أشعر اليوم أني نضجت بشكل كافٍ لمعرفة ما أريده وما أحبه، وما يسعدني في هذه الحياة، فاليوم بلغت الأربعين. والأربعون في الفكر الصوفي ترمز إلى الصعود من مستوى إلى مستوى أعلى، وإلى يقظة طارئة. فعندما نحزن نحزن لمدة أربعين يومًا، وعندما يولد الطفل يستغرق أربعين يومًا حتى يتهيأ لبدء الحياة على الأرض، كما تحتاج الأم أربعين يوماً من الراحة بعد الولادة. وعندما نعشق يجب أن ننتظر أربعين يومًا حتى نتأكد من حقيقة مشاعرنا، استمر طوفان نوح عليه السلام أربعين يومًا. وكان النبي محمد -عليه الصلاة والسلام- في الأربعين من عمره عندما نزل عليه الوحي. الأربعون هي العمر الوحيد الذي ذكره الله -عز وجل- فى كتابه حيث قال: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (سورة الأحقاف: 15). يقول ابن كثير فى تفسيره للآية الكريمة: «ابن الأربعين لا يتغير عما يكون عليه، وفي الأربعين يتناهى العقل ويكمل الفهم والحلم وتقوى الحجة، وليس أدل على ذلك من أن الأنبياء بعثوا فى أقوامهم بالرسالة بعد بلوغهم الأربعين». يقال إن الزواج فى هذه السن بالذات «سواء كان أول مرة أم لا» زواج ناجح لأصحابه فهو سن اختيار العقل والروح والقلب. للأربعين سر عميق في حياة الإنسان، هي الأكثر بين سنوات العمر التي تغني بها الشعراء وتغزل بها المثقفون، هي قمة جبل الأحلام والتأملات، عند الوصول إليها سترى الأشياء من مكان مرتفع وهادئ. كل عام وأنا بخير. ** **