل ومبهج ما سمعناه مؤخرًا وقرأناه في الاتفاقية ومذكرة التفاهم بين وزارتي الثقافة والتعليم، والمتضمنة قيام وزارة الثقافة بتطوير آليات العمل الثقافي وتعزيز البرامج التعليمية والأنشطة الثقافية، ومنها ما يتعلق بالمسرح بشكل خاص والفنون بشكل عام، وهي خطوة أراها رائعة وتسير في اتجاه صحيح وتكاملي على اعتبار أن مأسسة هذا الفعل وإحالته وتقديمه منهجًا واضحًا يحتاج إلى دراسات تخصصية ومعاهد معنية وأكاديميات تقدم المعلومة وفق إطار منهجي معرفي وتطبيقي. والمسرح كما هو معلوم أحد العلوم الإنسانية التي تتبع لكليات ومعاهد تخصصية يحصل من خلالها الطالب/ة على معارف ومعلومات تصل به لدرجة عالية من الذائقة والنجابة والنضوج والإتقان بعيدًا عن العشوائية التي قد تمارس في أحايين كثيرة، وربما وزارتا الثقافة والتعليم من خلال برامج الابتعاث والدراسات الجامعية التخصصية للمسرح والفنون والتي أعلنتاها مؤخرًا قادرتين على صناعة الفرق ونمذجة العمل، خصوصًا أن هناك هيئة تم تشكيلها مؤخرًا بمسمى هيئة المسرح والفنون الأدائية قد يأتي ضمن مسارات العمل لديها المسرح المدرسي، وهو ما أعلنه رئيسها الأستاذ والصديق الأثير سلطان البازعي في تصريح عابر له إضافة للدور المنتظر من خلال مبادرة المسرح الوطني ورئيسها المثقف عبدالعزيز السماعيل. والحديث هنا عن المسرح التربوي بمعناه العام والمسرح المدرسي بمعناه الخاص يكتسبان أهمية مضاعفة الجهد والعمل من خلال حضوره لما يضطلع به من دور كبير في تشكيل وعي الطالب وتكوين كثير من المعارف والغايات وتفجير لطاقاته الإبداعية والسلوكية متى ما أحسن التعامل معه واعتباره واجهة حضارية معرفية ثقافية وطنية تسهم في تشكيل وعي شخصية الطفل، ولذلك لم يكن مارك توين مبالغًا حينما ذهب إلى أن مسرح الطفل باعتباره أحد مسارات المسرح التربوي أعظم الاختراعات في القرن العشرين ووصفه بأنه (أقوى معلم للأخلاق وخير دافع إلى تقويم السلوك الإيجابي بعد أن اهتدت إليه عبقرية الإنسان)، وهذا تأكيد على أن المسرح فعل يتنامى ويتزايد وفق المعطى الزماني والمكاني, ومن واقع خبرة وممارسة في دهاليز المسرح المدرسي وارتباط شخصي وشيج لأكثر من ربع قرن نهمس للأصدقاء في الوزارتين والهيئة ونقول لهم المسرح الذي نرومه اليوم هو ذلك المسرح الذي يعطي مزيداً من الفرجة والاستبصار بالنفس وبالواقع واستشراف الحالة في مساحات كبيرة غير مؤطرة في نطاقيق يقتل الإبداع, والمسرح الذي نحتاجه اليوم هو المسرح الذي لا يمكن له الوقوف في منطقة الانتظار ريثما ينتهي الآخرون بحجة عدم قدرته على مواجهة التدفق التقني والرقمي الهائل من خلال التطبيقات المتاحة كالسينما والأفلام وغيرها برغم أهميتها وتأثيرها بالطبع بكل أشكالها وتفاصيلها في جزء كبير من الحياة، بيد أن الرهان الأكبر والأبرز الذي أعتقده لدى المؤرشين والمخططين والمشرعين من الوزارتين في حضور المسرح المدرسي كفعل له دلالته ومبادئه وحاجاته وذائقته الجمالية ذات الأثر والتأثير يتعالق في كسب هذا التحدي وفق معادلة تستوعب كل ممكنات ومحددات الحالة والسير بها نحو الجمال والدهشة والإبهار ولا غيره وهو المطلوب تحقيقه، ليقيننا التام بأن المسرح هو أحد شرايين الحياة الدالة على الحضارة والقيمة والسمو للمجتمعات من خلال الخيال والمحاكاة والحب والبهجة والمغايرة. وهذه لا يمكن أن تكون في حدها الأدنى إلا وفق إدراج مادة صريحة ضمن مقرارات الدراسة في التعليم العام والجامعي أيضًا تعنى بتدريس المسرح على مستوى التاريخ والتنظير والتطبيق والتفكير والوعي والخيال والمعرفة، وتكون أحد المنارات التي تسهم في سد الفجوة المعرفية والجمالية والفنية للطالب/ة، أليس المسرح علمًا له أصوله وقواعده ونظرياته وتطبيقاته وفلسفته المغايرة والمتنامية وطقوسه في آن؟ -أشير هنا فقط وأقول إن ملف مسرح التعليم الذي بدأ رحلته الأخيرة والتطويرية قبل حوالي ربع قرن كانت مع وزير المعارف آنذاك معالي الدكتور محمد الرشيد -رحمه الله- في العام 1998م الذي أولى اهتمامًا كبيرًا بالنشاط الطلابي بوجه عام والمسرح بشكل خاص، وكان الإصرار منه في أهمية تأسيس مهرجان للمسرح المدرسي، وهو ما كان في النسخة الأولى والذي احتضنته مدينة الغيم الطائف وقدم فيه خمسة عروض مسرحية أعقبه النسخة الثانية في العام 1999م في مدينة الضباب والمطر أبها وقدم أيضًا على هامش هذا المهرجان المسرحي برنامج تدريبي مسرحي مكثف لمشرفي النشاط الثقافي بالمملكة والذي انطلق منه معظم الزملاء في رسم تجارب مسرحية مدرسية مقنعة جدًا، كانت نتيجة ذلك حصول الفرق المسرحية المدرسية التي شاركت باسم الوطن في مناسبات خارجية على منجزات وجوائز نفاخر بها، والأمثلة على ذلكم كثيرة في عُمان والأردن وتونس والبحرين والمغرب وغيرها الكثير، إضافة للإرث الفني لوزارة التعليم في تنفيذ أربعة عشر مهرجانًا مسرحيًا موزعة على امتداد خارطة وطني العزيز خلال عقدين من الزمن وتزيد، ويمكن قراءة ذلكم المشهد وفلسفته ومعرفة أين وصلنا وماذا نريد؟ - قبل الختام أقول إن جهودًا كبيرة قدمها زملاء أكفاء ومبدعون كانوا وما زالوا نماذج في العطاء والبذل من خلال الإعداد والتخطيط والتنفيذ للعديد من البرامج المسرحية، عملوا كذلك في لجان تطوير المسرح المدرسي وفي إدارات التعليم لسنوات طويلة ماضية وبكفاءة عالية، رسموا سابقًا شيئًا من المشهد المسرحي المدرسي وفق الكائن والممكن والمتاح,,! - أخيرًا أدرك تمامًا الوعي والفكر والنضج والاستشراف الذي يحمله سمو وزير الثقافة الأمير المثقف بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود ومعالي وزير التعليم الملهم الدكتور حمد آل الشيخ في رسم وتأثيث هذا المشروع الثقافي والمتماهي مع رؤية طموحة قادرة على استدعاء كل الممكنات الرائدة التي تليق بالوطن العظيم. ** ** أحمد السروي - مدير جمعية الثقافة والفنون في أبها